وردت أحكام المسودة الثانية لمشروع قانون الاستثمار الجديد صادمة للتوقعات المشروعة للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، بحسبانها لم تضع حلول جادة وسريعة للمشكلات والعقبات التى سبق أن أثارها القانون رقم 8 لسنة 1997 وتعديلاته فى التطبيق، كما لم يتضمن المشروع أحكامًا جديدة محفزة - بحق- للدفع بعجلة الاستثمار وجذب الأنظار إلى مناخ جديد ورؤى جديدة تسعى الدولة إلى تحقيقها فى المستقبل القريب، ولعل ذلك ما دفع البعض إلى التساؤل عن مدى الجدوى من استصدار تشريع جديد للاستثمار فى ضوء عدم كفايته واستيعابه لأوجه النقص التى سبق أن طرحها قانون الاستثمار السارى.
وأكد أحمد الوكيل رئيس اتحاد الغرف التجارية الذى أوضح أن الاتحاد عقد عدة جلسات لتدارس المشروع وذلك بحضور عدد كبير من المستثمرين والمتخصصين فى كافة المجالات الصناعية والتجارية والخدمية، فضلًا عن الاستماع إلى الآراء الفنية لمكاتب المحاماة والمحاسبة الدولية، وآراء المستثمرين الحاليين العرب والأجانب من خلال جلسات استماع عقدها شركائنا اتحاد الغرف العربية واتحاد غرف مجلس التعاون الخليجى واتحاد الغرف الأوربية.
وأشار الوكيل إلى تعليق السيد على ثنيان الغانم رئيس غرفة الكويت والذى أشار إلى أن "التشريعات مهما فصلت، والنصوص مهما أحكمت، يبقى نجاحها رهن التطبيق السليم الحكيم، والتطور المستمر تبعا للتغيرات الدولية والمحلية، وفى ضوء التجربة الفعلية، والتشريعات التى تحكم الاستثمار بالذات يجب أن تكون أكثر التشريعات مراعاة لهذه الحقيقة، لكى تبقى متطورة بلا هدم، ثابتة بلا جمود.
وأكد الوكيل أن استشهلال القانون ومواد إصداره بالتصالح فى الجرائم والدعاوى الجنائية، والعقوبات وتسوية المنازعات والأسهاب فيها هو ترهيب لمن تساوره نفسه بالإستثمار فى مصر، وكان من الأجدر بمعد المشروع أن يأخذ بالمنهج العالمى المتبع فى مثل هذه التشريعات، وذلك بأن يتم إصدار قانون مبسط ومختصر يتضمن القطاعات والضمانات والحوافز، وبالتالي يستخدم للترويج عالميا، ويصدر معه فى ذات الوقت قانون ملحق به يتضمن الإجراءات وتسوية المنازعات إلى جانب ما لا يخص المستثمر مثل تشكيل الجهات القائمة على الاستثمار وإجراءاتها وآليات الترويج وغيرها.
ونوة إلى أنه يجب عدم تصدير مواد تتناول التصالح فى الجرائم أو تحدد المسئولية للشخص الاعتبارى أو الإشارة فى صلب قانون الاستثمار إلى قيود تحريك الدعوى الجنائية فى الجرائم الجمركية والضريبية والمالية بحسبان أنه سبق معالجه هذه الأحكام فى قانون الاجراءات الجنائية وقوانين الضرائب والجمارك وبذلك لا يأخذ المستثمر انطباع أنه سيدخل فى استثمارات تحيط بها مخاطر تصيد السلطات الأمنية وحرص الدولة على تأمين المستثمرين ضد تعسف سلطات الضبط على نحو يرهب رؤس الأموال.
