استضاف صالون غازي الثقافي العربي الدولي، ضمن فعالياته الثقافية الدورية، النائب مصطفى بكري، عضو مجلس النواب، ـمس الخميس، في ندوة بعنوان "قانون جاستا.. المخاطر والتأثيرات".
حضر الندوة، عدد كبير من الأدباء والمفكرين والمثقفين والإعلاميين من مصر والوطن العربي، وأدارها الدكتور محمد علي سلامة، أستاذ النقد الأدبي بكلية الآداب جامعة حلوان، والذي أكد على أن "بكري"، هو علم عروبي من أخمص قدميه وحتى مفرق شعره، وأنه كان ولا يزال الفاعل الأكبر في مكافحة الفساد، حيث وصفه بفارس الكلمة، وفارس الديمقراطية، مشيرًا إلى أن القضية الخاصة بوزير التموين السابق، خير دليل على ذلك.
من جانبه، قال الدكتور غازي زين عوض الله المدني، رئيس مجلس إدارة الصالون، إن الكاتب الصحفي مصطفى بكري، فارس من نوع خاص، فهو من أساطين الصحافة والإعلام والسياسة؛ تخرج من مدرسته العديد من الكتاب والصحفيين، الذين أصبح لهم شأنًا كبيرًا فيما بعد، منوهًا بأنه يعرفه منذ ما يقارب ربع قرن من الزمان، وأن قلمه حاد وساخن ولكن بموضوعية وشفافية، لا يخشى في الحق لومة لائم، وذو شعبية جارفة بالإضافة إلى رؤيته المنهجية والتحليلية في التعامل مع الأمور كافة، وهو عملة نادرة في عالم السياسة والإعلام.
من جانبه، قال البرلماني مصطفى بكري، إنه مرتبط أيما ارتباط بالامن القومي العربي، وأن الوطن العربي كله مرتبط بمصر، ومصر أيضًا مرتبطة ارتباطا وثيقا بأمن واستقرار الوطن العربي، مشيرًا إلى أن قانون "جاستا"، الذي أصدره الكونجرس الأمريكي، شكل حالة شديدة من الارتباك في كافة الأوساط الإقليمية والدولية، وراحت دول عديدة ترقب الموقف بحذر شديد، وتعبّر عن القلق من خطورة إلغاء قانون حصانة الدول وسيادتها، لأن ذلك سيفتح الباب واسعًا أمام كل الخيارات، ويُنهى إلى غير رجعة دور الأمم المتحدة والقانون الدولي، ليحل محله القانون الأمريكى المحلي.
واشار بكري، إلى أن هذا التشريع، أعطى لكافة دول العالم، الحق في رفع القضايا ضد أمريكا وجرائمها، وهو ما حدث في اليابان على الفور، إذ بدأ بعض المواطنين من أسر ضحايا هيروشيما ونجازاكي، يفكرون في طلب التعويضات اللازمة من أمريكا جراء مقتل مئات الآلاف بفعل الضربات النووية الأمريكية، منوهًا بأن القانون الأمريكي، ذاته، يفتح الباب واسعًا أمام خيار ملاحقة المتهمين الذين تثار حولهم الشبهات، وهو ما أكدت عليه نصوص القانون.
ونصت المادة السادسة من قانون "جاستا" على أن يتم السماح بمقاضاة دولة ما قضائيًا من الأمريكيين أنفسهم، حيث تؤكد هذه المادة أن لدى الولايات المتحدة مصلحة حقيقية فى توفير الأشخاص أو الجهات التى تتعرض للإصابة جراء هجمات إرهابية داخل الولايات المتحدة بالمثول أمام النظام القضائى من أجل رفع قضايا مدنية ضد أولئك الأشخاص أو الجهات أو الدول التى قامت بتقديم دعم، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، إلى أشخاص أو منظمات تُعتبر مسئولة عن الإصابات التى لحقت بهم.
