اعلان

60 عامًا على ذكرى "قهر الاحتلال".. بورسعيد "المدينة الباسلة"..العدو يشهد ببطولات البورسعيدية.. رئيس وزراء بريطانيا: مقاومة شعب بور سعيد أفشلت خطتنا.. المصريون يخطفون الملازم ابن عم زوج ملكة إنجلترا

بورسعيد "المدينة الباسلة
كتب : أهل مصر

تساقطت القنابل من الطائرات وهزت نيران المدفعية- المنطلقة من بارجات أساطيل العدان الثلاثي- جدران المباني دون أن تهز قلوب أبناء بور سعيد البواسل، حيث بدأ صباح يوم 5 نوفمبر 1956، العدوان الثلاثى تدميره لمدينة بور سعيد بغارات جوية متلاحقة مع إسقاط جنود المظلات الفرنسيين والبريطانيين، لكن شعب بورسعيد قاوم العدوان مقاومة أبهرت العالم بأسره ووضعت المدينة الباسلة فى عداد المدن القليلة فى العالم التى هزت ضمير التاريخ ودفعته لتسجيل وطنيتها.

وقد سميت بورسعيد بـ"المدينة الباسلة" لأن رجالها ونساءها وأطفالها دافعوا عن مصر كلها فى عدوان 1956 من إنجلترا وفرنسا ودولة الاحتلال الإسرائيلي؛ حيث استمر ضرب المدينة بالأسطول والطائرات طوال اليوم.

وفى صباح اليوم التالي، 6 نوفمبر مننفس العام، بدأت عمليات إنزال القوات المعادية على الساحل فى بور فؤاد والمقاومة مستمرة ومن هنا كان يجب أن تتحمل بور سعيد موجات الغزو الأولى.

وقد انصهرت المقاومة الشعبية للمواطنين الذين كانوا يحملون السلاح مع عناصر الشرطة والجيش فى بوتقة واحدة وشهد العدو ببطولات المدينة الباسلة.

فى مذكرات "إيدن" رئيس الوزراء البريطانى الأسبق قال ”إن القتال بين إسرائيل ومصر كان قد توقف يوم 6 نوفمبر 1956 دون أن تكون خطتنا قد تمت” وذلك لأن مقاومة شعب بور سعيد أوقفت الزحف إلى الإسماعيلية والسويس.

فوجئت القيادة البريطانية ببرقية من (كيتلى) قائد القوات يقول فيها “إن احتلال منطقة القناة ما زال يحتاج إلى فترة طويلة جدًا لأن الشعب والجيش فى مصر متكتلان فى حرب شعواء غير نظامية ضد قوات إنجلترا وفرنسا فى بور سعيد وينزلان بهما أشد الخسائر”، فخضعت بريطانيا وفرنسا للأمر الواقع، يوم 7 نوفمبر، وأعلنت مصر أنها لن تبدأ فى تطهير قناة السويس إلا بعد الانسحاب التام دون قيد أو شرط.

فى السادسة صباح الأربعاء 19 ديسمبر 1956 أنزل العلم البريطانى من فوق مبنى هيئة قناة السويس ببور سعيد، والذى كان مقرًا لقيادة العدو، وفى يوم 22 ديسمبر انسحبت إنجلترا من بور سعيد وفرنسا من بور فؤاد بلا رجعة.

بطولات شعب:

اشترك الشباب والنساء والأطفال فى المقاومة ضد العدوان الثلاثى، ففى صباح 11 ديسمبر 1956 طارد الملازم البريطانى أنطونى مورهاوس أحد المصريين وأمسك به فى أحد شوارع بورسعيد وانهال عليه ضربًا وشاهد هذا الموقف ستة رجال من أبناء بور سعيد وتحدثوا للملازم مورهاوس وادعوا أنهم رجال شرطة مصريون جاءوا لمساعدته حتى تم خطفه بمهارة وتسليمه للشرطة المصرية وكان هذا الملازم ابن عم زوج الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا.

كذلك كانت المرأة البورسعيدية رائدة فى العمل الفدائى ومنهن السيدة فتحية الأخرس الشهيرة بأم على والتى قامت بتحويل العيادة التى تعمل بها بشارع صفية زغلول ببور سعيد لمقر للفدائيين وكانوا يرتدون زى المرضى وصرخت فى وجه البريطانيين حين جاءوا للتفتيش قائلة ” لقد قتلتم أبنائى بالمنزل وجئتم لتقتلوا مرضانا هنا ” فانصرفوا عنها كما كانت تقوم بنقل الأسلحة والذخائر والقنابل إلى أماكن العمليات لتسهيل مهمة الفدائيين.

حتى أطفال بور سعيد كان لهم دور فى المقاومة الباسلة ومنهم الطفل سعيد شهيوب كان عمره 12 سنة وأثناء نزول قوات الطوارئ الدولية جمع الأطفال يهتفون تحيا مصر ويطالبون بجلاء الإنجليز وحاول الإنجليز تفريقهم ولكنهم رفضوا حتى اطلقوا عليه النهار ليسقط شهيدا على أرض بور سعيد الطاهرة.

