بعد جملة من المفاجآت والفضائح والتقلبات والسجالات التي أذهلت الرأي العام في الولايات المتحدة وشغلت العالم بأسره، يسدل الستار غدًا الثلاثاء، الثامن من نوفمبر 2016، على أشرس سباق محموم إلى البيت الأبيض بين الخصمين المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، للتنافس على منصب الرئيس الأمريكي الجديد الخامس والأربعين.
فرصة ترامب
تبقى المفاجأة الأكبر مع اقتراب خط النهاية أن الجمهوري دونالد ترامب الدخيل على السياسة يحظى بفرصة حقيقية للفوز بالرئاسة، ولو أن هيلاري كلينتون تبقى الأوفر حظًا.
نتائج استطلاعات الرأي
عكست نتائج استطلاعات الرأي هذا السباق المحموم بين ترامب وكلينتون، إذ تقدمت المرشحة الديموقراطية بفارق أربع نقاط في استطلاع شبكة "فوكس نيوز"، وخمس نقاط في استطلاع صحيفة "واشنطن بوست" وشبكة "ايه بي سي".
كما أورد موقع "ريل كلير بوليتيكس" استنادا إلى متوسط استطلاعات الرأي الوطنية قبيل موعد التصويت بساعات، أن هيلاري كلينتون تتقدم بـ2،3 نقطة على خصمها على الصعيد الوطني (45% لكلينتون مقابل 42،7% لترامب)، وبـ1،2% في فلوريدا.
فلوريدا والمنافسة الشرسة
أما على صعيد الولايات الأمريكية فتتجه كل الأنظار إلى فلوريدا، صاحبة الـ٢٩ كلية انتخابية والتي سيكون الفوز فيها مفتاحًا للنصر وصولًا إلى جمع الـ٢٧٠ كلية انتخابية المطلوبة للفوز، وتشهد تلك الولاية منافسة شرسة بين حملة المرشحين، باعتبارها وفقًا للقاموس السياسي الأمريكي من ولايات الفوز Winner-take-all states وهي الولايات التي يمكن لكل مندوب فيها دعم المرشح الحاصل على غالبية الأصوات.
وأشارت بعض التقارير الأمريكية إلى أن نسب الاقتراع المبكر في نيفادا أظهرت تفوقًا عدديًا بفارق كبير (٧٢ ألف صوت) للديموقراطيين، ما قد يُصعّب مهمة لحاق ترامب بكلينتون هناك، لكن ترامب حافظ على تقدمه في ولايتي أيوا وأوهايو اللتين فاز فيهما أوباما عام 2012، فيما تقدمت كلينتون في بنسلفانيا وفرجينيا.
ولايات متأرجحة
تسمى هذه الولايات بـ " الولايات المتأرجحة" Swing states، ففي الانتخابات العامة من السهل توقع عدد الولايات التي ستنخرط في التصويت. فتصويت مندوبي ولاية نيويورك مثلا يذهب في غالب الأحيان لصالح الديمقراطيين في حين يذهب التصويت في تكساس لصالح الجمهوريين، رغم ذلك هنالك ولايات يصعب التنبؤ باتجاه التصويت فيها مثل أوهايو، فلوريدا، بنسلفانيا، نورث كارولاينا وكولورادو.
وتحظى تلك الولايات باهتمام خاص ليلة الاقتراع نظرا لأنه لا أحد يعرف اتجاهات التصويت فيها إلى غاية إغلاق مراكز الاقتراع، ويبلغ عدد الأصوات في تلك الولايات 91 وهو ما يزيد بمقدار 30% على النسبة التي يحتاجها المرشح كي يصبح رئيسا.
وهنالك عدد أقل من الولايات المتأرجحة الأمر الذي يصعب توقع اسم الفائز مسبقا، ولذا ضخت الحملتان الانتخابيتان أكثر من ٢٠٠ مليون دولار في إعلانات في الولايات الحاسمة، وذلك قبل يومين من التصويت في انتخابات ملأتها الفضائح حتى لحظاتها الأخيرة.
فقد أظهرت الحملة الرئاسية في الولايات المتحدة افتقارها إلى الكياسة ووجود فوارق شاسعة بين المرشحين: رجل الأعمال المناهض للمؤسسة الحكومية دونالد ترامب على الجانب الجمهوري والسياسية هيلاري كلينتون مرشحة الديمقراطيين.
من يخلف أوباما؟
كشف السباق من أجل الرئاسة عن التصدعات العميقة الموجودة داخل المجتمع الأمريكي التي ألحقت الضرر بسمعة أمريكا عالميا، لعل أبرزها الفساد الحكومي وتجاوز حدود التنافس السياسي إلى اختراق الحياة الخاصة، بالتوازي مع الانحدار في لغة الخطاب المتبادل في ظل تصاعد الاستقطاب السياسي بين مؤيدي المرشحين، والانقسام الحاد في المجتمع الأمريكي حول القضايا المثيرة للجدل.