وأضاف بكري، أن الأخطر من ذلك هو ما نصت عليه المادة الخامسة من القانون والتى تقول: "إن الأشخاص أو الجهات أو الدول التي تساهم أو تشارك في تقديم دعم أو موارد سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأشخاص أو منظمات، تشكل خطرًا داهمًا وارتكاب أعمال إرهابية، تهدد سلامة مواطني الولايات المتحدة أو أمنها القومي أو سياستها الخارجية أو اقتصادها، يتوقع جلبها للمثول أمام المحاكم الأمريكية؛ للرد على أسئلة حول تلك الأنشطة"، لافتًا إلا أن ذلك يعنى باختصار، أن الأمر لن يتوقف عند حدود الابتزاز المالي فقط، بل قد يصل إلى حد طلب مثول مسئولين من الدولة المتهمة بالمساندة بشكل مباشر أو غير مباشر أمام المحاكم الفيدرالية الأمريكية.
وأوضح أن السؤال الذى يطرح نفسه هنا: "ماذا عن الموقف إذا ما أصدرت المحاكم الأمريكية حكمًا في القضايا التي بادر بعض أسر ضحايا حادث 11 سبتمبر برفعها أمامها؟.. وتم فيها اتهام المملكة العربية السعودية مباشرة بتقديم الدعم لمنفذى الهجمات الإرهابية التى تسببت فى مقتل ذويهم، قائلًا إنني لن أناقش هنا من هم الفاعلون الأساسيون وراء أحداث الحادى عشر من سبتمبر، غير أن تحريك القضية بعد خمسة عشر عامًا من وقوع الأحداث من خلال إصدار هذا القانون يؤكد عددًا من الحقائق الهامة أبرزها..
- أن الولايات المتحدة، وبعد أن فشلت فى مخططها الذى سُمى بـ"الشرق الأوسط الجديد"، قررت اللجوء إلى المواجهة المباشرة لإحداث حالة من الفوضى فى البلدان المستهدفة.
- أن هذا المخطط الجديد الذى يعطى "القانون الأمريكي" الأولوية على القانون الدولي، يسمح لواشنطن بتنفيذ أجندتها فى الهيمنة الاقتصادية والقبض على الأشخاص والتدخل فى الشئون الداخلية للدول وصولًا إلى توجيه ضربات عسكرية وفرض حصار اقتصادى على البلدان التى ستعارض تنفيذ الأجندة الأمريكية المفروضة.
- إذا كان القانون قد نص على أنه لن تكون هناك دولة أجنبية محصنة أمام السلطات القضائية الأمريكية فى أى قضية تتم فيها المطالبة بتعويضات مالية من هذه الدول نتيجة أفعال وقعت ناجمة عن أعمال إرهابية أو أفعال تصدر من الدول الأجنبية، أو من أى مسئول أو موظف أو وكيل بتلك الدولة أثناء فترة توليه منصبه بغضّ النظر عما إذا كانت العمليات الإرهابية تمت أم لا، فهذا فى تقديرى يفتح الباب لمحاكمة قادة ورؤساء حاليين يمكن أن توجه إليهم هذه الاتهامات دون سند أو دليل، وقد يحكم فيها القضاء الأمريكى بالمثول أو الإدانة، وهو ما يجعل العالم ساحة مستباحة لقانون الفوضى وشريعة الغاب، دون محاسبة من أى جهات دولية أو غيرها.
- إن هذا القانون يؤكد مجددًا أن السعودية باتت في مرمى "الهدف الأمريكي"، وهى تعاقَب بسبب كونها عقبة أمام مخطط "الشرق الأوسط الجديد" وباعتبارها الهدف الاستراتيجى الذى تحدّث عنه «جيمس ويلس» مدير المخابرات المركزية الأمريكية الأسبق عشية الحرب على العراق فى 2003، وكونها أيضًا واحدًا من الحلفاء الأساسيين للإدارة المصرية الحالية، التى هى أيضًا فى مرمى "الهدف" الأمريكي.
- إن واشنطن لديها قناعة، الإدارة والكونجرس وصنّاع القرار والمنظمات الفاعلة فيها، بأن المملكة العربية السعودية هى من الدول التى تتبنى فى حكمها "الشريعة الإسلامية"، وهذا يقلق الأمريكان وبعض الدوائر الغربية التى لا تزال تعتبر "الإسلام" هو العقبة الأساسية أمام العولمة، والذخيرة الحية التى تساعد على صناعة "الإرهاب" فى العالم بأسره
- إن المقصود من وراء صدور هذا القانون هو ممارسة أكبر قدر من الضغوط لإجبار المملكة على تبنى أجندة معادية لوحدتها وثوابتها، وقد تصل هذه الضغوط إلى حد السماح بقيام كيانات طائفية وعرقية فى إطار "دولة فيدرالية"، وهو أمر من شأنه أن يقود البلاد إلى حروب أهلية خطيرة قد تؤدى لسقوط مؤسساتها وانهيار كيانها الوطنى الموحد لا قدّر الله.