والفتى السيد عسران كان عمره 18 سنة استطاع أن ينشر الفزع فى صفوف العدو وتربص بأحد ضباط المخابرات الإنجليزية وليامز واستطاع وضع قنبلة يدوية داخل رغيف خبز وتحدث مع الضابط وهو فى مواجهته وأصيب الضابط بالقنبلة مما أصاب القيادة الإنجليزية بالرعب وتم نقل الضابط للعلاج بقبرص ولكنه توفى

جغرافيا وتاريخ:

يشير طارق إبراهيم حسينى مدير عام آثار بور سعيد وبحيرة المنزلة إلى أن بور سعيد مدينة محتضنة بالمياه من كل الجوانب البحر المتوسط شمالًا وبحيرة المنزلة جنوب غرب وتخترقها قناة السويس وتجاورها العديد من محافظات مصر شمال سيناء ودمياط والشرقية والدقهلية وتقع فى قلب تقاطع طرق العالم القديمة والحديثة.

قامت بورسعيد بهدف خدمة النقل البحرى العالمى وتاريخها متجذر فى بحور التاريخ المصرى فهى مدينة بر آمون أى مدينة الرب آمون وأقام اليونانيون ضاحية لها أطلقوا عليها بيلوز والذى امتد ليشمل منطقة واسعة تمتد حتى الفرما التاريخية بشمال سيناء والتى كانت حصونها مقبرة للغزاة عبر العصور

كان لبور سعيد شهرة واسعة فى صناعة الفخار وأدوات الزينة والأقمشة الكتانية لتصدرها إلى روما وأثينا وقبرص وكريت والشام وقد تجاور سكانها من مسيحى مصر ومن العرب من قبيلة بنى حرى ومن شدة إعجاب نابليون باسم بيلوز أطلقها على أول عالم من علماء الحملة وهو الكونت دى بيلوز، وبور سعيد اسم مركب من مقطعين (بورت) وتعنى بالإنجليزية ميناء (سعيد) اسم حاكم مصر حين امتياز حفر وإنشاء قناة السويس.

وقد جاء ديليسبس يوم 25 أبريل 1859 ورفع العلم المصرى على بور سعيد مرافقًا له 150 رجلا من البحارة والفنيين من مصر من قرى دمياط وفارسكور ومن خارج مصر أيضًا وقال كلمته الشهيرة ” باسم شركة قناة السويس العالمية البحرية وتنفيذًا لقرار مجلس إدارتها نضرب أول معول فى هذه الأرض لنفتح أبوب الشرق لتجارة الغرب وحضارته عن طريق مدخل الشرق” وقال للعمال المصريين ” أذكروا أنكم بهذا لن تحفروا الأرض ولكن ستجلبون الرخاء لأسركم وبلادكم".

بدأت اللبنة الأولى فى بناء بور سعيد بعد أن أقامت الشركة العشش لإقامة السكان فى قرية العرب ثم نشأ حى الإفرنج الشرقى وامتدت غربًا لحى المناخ وشرقًا لحى بور فؤاد بسواعد أهلها وكانت بور سعيد المدينة التى قامت دون مقومات طبيعية إلا وجودها عند مدخل القناة ورغم قلة الموارد الاقتصادية لسكانها إلا أنهم صارعوا البحر وواجهوا أعتى الظروف وعشقوا البحر وخيراته

آثار بورسعيد:

توضح أمل جابر، كبير مفتشى آثار بورسعيد، أن المدينة الباسلة تضم العديد من المواقع الأثرية والسياحية منها قـاعدة تـمثـال ديليـسبس في مدخل قناة السويس امتداد شارع فلسطين ومبنى هيئة قناة السويس بشارع مصطفى كامل والجمهورية ويشرف على قناة السويس وقد بنى مع افتتاح القناة لخدمة الملاحة الدولية.

وهناك النصب التذكارى أمام مبنى المحافظة تخليدًا لذكرى الشهداء فى كل المعارك، وفنار بورسعيد القديم الذى يعتبر أول بناء مشيد بالخرسانة في العالم عام 1869فى عهد الخديو اسماعيل وذلك لإرشاد السفن المارة بقناة السويس والتى افتتحت فى نفس العام بعد أسبوع من بناء الفنار.

ويتخذ الفنار شكل مثمن ويبلغ ارتفاعه 56م وجزيرة ابن سلام فى بحيرة المنزلة وتضم ضريح ابن سلام الأثرى الذى يعود للقرن السادس عشر الميلادى ومتحف بور سعيد القومى بجوار ديليـسبس عند التقاء قناة السويس بالبحر المتوسط.

هناك أيضا متحف بورسعيد الحربى بشارع 23 يوليو أنشئ عام1964ويؤرخ لانتصار بورسعيد على العدوان الثلاثى 1956 ويضم بعض مقتنيات من مخلفات حروب 1956، 1967، 1973 وكذلك استعراض لتاريخ حفر قناة السويس وتأميمها فضلا عن تاريخ بورسعيد السياسى والعسكرى.