وفي السياق ذاته، كشف سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية عن تراجع ثقة المواطنين الأمريكيين في السياسة بصفة عامة، وفي الحزبين الرئيسيين تحديدا؛ إذ أضحت "السياسة" في الوعي الجمعي للأمريكيين مرادفا للمواءمات المصلحية بين المنتمين للنخب السياسية ورجال الأعمال والإعلاميين التي تتم خلف الأبواب المغلقة، وهو ما يجعل مقولة المرشح الجمهوري دونالد ترامب إن "العملية الانتخابية مزيفة" تَلْقى قدرا من الرواج بين بعض الناخبين.
وبات السؤال المطروح هو: من سيكون الرئيس الأمريكي الـ45 والذي يخلف الرئيس أوباما؟ هل سيحتل الديمقراطيون الرئاسة لفترة رابعة مستمرة أم أن الجهوريين لهم رأي آخر؟ وما التداعيات المترتبة على ذلك؟
ويُفاضل الناخبون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الثامنة والخمسون بين المرشحة الديمقراطية التي ستكون أول سيدة تشغل منصب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة في حال انتخابها، وبين المرشح الجمهوري دونالد ترامب الذي سيكون من أكبر الرؤساء الأمريكيين سنًّا في حال فوزه، وأول رجل أعمال مرتبط بدوائر الإعلام يصل إلى سدة الرئاسة.
ويعتقد مراقبون ومحللون أمريكيون أنه رغم أن استطلاعات الرأي العام تشير إلى أن كلينتون عضو مجلس الشيوخ ووزيرة الخارجية سابقا، ستهزم ترامب المثير للجدل لكنه لا ينبغي الخلط بين استطلاعات الرأي وبين الواقع، فالاستطلاع الوحيد الحقيقي هو النتيجة يوم الحسم في 8 نوفمبر.
تداعيات على المستقبل
بغض النظر عن اختيارات الناخبين الأمريكيين في انتخابات الثامن من نوفمبر، فإن الرئيس الأمريكي القادم عليه أن يتعامل مع واقع معقد وغير مستقر، يتضمن تحديات غير تقليدية، في ظل قيود مؤسسية تفرض عليه عدم تجاوز حدود الاختصاصات الدستورية، والالتزام بمبادئ الفصل بين السلطات، والتوازن والرقابة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مما يعوق قدرته على حسم عدد كبير من القضايا، خاصةً إذا لم يتمتع الحزب الذي ينتمي إليه بالأغلبية في الكونجرس.
فلا شك أن الولايات المتحدة ستخرج من هذه الانتخابات بحكومة منقسمة، بغض النظر عن من هو الرئيس أو الحزب الذي سيتمتع بالأغلبية في أي من المجلسين (النواب والشيوخ). ولن يتمكن لا الديمقراطيون ولا الجمهوريون من تحقيق أهدافهم دون بعض الدعم من الطرف الآخر، وهذا ما يجعل التوافق الوسطي صعب التحقيق.
ووفقًا لتوقعات المحللين الأمريكيين، فإن الاستئناف السريع للأنشطة الرئاسية سيقوض التوافق السياسي إلى حد بعيد، إذا فازت كلينتون، فإن العديد من الجمهوريين سيظنون أنها نجحت فقط بسبب عيوب ترامب، ونظرا لأن أمريكا تنتشر فيها موجة من التغيير، فإن العديد من الجمهوريين (وخاصة أولئك الذين ينكرون شرعية فوز كلينتون) سيسعون وراء إزعاج إدارتها، خشية أن تترشح مرة أخرى للرئاسة في عام 2020.
وبالمثل، إذا استطاع ترامب الفوز، فإن معظم الديمقراطيين، وحتى بعض الجمهوريين، سيجعلون منه أولويتهم القصوى لضمان عدم حصوله على ولاية ثانية.
في كلا السيناريوهات، قد يكون ممكنا إحراز تقدم في بعض المجالات الرئيسية، فمثلًا قد تستطيع الحكومة الأمريكية القادمة سن تشريع لتمويل تحديث البنية التحتية القديمة في أمريكا، وهي سياسة يؤيدها المرشحان وكثيرون في الكونجرس.
وقد تكون أيضا قادرة على حشد الأغلبية لإصلاح قانون الضرائب في الولايات المتحدة، وخاصة، تخفيض النسبة العالية للضريبة على الشركات وزيادة الضرائب على الأثرياء. ومن المحتمل إصلاح الرعاية الصحية، بالنظر إلى أن توقيع الرئيس باراك أوباما أدى إلى مشاكل حقيقية في تنفيذ النظام الحالي.
لكن من غير المرجح أن يتم تناول القضايا الأخرى التي تتطلب التعاون بين الكونجرس والرئيس في وقت قريب، مثل قضية إصلاح قوانين الهجرة، المثيرة للجدل في الولايات المتحدة كما هو الحال في أوروبا.
وقضية التجارة وتصدي المعارضين لها، فضلًا عن التباين في مواقف المرشحين من القضايا الاقتصادية والاجتماعية، وقضايا الأمن، وملكية الأسلحة، والتجارة الخارجية، والبرامج السياسية التي يطرحها كلٌّ منهما للتعامل مع التحديات الداخلية التي يواجهها المجتمع الأمريكي.