الكثير من المخاوف تتعلق بما آلت إليه الشخصية المصرية وتأثرها بما يدور حولها من صراعات وما ينخر في أوصالها من ثقافات وافدة مختلفة واستعمار فكري وثقافي وخلخلة الفقر والجهل لثوابتها حتي بات واضح وجليًا.
تغيير في ملامح الشخصية المصرية والتي في سبيلها إلى فقدان الثقة في نفسها وقدرتها على البقاء دون تأثر، ويعلم كل من يريد إسقاط هذه البلد، أن مستقبل مصر وثروتها الحقيقية، هي شخصيتها المصرية العريقة الثابتة العميقة التكوين، وأن قدرة هذه الشخصيةعلى استعادة ثقتها بنفسها، سيكون هو الدمار لأي مخطط، أراد ضرب مصر، كل التحديات التي تواجه مصر، هي فرصة حقيقية لتقوية العزيمة والقدرة على التحدي لكل المحن والسلبيات، أن تحقيق الأهداف وتحقيق النمو الحقيقي لأي أمة ليعتمد اعتمادًا كليًا على شخصية أهل هذه الأمة ومدي عزيمتهم وقدرتهم على تحقيق نجاحهم بأيديهم هم فقط وقدرتهم على الإنصهار في كل الثقافات وأخذ النافع منه وترك الفاسد.
وظهرت هذه القدرة جلية عند الشخصية المصرية عندما قامت باستيعاب وهضم أي جنس دخيل وإلى تمصيره بفكره وسلوكه، هذه الشخصية التي قادت العالم بعبقرية شهد لها تاريخ الإنسانية فاخترعت الكتابة وبنت الأهرام وشيدت المعابد ووضعت أساسيات لكثير من العلوم والمجالات العديدة، الفلك والهندسة والطب والعمارة والأدب والفن وتركت تركة كبيرة من العلم والمعرفة والخبرات، بل تعاقب عليها أجناس وثقافات عديدة مثل الهكسوس والفرس والإغريق والرومان والعرب والإنجليز والفرنسين ولم تستطع أي منها أن تؤثر في الشخصية المصرية أو تضفي عليها طابع أجنبي أو غربي، نعم انها شخصية تعمقت وتأصلت داخل الانسان المصري.
من هنا فقط نستطيع أن نقول أن إغراق الشخصية المصرية في هذا الثبات والنوم العميق، للقضاء على هويتها وقتل ثقتها بنفسها والقضاء على أخلاقها بحجة مسايرة العالم والتقدم والحضارة كان أمرًا متعمدًا للقضاء على هذه البلد.
فلا شك أن القيم الحاكمة لشخصية الإنسان المصري تشوهت نتيجة علاقات اجتماعية واقتصادية مشوهة بفعل نظم تعاقبت وقوانين وضعت وارتبطت بكل نواحي الحياة المصرية.
لذلك إن أردنا نهضة جديدة لهذه البلد علينا أن نعمل على إيقاظ شخصية الإنسان المصري، ومن داخل ذاته أولًا، يجب أن نعمل على استعادة القيم الأخلاقية الدفينة داخل شخصية المصري، ولن يتم هذا بدروس تعليمية، ولا عن طريق استيراد ثقافات دول أخرى وتجارب أخرى فالتاريخ أثبت أن للشخصية المصرية قوانينها الخاصة وتميزها الخاص، الأمر الذي جعلها دائما وتحت وطأة أي احتلال أو ظروف مرت بها، لا تتغير بل تزداد صلابة وقوة وتزداد إستقلالية.
نعم تحتاج هذه الشخصية المتفردة إلى من يوقظها عن طريق العودة إلى القيم الدينية الوسطية السمحة التي لا تفريط فيها ولا إفراط، لإعادة بناء العلاقات الإجتماعية والإقتصادية بشكل غير مشوة، بقوانين جديدة تحقق العدالة ودولة القانون والمساواة، وحق في التعليم والعلاج، وفى ممارسة الاختيار الحر. نعم نريد أن نستيقظ ونستعيد ثقتنا بأنفسنا وأن نؤمن بذاتنا وتميزنا.
نحتاج أن نبتعد عن كل ما هو محبط. نحتاج إلى من يشجعنا ويستنفر ما بداخلنا من طاقات ويعمل على إعادة كرامة وأسس وقيم مجتمع غيبت، يعمل دومًا على إنهاء هذه الحالة الغريبة علينا، والقضاء على هذا الأسلوب الممنهج الذي ظل لحقب تاريخية يعمل على طمس أفكارنا وقتل أحلامنا بخلق صراعات وفتن طائفية وهمية، وبقرارات رديئة الفكر لا تعي طبيعة الشخصية المصرية وقيمتها.
إن الإنسان المصري ليس ثوريًا بطبيعته، بل صبورًا ومكافحًا ويميل إلى استقرار الأوضاع إلى درجة الجمود أحيانا طمعًا في الأمن وبقاء لقمة العيش.
فهو نتاج حضارة مستقرة كان النيل سببًا في استقرارها، والاستقرار النفسي عند الإنسان المصري كنز دفين يحتاج من يوظفه جيدا.
فعلى من وضعت مقاليد الأمور بيدهم الاعتماد على هذه الشخصية وتوجيها توجيهًا صحيحا قائم على إحترامها واستنفار أجمل ما فيها، فهي تحمل بداخلها مارد لا أحد يستطيع إدراك حجمه وقوته، فإما أن تتجاهله فيصبح أداة للهدم والتخريب، وإما أن توجهه نحو طريق النجاح فيصبح أداة للبناء والتقدم والرقي، عليهم أن يبثوا الأمل وروح العمل داخلنا، أن يجعلونا نثق في أنفسنا وفي قدراتنا، لنبي بسواعدنا مصرًا جديدةً، تعتمد على شخصيتها المتفردة القوية، ولتكون ثورتنا ثورة حقيقية تقودنا نحو تحقيق ذاتنا وملاحقة ركب التقدم الذي أبتعد عنا كثيرًا.