وتابع: "فى كل الأحوال هذا القانون لن يستثنى أحدًا، والذين يظنون أن الأمر مقصور على السعودية وحسب، أقول لهم: بل إن المستهدف من وراء هذا القانون كل من يرفض الخضوع والخنوع للمخطط الأمريكى الهادف إلى تفتيت المنطقة، كما أن المتهمين بارتكاب الحادث ليسوا السعوديين وحدهم، بل هناك مصرى واثنان من الإمارات وأحد اللبنانيين.. ترى من عليه الدور بعد السعودية، موضحًا أن إلغاء الكونجرس الأمريكي، لـ"الفيتو الرئاسي" ضد قانون "جاستا" الذي يخول ذوي ضحايا هجمات الـ11 من سبتمبر 2001 بمقاضاة الدور المزعوم للمملكة العربية السعودية بهذه الأحداث.
وأكد، على أن مصر والدول العربية ستقف إلى جانب المملكة، قائلًا: "ليعلم العالم بأن العرب سينتفضون دفاعا عن المملكة وعن الأراضي المقدسة وأننا لن نسمح بالعبث أبدا وأننا سنحاكم كل أمريكي بمقتضى هذا القانون، تآمرتم وذبحتم العراق ودمرتم شعبه وقتلتم الملايين تآمرتم على سوريا وعلى أفغانستان وعلى ليبيا وعلى فلسطين ولم تتركوا جزءا من أرض العرب والمسلمين إلا ووجهت إليها أفعال القتل والتدمير والتخريب"، مضيفًا: "لتعلموا أيها المتآمرون أن الأمة العربية بقيادة هذا الوطن بقيادة مصر لن تسقط ولن تخنع.. سنمنع عنكم النفط وسنجعلكم تزحفون راكعين.. رسائل الرئيس السيسي واضحة مصر تتعرض لمؤامرة منكم والآن الدور على السعودية ولكننا بجهدنا وتكاتفنا سندحر المؤامرة".
وأضاف: "لماذا لم نسمع لك صوتا لبان كي مون (الأمين العام للأمم المتحدة) وهو يعرف أن هذا القانون هو قانون داخلي، معادي لميثاق الأمم المتحدة بإلغاء حصانة الدول وسيادتها! لماذا؟ لأنه ومجلس الأمن أصبح لعبة في يد الولايات المتحدة الامريكية".
من جانبه، طالب المستشار عدلي حسين، محافظ المنوفية والقليوبية الأسبق، وأستاذ القانون الدولي، بأهمية جمع كافة الوثائق القانونية والسياسية لإلغاء قانون "جاستا" الصادر ضد السعودية، ومن ضمنها معارضة الرئيس الأمريكي باراك أوباما للقانون، حيث أن السبيل الوحيد لإلغاء القانون هو الرجوع للمحكمة العليا الأمريكية، التى تناظر المحكمة الدستورية المصرية، مشيرا إلى أن مبادئ القانون الدولى تحصن الدول والحكومات مادام لم تقم بأى أعمال عنف، قائلًا: "السعودية كلفت مكتبين أحدهما فى لندن وأخر فى واشنطن، منذ بداية صدور القانون، ولكن ذلك لا يمنع تداخلنا فى الأمر، وخاصة أن القانون لم يحدد السعودية فقط، بل كل من شارك، وهناك شخصين ممن شاركا فى 11 سبتمبر مصريين، وهو ما قد يدفع أمريكا للتطبيق القانون على مصر، وعدد من الدول العربية الأخرى".
وأوضح المستشار عدلي حسين، إمكانية تحريك دعاوى مماثلة ضد أمريكا، والدول الاستعمارية؛ لقيامها بعدد من المذابح والجرائم فى العالم، مضيفًا أن أمريكا قامت بجرائم فى العراق، وفيتنام، وكوريا، واليابان، إضافة لجرائم بريطانيا فى مصر، وبلجيكا فى أفريقيا، وغيرها.