وأوضح أنة انتهج مشروع القانون فى صياغته منهجًا يبعث بالعديد من رسائل الطمأنة للمستثمرين، غير أن الصياغة المطروحة قد أفرطت فى الطمأنة إلى حد قد يلفت النظر إلى ما تعانيه الدولة من تعقيدات بيروقراطية وما سبق أن عانى منه المستثمرون، لذا لابد من حذف بعض المواد التى قد تثير لبس أو مخاوف لا مبرر لها، مثل إلتزام الدولة باحترام وإنفاذ العقود التى تبرمها، وعلى النقيض، لم يتم إضافة كلمة (بات) بجانب كلمة حكم قضائي أينما وردت بالقانون، بعكس ما كان فى القانون السابق، مما يجعل الأحكام الابتدائية نافذة.
وبالمثل، فقد انتقص مشروع القانون الضمانات التى استقرت منذ أول قانون استثمار رقم 43 لسنة 1974 والتى استمرت حتى القانون الحالى رقم 8 لسنة 1997 وتعديلاته الأخيرة فى 2015، "ﻻ ﻳﺟﻭﺯ ﺗﺄﻣﻳﻡ ﺍﻟﺷﺭﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﻣﻧﺷﺂﺕ ﺃﻭ ﻣﺻﺎﺩﺭﺗﻬﺎ"، "ﻻ ﻳﺟﻭﺯ ﺑﺎﻟﻁﺭﻳﻕ ﺍلإﺩﺍﺭﻯ ﻓﺭﺽ ﺍﻟﺣﺭﺍﺳﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺷﺭﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﻣﻧﺷﺂﺕ ﺃﻭ ﺍﻟﺣﺟﺯ ﻋﻠﻰ ﺃﻣﻭﺍﻟﻬﺎ ﺃﻭ ﺍﻻﺳﺗﻳﻼء ﺃﻭ ﺍﻟﺗﺣﻔﻅ ﻋﻠﻳﻬﺎ ﺃﻭ ﺗﺟﻣﻳﺩﻫﺎ ﺃﻭ ﻣﺻﺎﺩﺭﺗﻬﺎ."
حيث تم إضافة "ولا يكون ذلك إلا في الأحوال المقررة في القانون، وبموجب أمر قضائي أو حكم في كل حالة على حده" ومطلوب من المستثمر البحث عما هى "الأحوال المقررة فى القانون" ويتم الاستيلاء فى هذا المشروع بحكم ابتدائى وقبل صدور حكم قضائى بات.
كما تضمن المشروع مبدأ مستحدث عالميًا وهو أن "عدم رد" جهة الإدارة يعتبر رفض، مع أن المتبع هو العكس.
كما ألغى مشروع القانون الصفة الإلزامية لقرارات اللجنتين الوزاريتين لفض منازعات الاستثمار وتسوية منازعات عقود الاستثمار بعكس ما عليه الحال فى القانون الحالى مما افقدهما جدواهما.
كما تضمن المشروع العديد من المواد مقتضاها تفرضه البداهة والمبادىء العامة للقانون المصرى، وأن الابقاء عليها – فى مجال الترويج للقانون- يثير تساؤلات عما كان عليه الوضع قبل إصدار القانون، مثل إلتزام الموظف العام والمستثمر بإحكام القوانينن واللوائح والقرارات، وإلتزام المستثمر بحرية المنافسة وعدم القيام بممارسات احتكارية، والمحافظة على البيئة وعدم الإضرار بها، ومراعاة معايير الجودة والكفاءة المقررة قانونا فى المنتجات والخدمات، وعدم الإخلال بالنظام العام أو الأداب العامة والأمن القومى للبلاد .
كما تضمن القانون موادا لا لزوم لها كان من الأجدى أن يترك امر تنظيمها للعقد الذى سيبرم مع المستثمر بدلا من النص على تلك الاحكام فى القانون لاضفاء مزيدا من المرونه، مثل توسعة المشروع أو زيادة حجمه أو غير ذلك من التعديلات.
كما تم إدراج المشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر بالرغم من أن تعريف المشروع الاستثمارى هو 20 مليون جنيه على الأقل، بخلاف عدم قدرة هيئة الاستثمار على التعامل مع العدد الكبير من تلك المشروعات، وكان من الأجدى إدراج الحاضنات وتجمعات المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر بدلا منها.
وقال الوكيل أن الطامة الكبرى تكمن فى وضع مدة سنتين فقط من تاريخ صدور اللائحة التنفيذية للتمتع بالحوافز كما لو كان المستثمرين من كافة ربوع العالم يقفون بالطوابير على أبواب مصر، وذلك بالرغم من أن التباطوء الاقتصادى العالمي والظروف الغير جاذبة فى المنطقة إقليميا، وواقع عدم جاذبية مصر حاليا، والمنافسة الإقليمية بسبب الحوافز التى تقدمها الدول المجاورة مثل تركيا وتونس والمغرب والأردن، كل ذلك لن يجعل مصر جاذبة أبدا، وكما لو كان الهدف هو حماية المشروعات القائمة التى تمتعت بحوافز عند إنشائها على حساب الاستثمارات القادمة، إذا جائت، وإذا كان التحفظ على حصيلة الضرائب، فإذا لم نكن جاذبين للاستثمارات، فلن توجد حصيلة ضرائبية من الأصل.
كما يجب تحديد نسب ومدد المزايا بدلا من كلمه " جزء" أو " مدة" وذلك حتى يكون المستثمر على بينه من أمره ويتمكن من تحديد تكاليفه الاستثمارية بدقة.
كما تضمن المشروع مخالفات دستورية عديدة مثل ترك تحديد العقارات لمجلس الوزراء مخالف لنص المادة 32 من الدستور والتى نصت على أن "ويحدد القانون أحكام التصرف فى أملاك الدولة الخاصة، والقواعد و الاجراءات المنظمة لذلك" ومؤدى ذلك أنه يتعين أن يحدد القانون وليس بأداة أدنى قواعد وإجراءات التصرف، وكان من الممكن تجاوز ذلك بتعديل القانون الحالى الذى يستمر العمل به طبقا للدستور، وبالمثل تحديد القطاعات والحوافز من خلال مجلس الوزراء.
كما لم يتضمن المشروع ما يفيد الاستثناء من القانون رقم 143 لسنة 1981 بشأن الأراضى الصحراوية حتى يتاح المجال للشركات المستثمرة فى استصلاح أو استزراع مساحات كبيرة تجاوز الحدود القصوى المنصوص عليها فى هذا القانون، ونحن فى أشد الحاجة لاستثمارات ضخمة فى الزراعة ونحن نستورد 60% من غذائنا.
وفى حين تسعى كافة الجهات لتحويل مصر لمركز لوجيستى عالمى، يتم وضع نسبة 2% على البضائع العابرة برسم الترانزيت الغير محددة الوجهة، أى البضائع مثل السيارات والمعدات والحبوب والبترول، والسؤال، إذا كانت محددة الوجهة لماذا ستقف فى مصر من الاصل، وبالتالى لن نتمكن أن نكون مثل دبى أوسينغافورة أو حتى المغرب، مركزا لإعادة التصدير يستتبعه تجميع ثم تصنيع وهو ما تم فى جبل على وطنجة.
وأكد الوكيل أن القانون الحالى، إذا تم تعديل بعض مواده سيكون أفضل كثيرا من المشروع المطروح والذى لم يقدم جديد يساعد فى الحد من البطالة خاصة وأن أكثر من 75% من الاستثمارات فى 2014-2015 كانت ستأتى فى جميع الأحوال لأنها فى قطاعات البترول والاستثمار العقارى والمقاولات، أما القطاعات المستهدفة من صناعة وزراعة وسياحة فلم يتجاوز نصيبهم مجتمعين سوى 2.3% من الاستثمارات طبقا لبيانات الأونكتاد، والأدهى أن جملة العمالة فى الشركات الخاضعة لقوانين الاستثمار المتعاقبة منذ عام 1974، أى أكثر من 40 عاما، لم تتجاوز 1% من إجمالى العمالة فى مصر طبقا لبيانات بحث القوى العاملة لجهاز التعبئة والاحصاء فى أكتوبر 2016.