توقع أبوبكر الديب، الكاتب الصحفي والخبير الإقتصادي، نشوب حربًا اقتصادية، "علي الأقل"، بين الصين وأمريكا، وعدد من الدول الكبري في الفترة المقبلة، مشيرا إلي صدور تصريحات ليست صديقة بين الإدارة الصينية والرئيس المنتخب دونالد ترامب، حيث وعد ترامب، بزيادة الضرائب المفروضة على البضائع الصينية بنسبة 45 %، تحت ذريعة حماية المنتج الأمريكي، الذي لم يعد بمقدوره منافسة المنتجين الصينيين.
وقال إنه في بداية ديسمبر الجاري، حدث اتصال هاتفي بين رئيسة جزيرة تايوان، التي لا تعترف الصين باستقلالها حتى الآن، وترامب، كانت واشنطن تنتهج سياسة "الصين الواحدة"، بعد قطعها علاقاتها الدبلوماسية مع الجزيرة عام 1979، ومؤخرًا احتجزت الصين مسبارا يستخدم للغوص في أعماق البحار تابعا لسلاح البحرية الأمريكية في بحر الصين الجنوبي، مما تسبب في هبوط البورصات الأمريكية، مشيرا إلى تأكيد وكالة "بلومبرغ" الإقتصادية: بأن التصعيد في بحر الصين الجنوبي أدى إلى زيادة حدة التوترات في الأسواق بين المستثمرين، ما دفعهم لبيع ما يملكونه من الأسهم الأمريكية، وتحولهم نحو الملاذات الآمنة، وتزامن ذلك، مع تراجع العائد على السندات الحكومية الأمريكية، إذ انخفض عائد السندات لأجل 10 سنوات بنحو 5 نقاط أساس.
وأضاف أن هناك قاعدة إقتصادية تقول: إنه كلما امتلكت الدولة احتياطي نقد أجنبي أكبر في بنوكها المركزي، استطاعت تخفيض قيمة عملتها المحلية، ومن ثم استطاعت أن تنتج أرخص من العالم، وبالتالي إحتلت سلعها أسواق الكوكب، وهذا ما تفعله الصين، التي تمتلك أكبر احتياطي نقد أجنبي في العالم يقارب 4 تريليونات دولار، و1054 طن ذهب، فهي تفرض أسعار فائدة تقارب الصفر على عملتها المحلية "اليوان"، وهو ما يؤثر سلبا علي أمريكا، حيث تعد بكين أكبر دائن للولايات المتحدة الأمريكية، مما يشعل الصراع بين الولايات المتحدة والصين، حيث تطالب الأولي الأخيرة بزيادة أسعار الفائدة على اليوان، لكن الصين طالما ترفض بشدة.
وأوضح أن واشنطن بدأت تشكو من تلاعب بكين بالعملة فى بداية عام 2003، عندما حققت الولايات المتحدة عجزًا تجاريًا قدره 124 مليار دولار مع الصين، وبعد أن استطاعت الصين مقاومة الضغوط الأمريكية طوال عامين، رضخت في عام 2005 وسمحت برفع قيمة الرنمنبي بمعدل 20% خلال السنوات الثلاث التالية، ولكن الأزمة المالية العالمية وما تبعتها من انخفاض فى صادرات الصين جعلت الصين توقف رفع قيمة عملتها كي تستطيع صادرتها الحفاظ على أسعارها التنافسية، مضيفا أن الأمريكيين يصرون على أنه إذا رفعت بكين قيمة عملتها فسوف تكون السلع الصينية أعلى ثمنًا، وسوف تصبح المنتجات الأمريكية أرخص وأكثر تنافسية، ومن ثم ينخفض العجز في الميزان التجاري بين الولايات والصين، ونتيجة ذلك سوف تخلق المزيد من فرص العمل في الولايات المتحدة.
وأوضح أنه رغم التضييق الأمريكي على الدور الصيني في منطقة الشرق الأوسط، فإن الصين اتجهت لتوسيع نطاق دورها الإقليمي تدريجيا، من خلال تعيين مبعوث صيني للشرق الأوسط والمشاركة في جهود الوساطة في بعض الصراعات الأهلية في الإقليم، مثل الصراع الأهلي في دارفور، والصراع في جنوب السودان، فضلًا عن مشاركة الصين في المفاوضات الغربية مع إيران حول الملف النووي، وتدخل الصين لدعم الشراكة بين إيران وباكستان في خط أنابيب نقل الغاز الواصل بين الدولتين برعاية صينية.
وأضاف أن العالم شهد تصاعدا غير مسبوق في قوة الصين الإقتصادية، خلال الربع الأخير من القرن الماضي، حيث وصل متوسط النمو الاقتصادي الصيني السنوي لما يقرب من 9.5% وتضاعف الناتج القومي للصين 4 مرات، وتم انتشال ما يقرب من 400 مليون صيني من حالة الفقر المدقع التي كانت شائعة بصورة كبيرة، ففي عام 1977 كانت الصين تشغل المرتبة 13 في حجم التجارة الدولية، ومن المتوقع أن تصبح الصين الأول عالميا من حيث حجم التجارة الخارجية في العالم خلال السنوات المقبلة وهو ما دفع السيناتور تشارلز شومر، للقول إن هذه الأرقام يجب أن تكون كارت تحذير أحمر للكونجرس وللاقتصاد الأمريكي، وأن الكثير من الأمريكيين لديهم قلق من الإعتماد المتزايد على الصين، وما لذلك من تأثيرات سلبية على تسريح أعداد كبيرة من العاملين بقطاع الصناعة الأمريكي"، ويساهم توافر منتجات صينية مصنعة رخيصة في السواق الأمريكية على حدوث تضخم في الولايات المتحدة حيث يجد الفقراء والطبقة المتوسطة كذلك منتجات رخيصة يستهلكونها، كما تمثل الملكية الفكرية، أحد مصادر التوتر في العلاقات التجارية الأمريكية الصينية، ولا يقتصر الأمر فقط على نسخ برامج الكومبيوتر Software والأفلام DVD، بل يتعدى الأمر ذلك إلى نسخ وتصنيع أدوية وسيارات وقطع غيار طائرات حيث فرضت الحكومة الصينية قانون يمنع النسخ والتزوير وأنشأت محكمة خاصة لمحاكمة من يقوم بمثل هذه الأنشطة، وهو ما جعل الولايات المتحدة تهدد بعرض القضية أمام منظمة التجارة العالمية، إلا أنها لا تتوقع الكثير من النتائج من ذلك الإجراء على المدى القريب.
وقال إن الطرفان يتنافسان في منطقة الشرق الأوسط، بسبب الموقع الجغرافي المتميز، والطاقة، وهو ما يتطلب دورا أكبر للتكامل الإقتصادي العربي لمواجهة هذه الحرب.
وأضاف أن الإقتصاد العالمي، شهد تقلبات حادة في 2016 بسبب تذبذبات أسعار النفط، والإنتخابات الأمريكية، وخروج بريطانيا من عضوية الإتحاد الأوروبي، وأزمة سوق المال الصينية، حيث خفض صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصاد العالمي في العامين 2016 و2017 بمقدار 0.1% لكل عام، في حين تحركت حكومات المنطقة بإتجاه تدابير مالية أكثر واقعية، من خلال إصلاحات بقطاع سوق المال، مثل سعي السعودية لأن يتم إدراجها في مؤشر الأسواق البازغة MSCI في السنوات القادمة، كما أن اقتصاديات دول الخليج والمغرب العربي، وكذلك مصر، تمتلك العديد من المقومات والإمكانيات التي تجعلها تقف صامدة أمام محاولات الهيمنة من الدول الكبري علي الشرق الأوسط.