حذرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية، اليوم الثلاثاء، من أن انتصار القوات العراقية في مدينة الموصل وتمكنها من طرد عناصر تنظيم (داعش) الإرهابي خارج المدينة سوف يكون قصير الأجل، ما لم يعقبه بدء عملية سياسية لتهدئة الأوضاع في البلاد.
وقالت الصحيفة -في تقرير بثته على موقعها الإلكتروني- أن أي محاولة فاشلة وسابقة لأوانها لتحرير الموصل من قبضة (داعش) أو الفشل في إدارة المصالح المتضاربة للقوات التي دخلت المدينة يوم أمس لتحريرها يمكن أن تعقبها أيام أكثر قتامة بالنسبة لثاني أكبر المدن العراقية.
وأضافت الصحيفة أن هذه معركة يجب أن تنتهي بانتصار القوات العراقية. ولكن نهج الفوز بها سيعتمد في الأساس على ما إذا كان النصر المزعوم سيمهد الطريق لسلام أوسع نطاقا أم أنه سيزيد من التوترات الطائفية المتواجدة بالفعل، فكما ثبت مرارا وتكرارا في العراق، فإن المسلمين السنة -الذين يشكلون أغلبية السكان في الموصل- سوف يقاومون جهود الحكومة طالما أنهم يعتقدون أنها تُدار وفقا لأجندة شيعية.
وأعادت الصحيفة إلى الأذهان استيلاء المئات من مسلحي داعش على الموصل في يونيو 2014 بعد فرار آلاف القوات العراقية التي كانت في المدينة آنذاك، في عملية سلطت الضوء على الهوة بين التقييم الوردي لوزارة الدفاع الأمريكية البنتاجون، حول ملايين الدولارات الأمريكية التي انفقتها لإعادة بناء الجيش العراقي، وبين الوضع على أرض الواقع.
وأشارت الصحيفة إلى أن الموصل شهدت ميلاد أبو بكر البغدادي زعيم داعش ومنها أعلن بزوغ فجر خلافته الجديدة ومحو الحدود بين سوريا والعراق. وقالت:"لذا، فإن استعادة المدينة لن يمثل فقط القضاء الفعلي على داعش من المناطق الحضرية في العراق لاسيما بعد أن اعقب ذلك انتصارات اخرى بدأت هذا العام، ولكن الأمر سيمثل أيضا تفعيل حملة دعائية كبيرة لصالح الجهود الدولية لبناء منظمة تكافح الارهاب العالمي".
مع ذلك، رصدت الصحيفة بعض المخاطر المحتملة وقالت: "أولا، لم يتضح بعد ما إذا كانت المعركة سريعة وحاسمة، أم انها ستكون طويلة ومرهقة. فضلا عن أن التقديرات بشأن أعداد مقاتلي داعش المستعدين للدفاع عن المدينة لا تزال ضبابية وغير دقيقة وإلى أي مدى سيعملون على تفخيخ وتلغيم الطرق لا يزال أمرا غير معروف حتى الآن".
وأضافت:" أن شيئا واحدا يجب أن يصبح واضحا الآن: وهو أن تنظيم داعش لدية القدره التكتيكية على المفاجأة. فضلا عن أن حياة ما يقرب من 5ر1 مليون مدني تواجه خيارات جميعها تعيسة – وتضعهم إما أمام شبح الموت من خلال البقاء في الموصل خلال الهجوم أو أخذ قرار الفرار ومن ثم وضع حياتهم في دائرة الخطر".
وفي ضوء رصد مؤشرات عدم استعداد منظمات الإغاثة الدولية لاستقبال النازحين، دعت الصحيفة البريطانية القوات الحكومية العراقية لإظهار قدرتها على حماية من فر من السكان بطريقة تضمن عدم تعرضهم للمزيد من المضايقات...بيد أن الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران والتي صاحبت الجيش العراقي خلال معارك سابقة تميل إلى معاملة جميع السنة الذين عاشوا تحت حكم داعش، سواء أكانوا مدنيين أو غير ذلك، كمنتمين إلى الطابور الخامس. لذلك فإن الحكومة العراقية يجب أن تفي بتعهداتها لسكان الموصل وألا تفتح الطريق لدخول هذه الميليشيات، حسب الصحيفة.
وأردفت (فاينانشيال تايمز) تقول:"بالنسبة للقوات الأمريكية التي تدعم العمليات في الموصل، فإن أمامهم فرصة لتمييز انفسهم عن نظرائهم الروس الذين يقصفون مدينة حلب السورية. ولكن ليس من السهل بالفعل إدارة هذا المزيد القابل للإشتعال من المقاتلين المرابطين على مشارف المدينة. ولكن حتى الآن، يمكن القول إن هذه الفصائل المتباينة –الأكراد والمقاتلين السنة المدعومين من جانب تركيا والقوات الحكومية - لديها هدف عسكري مشترك وهو نفس الحال بالنسبة لداعميهم الأجانب المختلفين. ولكن الأمر لا يمكن أن يُقال بخصوص أهدافهم السياسية".
واختتمت الصحيفة البريطانية تقريرها بالقول إنه طالما ظلت الأهداف السياسية متباعدة جدا، فإنه سيكون من الصعب ضمان القضاء على تهديد داعش إلى الأبد – فالقوات العسكرية التي تقف خلف محاولات حيدر العبادي رئيس الوزراء لإستعادة ثاني اكبر المدن العراقية تقف في مقدمة الصفوف حتى الآن. ولكن من أجل القضاء على خطر التطرف والارهاب بشكل نهائي، يجب على جميع الفصائل العراقية المنقسمة أن تؤمن بأن لديها مصلحة مشتركة في اقامة دولة أكثر تمسكا وتوحدا.