من الحاكم الجلاد إلى المتسول الضرير.. قصة الخليفة العباسي "القاهر بالله"

صورة تعبيرية

في عام 932 الميلادي تم اغتيال الخليفة العباسي الثامن عشر "جعفر المقتدر بالله"، بعد مكيدة دبرت له من قبل بعض المقربين والحاشية، واتفق القتلة بعد ذلك على أن يتولى محمد القاهر بالله، أو كما يلقب أيضا بـ"القاهر بالله" الخلافة وأن يصبح بالتالي الخليفة العباسي التاسع عشر.

بالفعل تولى "القاهر بالله" الخلافة العباسية سنة 932 ميلادي، وقد كانت فترة حكمه واحدة من أسوأ المراحل التي مرت بها الدولة العباسية، حيث تميزت بكثرة إراقة الدماء وانتشار المكائد.

ما إن تولى "القاهر بالله" الخلافة حتى قتل جميع أفراد عائلة الخليفة السابق "جعفر المقتدر بالله"، ما عدا والدته "شغب"، فقد أقدم على سجنها، وكان الخليفة العباسي حينها "القاهر بالله" يشك في أن السيدة "شغب" كانت مسؤولة في السابق عن مقتل والدته، فضلا عن ذلك تشير بعض المصادر إلى أن السيدة "شغب" كانت قد دافعت خلال عهد إبنها "جعفر المقتدر بالله" عن "القاهر بالله"، وأنقذته من الموت.

لم يكن "القاهر بالله" ليأبه بكل هذا وكانت أطماعه متوجهة نحو أموال السيدة "شغب"، ولهذا السبب أقدم على إعتقالها وعذبها شر عذاب، كما قام بتعذيبها عن طريق تجريدها من ملابسها وتعليقها مقلوبة، ومن خلال كل هذا كان "القاهر بالله" يسعى لإجبار السيدة "شغب" على البوح بمكان أموالها ومجوهراتها، إلى أن ماتت السيدة هي الأخرى لتلحق بعائلتها.

بعد أن فرغ "القاهر بالله" من قتل أفراد عائلة "جعفر المقتدر بالله" وتتبع خيوط ثروته، توجه نحو البحث عن مكيدة كانت تحاك ضده، وفي أثناء ذلك وعلى إثر وشاية أحدهم (طريف السبكري والذي كان أحد أعداء مؤنس الخادم بطل عملية إغتيال الخليفة السابق) عثر الخليفة العباسي التاسع عشر على ضالته، حيث أن أبطال عملية اغتيال الخليفة "جعفر المقتدر بالله" كانوا قد اجتمعوا سرا واتفقوا على قتل الخليفة "القاهر بالله" بعد تزايد مخاوفهم من مصير مماثل لمصير السيدة "شغب" وعائلتها.

على إثر كشفه لمحاولة الإغتيال هذه، أقدم "القاهر بالله" على نحر كل من "مؤنس الخادم" وعدد من معاونيه وعلق رؤوسهم في أسواق بغداد، ليكونوا عبرة لغيرهم، فضلا عن كل هذا، وبعد فترة وجيزة أعدم الخليفة العباسي التاسع عشر الرجل الذي كشف له عن المكيدة، والذي لم يكن سوى "طريف السبكري".

على حسب ما نقله عدد كبير من المؤرخين أقدم الخليفة العباسي "القاهر بالله" على منع بيع الخمر وأغلق كل حانات بغداد وعاقب كل من يخالف ذلك أشد عقاب سوى أن هذا الخليفة لم يطبق القرار على نفسه، حيث أنه كان سكيرا لا يصحى أبدا (لا يفيق من حالة السكر)، كما أنه أحاط نفسه بعدد كبير من الجواري.

ذاقت بغداد ذرعا من أعمال "القاهر بالله" وعلى إثر ذلك دبر وزيره "إبن مقلة" مكيدة ضده، وجمع قادة الجيش وعدد من كبار ووجهاء بغداد وحرضهم على الخليفة، وعلى إثر ذلك هجم الجميع على مقر الخلافة، حينها كان "القاهر بالله" مثمولا، فما كان منه إلا أن استهل سيفه وتوجه نحو سطح الحمام، وهنالك أجبر على الإستسلام قبل أن يتم اقتياده نحو إحدى غرف القصر، وهنالك عذب أشد عذاب كي يجبر على التنحي.

وأمام رفضه لهذا القرار تم سمل عينيه بإستخدام الحديد الساخن، وقد قيل حينها أنها ذابتا على صدره، على إثر ذلك وبعد فقدانه لبصره أجبر الخليفة العباسي "القاهر بالله" على التخلي عن العرش، ومن ثم تحول الأخير بعد إطلاق سراحه إلى شخص ضرير ومتسول، حيث أنه كان يتسول قرب مساجد بغداد وفي أسواقها.

لم تستمر فترة حكم "القاهر بالله" سوى سنتين فقط تحول على إثرها إلى متسول، وجاء ذلك قبل أن يفارق الأخير الحياة في ظروف صعبة سنة 950 ميلادي.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً