أرست المحكمة الإدارية العليا، مبدأ قضائيا فيما يتعلق بمدى وحدود حجية الحكم المستعجل الصادر من محكمة الأمور المستعجلة فى الدعوى رقم 1863 لسنة 2016 مستعجل القاهرة الصادر بجلسة 29/9/2016 المتعلق بوقف حكم بطلان اتفاقية تيران وصنافير.
وأضافت المحكمة أنه من حيث أن مبدأ خضوع الدولة للقانون بات من المبادئ الأساسية التي يفترض أن تقوم عليها الدولة القانونية لكونه ضمانة أساسية لحقوق الإنسان وحريته وترسيخاً لمبدأ المساواة بين المواطنين في الحقوق والحريات، ولما كانت النصوص التشريعية المنظمة للحقوق والحريات المتعلقة بالأفراد لا تخرج عن كونها صياغات بشرية قابلة للنقض، ولكون الدستور هو الشريعة الحاكمة للعلاقة بين الفرد والدولة فهو في أعلى مدارج النظام القانوني ويستتبع ذلك وجوب موافقة كافة القوانين واللوائح لنصوص الدستور وتعديل ما يتعارض منها مع نصوص القانون الأسمى .
وتابعت المحكمة إن المادة 190 من الدستور المصري تنص على اختصاص مجلس الدولة كجهة قضائية مستقلة دون غيره بالفصل في المنازعات الإدارية، ومنازعات التنفيذ المتعلقة بجميع أحكامه، كما يختص بالفصل في الدعاوى والطعون التأديبية، ويتولى وحده الإفتاء في المسائل القانونية للجهات التي يحددها القانون، ومراجعة، وصياغة مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، ومراجعة مشروعات العقود التي تكون الدولة، أو إحدى الهيئات العامة طرفاً فيها، ويحدد القانون اختصاصاته الأخرى.
وأوضحت المحكمة: وهنا يبين مدى اتجاه إرادة المشرع الدستوري إلى زيادة اختصاصات مجلس الدولة والنظر إليه كونه القاضي الطبيعي بالنسبة للمنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية ، ولم يقف دعم المشرع الدستوري لمجلس الدولة عند هذا الحد، بل جاوزه إلى إلغاء القيود المصطنعة التي كانت تقف حائلاً بينه وبين ممارسته لاختصاصاته، الأمر الذي يبين معه أن المشرع الدستوري في الدستور الجديد لم يساير سابقة في تفويض المشرع العادي في تحديد اختصاصات الجهات القضائية، وتولى المشرع الدستوري بذاته تحديد اختصاص جهات القضاء في النصوص الدستورية غلاً ليد المشرع العادي من العبث بها مستهدفاً من ذلك كفالة استقلال السلطة القضائية والمحافظة علي مبدأ الفصل بين السلطات، وبناء علي ما تقدم لا يجوز للسلطة التشريعية أو أياً من سلطات الدولة التعدي على اختصاص محاكم مجلس الدولة لما يؤدى إليه ذلك من ضرر لكون قضاء مجلس الدولة هو الأجدر بالفصل فى المنازعات الإدارية.
وأوضحت المحكمة أن الأحكام التي تفرزها العدالة صدوراً عن القضاء الإداري لم يترك المشرع أمرها سدى، ولم يدع ما تنطق به من حق وعدل، هباء. وإنما أسبغ عليها طبقا لحكم المادة 52 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 بعبارات جلية المعنى صريحة الدلالة قوة الشئ المحكوم فيه، بما يقتضيه ذلك من تطبيق القواعد الخاصة بالحجية التي لا تنفك عن الحكم بحال، وأوجب المشرع تنفيذ هذه الأحكام حتى ولو طعن عليها حيث قرر فى صراحة ووضوح في نص المادة 50 من ذلك القانون إنه لا يترتب على الطعن عليها أمام المحكمة الإدارية العليا وقف تنفيذ الحكم ما لم تقضى دائرة فحص الطعون بتلك المحكمة بوقف تنفيذه إذا طلب منها ذلك، والجهة الإدارية الصادر في مواجهتها الحكم هي المنوط بها تنفيذه وإجراء مؤدى حجيته، نزولا على مقتضاه وامتثالا لهذه الحجية التي هي من النظام العام بل هي في أعلى مدارجه وعلى القمة من أولوياته، فإن هي امتنعت عن إجراء مقتضى هذه الحجية بعدم تنفيذ الحكم دون أن يكون قد صدر حكم من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا بوقف تنفيذه، فإن امتناعها يشكل مخالفة لصحيح حكم القانون بالامتناع عن تنفيذ الأحكام، وتستوي الأحكام الصادرة من جهة القضاء الإداري في واجب احترامها مع كل ما يصدر عن جميع جهات القضاء المختلفة من أحكام، بحسبان أن هذا الاحترام هو المظهر الحقيقي لمبدأ خضوع الدولة للقانون.
وأشارت المحكمة إلى أن الجهة الإدارية – نزولا على صريح حكم المادة 54 من قانون مجلس الدولة ونزولا على القواعد العامة بحسبانها طرفاً أصيلا في دعوى الإلغاء – هي المنوط بها تنفيذ الحكم الصادر فيها بشقيها المُستعجل والموضوعي والملزمة بإجراء مؤدى حجيته نزولاً على مقتضاه خضوعاً وامتثالاً لهذه الحجية التي هي من النظام العام بل هي في أعلى مدارجه وعلى القمة من أولوياته، ومن ثم فإن هي امتنعت عن إجراء مقتضى هذه الحجية بتنفيذ الحكم عزوفا عنها علواً واستكباراً دونما صدور حكم بوقف تنفيذه من دائرة فحص الطعون، فإن امتناعها يشكل قرارا سلبياً بالامتناع عن تنفيذ الحكم الحائز للحجية بالمخالفة لأحكام الدستور والقانون، دونما محاجاة بما قد تتخذه كعلة لعدم التنفيذ أو تكئة للتحلل من ربقة هذه الحجية استنادا إلى أسباب هي في حقيقتها مطاعن – من وجهة نظر لديها – في الحكم أو احتماء بإقامة إشكال في التنفيذ أمام محكمة غير مختصة ولائياً بنظره، إعراضا وعزوفاً عما أضحى متواتراً من أحكام.