أصدر تنظيم الإخوان في عام 1974 تعليمات إلى أعضائه بضرورة دعم سياسة الانفتاح الساداتية الناجمة عن إجراءات طلب الصندوق الدولي تطبيقاً، وكان بروز ما يدعى بالمصارف الاسلامية مركزياً في الاقتصاد المصري، ولعب ما أصبح يدعى بنمو الاقتصاد الإسلامي في مصر دوراً كبيراً في تشجيع انتشار الإسلام السياسي، ولجأ تنظيم الإخوان إلى الموارد المالية لأنصاره لتقويته اجتماعياً وسياسياً وتغلغل أعضاء من الجماعة في إدارات المصارف العاملة تحت مختلف الأسماء الإسلامية سواء في مصر أو غيرها من البلدان، مستفيدين من تعاون واسع النطاق في تمويل أنشطة الجماعة داخلياً و خارجياً، ولكن على الرغم من أن الكثيرين الذين احتلوا مناصب قيادية من الإخوان في إدارات هذه المصارف تمت إزاحتهم بعد اغتيال السادات، إلا أن الأضرار الاقتصادية التي أحدثوها قد حدثت على أي حال.
وخلال ثمانينات و تسعينيات القرن الماضي قاومت هذه الشبكة المصرفية كل جهود الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك لتفكيكها، أي تفكيك هذا الزواج بين أيديولوجية الجماعة الإخوانية وقوة المصارف التي حولت اليمين الإسلامي أخيراً إلى قوة عالمية.
ومن المعروف أن الشبكة المالية الإخوانية في بعض البلدان العربية و الغربية خصوصاً في سويسرا تقف حسب تحقيقات أجهزة الاستخبارات الغربية ذاتها وراء عمليات تمويل ما تدعى الجماعات الجهادية خصوصاً في البلدان التي يحاول الغرب بسط نفوذه على مقدراتها.
وبهذا أعاد السادات الإخوان وحركتهم إلى مصر بعد سنوات من شتاتهم في مختلف البلدان العربية و الغربية التي شكلت محميات لهم، ولم تنزعج الولايات المتحدة التي اعتادت التعامل مع الدول الداعمة لها. و الحقيقة أن واشنطن كانت تتوق إلى العمل مع أنور السادات لتجلب مصر إلى جانبها في الحرب الباردة، وهي سياسة شجعها صناع القرار الدبلوماسي والسياسي ورجال المخابرات الأمريكيون الذين رأوا في إعادة اليمين الإسلامي إلى مصر أمراً يجب تشجيعه ضمنياً أو باعتدال، ولكن السادات بفعله هذا فتح ما يدعى في الأساطير اليونانية بـ "الصندوق بندورة" أي الصندوق الذي فتحته بندورة وهي غافلة عما يحتويه فانطلقت منه كل الشرور وعمت العالم، فما أن أطلق سراحها ولم تعد تعرف حركة الإخوان حداً لنشاطها، وما أن عادت لموطن أسلافها حتى عادت للعمل بشكل محموم لنشر نفوذها على نطاق عالمي.
وكانت التبعيات اللاحقة عميقة ومميتة، ليس على الرئيس المصري نفسه على الأقل بل على الشعب المصري بأكمله، الذي ما يزال يدفع ثمن ما جناه السادات على نفسه وعلى بلده بدعم هذه الجماعة الإرهابية. والبعض سوف يهاجم أو يتهكم على ما أقوله، ولكن هذا هو الواقع الذي ستظهر تجلياته بشكل خاص في الأيام القادمة على المملكة السعودية التي دعمت ما يدعى الاقتصاد الإسلامي و رعت الجماعات السلفية و الوهابية و التيارات الدينية في مصر و دول أخرى، مما قد يجرها إلى ويلات آثار هذه الجماعات التي تسببت في كوارث اقتصادية و اجتماعية أينما حلت.