وهناك متحف النصر للفن الحديث بشارع 23 يوليو - ميدان المسلة- ويضم العديد من الأعمال الفنية لكبار فنانى مصر فى الفنون التشكيلية من نحت وتصوير ورسم وجرافيك وخزف وافتتح فى 25 ديسمبر 1995.

سكان بورسعيد:

فى الفترة من 1859 إلى 1902 وفى إطار حركة التجارة العالمية والخدمات البحرية المرتبطة بها عمل سكانها فى التموين بالأغذية والوقود والمياه والبحارة والمستلزمات الطبية والهندسية والميكانيكية وإصلاح السفن والتوكيلات الملاحية وأعمال الشحن والتفريغ ومع بداية قيام المنطقة الحرة الأولى فى مصر والعالم العربى لخدمة تجارة العبور والتجارة الدولية ارتبطت حرفة السكان حول الميناء بالحرف والمهن اليدوية.

وفى الفترة من 1903 إلى 1930 هاجر إليها المصريون من دمياط والدقهلية والشرقية وصعيد مصر ليشكلوا نواة سكانها وبعد عدوان 1956 ونكسة 1967 قتلت بور سعيد نفسيًا واقتصاديًا وعانى سكانها المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وهاجروا لوادى النيل تاركين منازلهم وممتلكاتهم وذكرياتهم.

بعد انتصار أكتوبر 1973 عادت لها الحياة من جديد وخلقت أنشطة اقتصادية جديدة وطبق عليها نظام المنطقة الحرة فى أول يناير 1976 بتعديل القوانين الجمركية.

وتتكون بور سعيد إداريًا من أربعة أحياء هى الشرق والعرب والمناخ وبور فؤاد الواقعة شرق القناة.

طرز العمارة:

يشير الدكتور بدر عبد العزيز أستاذ الآثار بجامعة بور سعيد أن المدينة تميزت بخضوعها لأكثر من طراز معمارى وفنى مثل طراز الكلاسيكية الجديدة والطراز القوطي المتأخر وطراز عصر النهضة المستحدث وطراز الباروك والروكوكو بالإضافة إلى الطراز التلقيطي والطراز العربى الاسلامى.

ونتيجة إشراف معماريون من فرنسا وإيطاليا وإنجلترا واليونان على مبانى بور سعيد فقد خضعت لسمات الطرز الأوروبية مع مراعاة النسق العام للطراز العربى الاسلامي وبخصوص طراز الكلاسيكية الجديدة فهى عمارة أو فن خاص بإحياء الفن الإغريقى والرومانى ويعد من أهم الطرز المعمارية والفنية التي سادت فى عمائر وفنون القرن التاسع عشر ومن أهم عناصره الأعمدة و” الأكتاف المدمجة ” والفرنتون والحشوات الغاطسة والنوايا والأسنان والأساطير.

و من أهم نماذجه فى بور سعيد كنيسة سانت أوجينى سنة 1890م أما طراز عصر النهضة المستحدث فيتميز بالأسطح المستوية الخالية من التفاصيل كما اتصف بالرزانة والاتزان والتقشف والبعد عن الزخرفة بالإضافة إلى التماثل بين الواجهات والتماثل فى التخطيط وفكرة وضع النوافذ فوق بعضها البعض علاوة علي استخدام بعض العناصر الزخرفية مثل الأشرطة والفينكات وعقود الأزهار والأكاليل ومن نماذجه فى بورسعيد المدرسة الفرنسية.

وقد تم إعادة إحياء الطراز القوطي مرة أخرى فى القرن 18 الميلادى بعد أن حل طراز عصر النهضة محله فى القرنين 15، 16 الميلاديين والقرن 19 الميلادى فظهر طراز جديد عرف باسم القوطي الجديد أو المتأخر ومن أهم نماذجه ببور سعيد فيلا فيرناند.

و من أهم نماذج الطراز القوطي الجديد في بور سعيد طراز الباروك والروكوكو والطراز التلقيطى.

وقد تميزت بعض مبانى بورسعيد بالطراز التلقيطي مثل مبنى المدرسة الإيطالية ومبنى الإدارة الانجليزية.

وتميز الطراز العربى الإسلامى ببورسعيد في القرن 19 ومن نمازج هذا الطراز بمدينة بورسعيد (المسجد التوفيقى والمسجد العباسى) وبعض المنازل التى تميزت بعناصر زخرفية إسلامية مثل الطبق النجمي والجفت الاعب والمقرنصات أما المبانى ذات الشرفات الخشبية البورسعيدية فقد استخدم فيها الأسقف الخشبية البغدادلية فكانت ذات مسحة عربية إسلامية بالرغم من تشييدها وفق طراز مدينة البندقية فى إيطاليا.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مصدر رفيع المستوى: اقتصار الاتصالات بين مصر وإسرائيل حول الهدنة على الوفود الأمنية فقط