تستعد اسرائيل حكومة وشعبا لوداع رئيسها السابق شيمون بيريز الذي توفي فجر الاربعاء عن 93 عاما نتيجة جلطة دماغية اصيب بها قبل اسبوعين والذي سيشيع في القدس الجمعة في جنازة يحضرها قادة من العالم اجمع.
وسيسجى جثمان بيريز، أحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق اوسلو للسلام مع الفلسطينيين في 1993 وحامل جائزة نوبل للسلام، الخميس طيلة 12 ساعة امام الكنيست في القدس حيث سيتاح للإسرائيليين القاء النظرة الاخيرة على رئيسهم السابق.
وتم تحديد جنازة بيريز صباح الجمعة في القدس حيث سيدفن في مقبرة جبل هرتزل التي دفن فيها عدد من القادة الاسرائيليين الكبار، وسيشارك في الجنازة عدد من قادة العالم.
ومن أبرز هؤلاء القادة الرؤساء الاميركي باراك أوباما، والفرنسي فرنسوا هولاند، والألماني يواكيم غاوك، وولي العهد البريطاني الامير تشارلز، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، والعاهل الاسباني الملك فيليبي السادس، إضافة الى الرئيس الاميركي الأسبق بيل كلينتون الذي سيحضر من دون زوجته هيلاري نظرا لانشغالاتها في حملة الانتخابات الرئاسية.
وفي حين سيكون هؤلاء الزعماء موجودين في جبل هرتزل فان العامة سيتمكنون من متابعة وقائعها عبر شاشات عملاقة ستنصب خصيصا للمناسبة.
وأعلنت السلطات الاسرائيلية فرض إجراءات أمنية استثنائية للمناسبة لا سيما وأن بيريز توفي قبيل أيام من عيد رأس السنة اليهودية والذي يعقبه بعد عشرة أيام عيد الغفران وهما مناسبتان كبيرتان غالبا ما تستبقهما الدولة العبرية بتعزيز الإجراءات الامنية خشية وقوع هجمات فلسطينية خلالهما.
كما اعلنت الحكومة الاسرائيلية تنكيس الاعلام في كل المباني الرسمية في الدولة العبرية وفي البعثات الدبلوماسية الاسرائيلية في الخارج، وذلك اعتبارا من صباح الخميس.
وتوفي بيريز في مستشفى تل هاشومير في رامات غان، وقال ابنه حيمي بعد اعلان الوفاة "نودع اليوم بحزن عميق والدنا العزيز، تاسع رئيس لدولة اسرائيل شيمون بيريز".
وقال رافي والدن، طبيب بيريز وصهره، لوكالة فرانس برس ان بيريز توفي اثناء نومه قرابة الساعة الثالثة فجرا متأثرا بجلطة دماغية.
وبيريز هو الشخصية الاخيرة من جيل مؤسسي دولة اسرائيل وأحد المهندسين الرئيسيين لاتفاق اوسلو.
واشاد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو ببيريز على انه "صاحب رؤية" و"بطل في الدفاع عن اسرائيل".
وقال نتانياهو الذي كان خصما سياسيا لبيريز ان هذا الاخير كان "صاحب رؤية الى المستقبل. وكبطل في الدفاع عن اسرائيل، قام بتعزيز قدراتها في نواح كثيرة بعضها لا يزال غير معترف بها حتى يومنا هذا"، في اشارة الى دور بيريز في تطوير البرنامج النووي الاسرائيلي غير المعلن.
وفي أول رد فلسطيني رسمي على الوفاة، عبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاربعاء عن اسفه وحزنه لوفاة بيريز، وقال انه "كان شريكا في صنع سلام الشجعان" مع ياسر عرفات.
وجاء ذلك في برقية تعزية بعث بها الى عائلة بيريز، بحسب ما اوردت وكالة الانباء الفلسطينية "وفا".
وفي ردود الفعل الغربية على وفاته، أشاد الرئيس الاميركي باراك اوباما ببيريز "احد الآباء المؤسسين لدولة اسرائيل ورجل الدولة الذي اعتمد في التزامه من اجل الامن والبحث عن السلام على قوته المعنوية الثابتة وتفاؤله الراسخ".
كما اشادت به كل من برلين وموسكو وباريس وغيرها من العواصم.
وقال الامين العام للامم المتحدة بان كي مون ان بيريز كان يعمل "بلا كلل في السعي الى السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين".
وكان بيريز اصيب في 13 سبتمبر الماضي بجلطة دماغية رافقها نزيف داخلي نقل على إثرها الى قسم العناية الفائقة في مستشفى تل هاشومير، حيث أعلن الاطباء ان وضعه حرج واخضع للتنفس الاصطناعي في قسم العناية المركزة.
واكد مصدر في محيطه طالبا عدم كشف هويته لفرانس برس ان وضعه الصحي تدهور الاثنين، مشيرا الثلاثاء الى ان "الرئيس بين الحياة والموت"، والى ان الجلطة تسببت بأضرار دماغية دائمة.
- نوبل السلام ومجزرة قانا -
وكان بيريز في وسط المعارك الكبرى في تاريخ اسرائيل وفي صلب السجالات العنيفة التي واكبت الحياة السياسية في هذا البلد. واذا كان الاسرائيليون ينظرون اليه على شخصية توافقية واحد حكماء البلاد، فيعتبر الشارع الفلسطيني انه لا يختلف عن قادة اسرائيل الآخرين ويصفه ب"المجرم".
في 1994، نال بيريز مع رئيس الوزراء الاسرائيلي آنذاك اسحق رابين والزعيم الفلسطيني ياسر عرفات جائزة نوبل للسلام عن "جهودهم لإحلال السلام في الشرق الأوسط".
ويرتبط اسم بيريز ببداية انشطة الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة وبقصف مخيم تابع للامم المتحدة في بلدة قانا في جنوب لبنان في 1996 في مجزرة راح ضحيتها اكثر من مئة مدني.
وكان بيريز يصنف بين "صقور" حزب العمل، وقد وافق حين كان وزيرا للدفاع في السبعينات على بناء اولى المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية المحتلة.
غير انه انتقل فيما بعد الى صفوف "الحمائم" ولعب دورا حاسما في ابرام اتفاقات اوسلو، في وقت كان اسحق رابين يشكك بقوة في العملية السلمية.
وقال بيريز المعروف عنه اعتناؤه الشديد بصحته ومحافظته على نشاطه رغم تقدمه في السن، مرة ان سر عمره المديد يكمن في ممارسة الرياضة يوميا وتناول كمية قليلة من الطعام وشرب كأسين من النبيذ يوميا.
وفي سن الـ93 كان بيريز لا يزال ينشط من خلال "مركز بيريز للسلام" الذي يشجع التعايش بين اليهود والعرب، في وقت باتت آفاق تسوية النزاع الاسرائيلي الفلسطيني مسدودة اكثر من اي وقت مضى.
واضطر الى وقف نشاطاته مرتين في يناير لإصابته بعارضين في القلب خلال عشرة ايام. غير انه أكد بين الفترتين اللتين امضاهما في المستشفى، عزمه على استئناف العمل.
وحين سألته مجلة "تايم" في فبراير عما يفتخر به بصورة خاصة، أجاب "الامور التي سيتوجب على القيام بها غدا. الامور التي قمنا بها تمت. وهي من الماضي. ما يهمني هو الامور التي يمكننا ويجب علينا القيام بها غدا".