تتسلم مالطا بعد غد الأحد، الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر خلفا لسلوفاكيا في وقت تشهد فيه القارة الأوروبية تحديات صعبة وغير مسبوقة تهدد مستقبلها ووحدتها.
وتحتل قضايا الهجرة غير الشرعية وإتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أو ما يعرف بالـــ "بريكست" أبرز أولويات رئاسة مالطا للاتحاد الأوروبي، فمن ناحية تحتل قضية الهجرة أهمية أولية على الأجندة الأوروبية وبالأخص لمالطا حيث أنها بوابة للهجرة غير الشرعية إلى أوروبا عبر البحر المتوسط، ويقصدها آلاف الهاربين من بلادهم سنويًا أملًا في الوصول إلى حياة أفضل، إلا أن الكثير منهم يفقد حياته قبل الوصول إلى شواطئها، وبعضهم الآخر يتم اعتقاله قبل أن يصل مياهها الإقليمية.
وتعتبر الهجرة غير الشرعية مشكلة كبيرة تؤرق السلطات المحلية في مالطا، حيث إن الجزيرة تمثل أصغر دولة في الاتحاد الأوروبي، وواحدة من أفقر الدول الأوروبية، لذلك يتوقع أن تخصص لها أهمية خاصة خلال فترة توليها.
من ناحية أخرى، من المقرر أن تبدأ بريطانيا في مارس القادم إجراءات انسحابها من الاتحاد الأوروبي وفقا لنص المادة 50 من معاهدة لشبونة، وهو أمر بالغ الأهمية بالنسبة للقارة الأوروبية نظرا للأهمية التي تحظى بها بريطانيا والتداعيات التي ستنتج من انسحابها وأهمية الإبقاء على علاقات جيدة معها، وفي هذا الصدد أعلن رئيس وزراء مالطا جوزيف موسكات أنه في جميع الحالات فإن بريطانيا ستفقد الكثير من المميزات التي كانت تتمتع بها خلال عضويتها في الاتحاد وأن أي اتفاق سيتم التوصل إليه مع الكتلة الأوروبية سيكون أقل تميزا من موقعها السابق.
وتشهد فترة رئاسة مالطا للاتحاد الأوروبي انعقاد قمة في فبراير القادم تجمع الزعماء الأوروبيين لأول مرة بدون بريطانيا، وتخصص لبحث الأوضاع داخل الاتحاد الأوروبي بعد انسحاب بريطانيا علاوة على مناقشة سبل دفع فكرة أوروبا الجديدة واتخاذ تدابير لإنشاء قيادة عامة أوروبية موحدة لتنسيق كل العمليات المدنية والعسكرية الأوروبية، كما تشهد فترة رئاسة مالطا للاتحاد الاحتفال في مارس المقبل بمرور 60 عاما على عقد معاهدة روما والتي أبرمت في الخامس والعشرين من مارس 1957 ونشأ الاتحاد الأوروبي بمقتضاها.
وتعتبر هذه هي المرة الأولى التي تتولى فيها مالطا الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي الذي انضمت إليه عام 2004 بينما انضمت إلى منطقة تشنغن في نهاية 2007.
وتتولى مالطا الرئاسة الدورية للاتحاد في مرحلة صعبة تشهدها القارة الأوروبية حيث جاء قرار الانسحاب المفاجئ لبريطانيا في يونيو الماضي - حسبما جاءت نتائج الاستفتاء- لتوجه ضربة من العيار الثقيل للقارة الأوروبية تسببت في اهتزاز الثقة في قوة الاتحاد وقدرته على الصمود في مواجهة التحديات الكبرى.
كما جاء فوز الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب ليزيد من التحديات التي تواجه الاتحاد، خاصة أنه يظهر اختلافا في الرؤية حول العلاقات الأوروأطلسية والذي ظهر بوضوح خلال تهديده بالانسحاب من منظمة حلف شمال الأطلسي إذا لم يتول الحلفاء الأوروبيين المزيد من مسئوليات الدفاع عن أمنهم فضلا عن تأييده للخروج البريطاني من أوروبا في يونيو الماضي.
علاوة على ذلك فإن الأحداث الإرهابية التي شهدتها القارة الأوروبية مؤخرا وكان آخرها حادث حافلة برلين الإرهابي، والذي أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة عشرات آخرين، قد سلطت الضوء على خطورة حرية التنقل بين الدول الأوروبية وأهمية تأمين الحدود خاصة بعد ما تبين أن مرتكب الجريمة انتقل بين عدد من العواصم الأوروبية عقب ارتكابه للجريمة.
وكشفت العديد من استطلاعات الرأي أن أعداد ضخمة من المواطنين الأوروبيين يرون بلادهم تسير في الاتجاه الخاطئ، وبالأخص في فرنسا واليونان، وهو ما يؤدي بدوره إلى تزايد شعبية التيارات الشعبوية التي تنادي بالابتعاد عن الاتحاد الأوروبي وتدعو للاهتمام بالمصالح القومية لكل دولة.
وبرئاسة مالطا تنتهي ثلاثية رئاسة الاتحاد الأوروبي والتي بدأت في يناير الماضي مع تولي هولندا الرئاسة الدورية للاتحاد حتى يونيو 2016 واستمرت خلال تولي سلوفاكيا في الفترة من يوليو حتى ديسمبر 2016، وفكرة الثلاثية أو ما يطلق عليه الــ "تريو" تعني ثلاث دول تتناوب على الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال 18 شهرا متتابعين وتضع برنامجا للعمل المشترك لتحقيق أهداف طويلة المدى مما يضمن الاستمرار والفاعلية.
وتمحورت أهداف هذه الثلاثية حول خمسة محاور، الأول خلق فرص عمل وتحقيق النمو والتنافسية، والثاني اتحاد من أجل حماية جميع المواطنين، والثالث تبني سياسات للطاقة تتماشى مع التغيرات المناخية، والرابع تحقيق الحرية والأمن والعدالة، والمحور الأخير دعم دور الاتحاد كفاعل عالمي.
ورغم أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قد فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة التعديلات التي أدخلت على معاهدة لشبونة خلال السنوات الأخيرة غير أنها لا تزال تتمتع باختصاصات مهمة ومحورية على صعيد الاتحاد مثل ترؤس كافة الاجتماعات الوزارية، وعقد الصفقات التشريعية التي تدفع عجلة الاتحاد، فضلا عن لعب دور الوساطة في الاتفاقات بين الدول الأعضاء والمساهمة في بلورة وصياغة السياسات العامة للاتحاد.