شهد السودان خلال العقود الأخيرة، تنامي للتيارات الراديكالية، خاصة المسلحة منها، ودعم ذلك الهجرة الجماعية من السودانيين لدول الخليج، وخاصة السعودية، الأمر الذي يعزز التوجه السلفي هناك.
معظم الجماعات الدينية في السودان، استخدمت العنف كمنهج لفرض معتقداتها، كما أن تاريخ الإرهاب في إفريقيا نشأ أولًا في الجزائر عام 1991، ثم انتقل إلى السودان الذي أصبح اليوم من أكبر البؤر للجهاديين في إفريقيا.
بالعودة إلى العام 1994، وما عرف بأحداث مسجد الثورة الحارة الأولى في مدينة أم درمان، حين هاجم محمد عبد الرحمن الخليفي الليبي الجنسية، مع ثلاثة سودانيين آخرين بالأسلحة النارية، مسجدًا يتبع إلى جماعة أنصار السنة المحمدية، وقاموا بحصد أرواح 27 من المصلين، وأحداث قرية الجرافة، شمال أم درمان، ومسرحها مسجد أنصار السنة أيضًا حينها قتل رشاش عباس عبد الباقر، منفذ العملية المنشق عن جماعة أنصار السنة، والمنتمي إلى جماعة التكفير والهجرة، 20 شخصًا وجرح 33.
وعام 2012، تم القبض على 30 شابًا في معسكر للتدريب أرادوا التوجه إلى مالي للجهاد ضد القوات الفرنسية، وهو ما عرف وقتها بـ"خلية الدندر"، نسبة إلى مدينة الدندر، جنوب شرق الخرطوم.
مرورا بعام 2014، حيث وجه بعض المحللين العسكريين في مصر، اتهامات متتابعة للجانب السوداني خاصة مع زيادة القلق من الدور الذي تقوم به الخرطوم لدعم الجماعات المسلحة "المتشددة"، أو تسهيل نقل الدعم لها من دول أخرى، وخاصة مع تصاعد الهجمات وعمليات التفجير التي تستهدف الجيش والأمن المصري في شبه جزيرة سيناء منذ سقوط نظام حكم الإخوان في القاهرة، تتركز الجهود الأمنية المصرية على تجفيف منابع الجماعات الإرهابية في سيناء، بقطع طرق إمداد السلاح والبشر إليها، خاصة من الجنوب عبر الصحراء الشرقية.
وفي 2016، وخلال الأيام القليلة الماضية، أشارت تحقيقات نيابة أمن الدولة بمصر، فيما يتعلق بقضية "تنظيم حسم الإرهابي"، إلى أن التنظيم يعمل بشكل استخباراتي، وتلقى تدريبات في السودان على يد كتائب القسام، وهو ما أكده عدد من الخبراء، مرجعين السبب إلى تبعية التنظيم لجماعة الإخوان الإرهابية، والتي تمتد في عدد من الدول العربية، خاصة في السودان وفلسطين.
وفي سياق متصل يقول الخبير الأمني محمود القطري، إن دولة السودان، على مدار سنوات عديدة كانت تنتشر حولها الشائعات والأقاويل حول تدريبها لجماعات إرهابية من ناحية، أو وجود كيانات وتنظيمات إرهابية على أراضيها من ناحية أخرى، إلا أنه في كل مرة تخرج السودان بعدها تنفي ما أشيع عن دعمها لتلك الجماعات، وأنه لابد من وضع ضمانات لحماية الحدود والبلاد المجاورة من خطر تلك الجماعات.
وتابع" القطري"، في تصريحات خاصة لـ "أهل مصر"، إنه من الضروري طرح مصر لحلول تمكنها من حماية أراضيها، حتى وإن وصل الأمر للتدخل العسكري، مشيرا إلى زيادة الخطر النابع عن تواجد الجماعات الإرهابية داخل أراضي السودان، إلى جانب تعدد الشائعات حول تقديم الجانب السوداني الدعم المتواصل لها.
ويقول الخبير العسكري والاستراتيجي هشام جابر، إن قضية جماعة "حسم" الإرهابية التي كشفت عنها تحقيقات النيابة العامة، وتلقيها تدريبات في السودان، أثار العديد من التساؤلات حول علاقة السودان بهذه الجماعات، مما يعطى لمصر في حالة إثبات صحة التحقيقات، الحق في اتخاذ أي إجراءات عسكرية داخل السودان لحماية أراضيها، مشيرا إلى أن "السودان، يعد ممرا للأسلحة والأفراد إلى مصر"، وأن السلطات المصرية تمكنت، أكثر من مرة، من ضبط شحنات أسلحة مهربة عبر الطرق الصحراوية بين السودان ومصر، إلا أنها فشلت في ضبط أخرى، ووصلت بدورها إلى أيدي "جماعات إرهابية.
وتابع "جبر"، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، أن أجهزة الاستخباراتية المصرية رصدت أخيرا، معسكرات تدريب لجماعات مسلحة "متشددة" أقيمت داخل الأراضي السودانية على الحدود مع مصر، في مناطق تعتبر "رخوة" من الناحية الأمنية، مطالبا بضرورة التنسيق مع الحكومة السودانية، والتنسيق معهم للقضاء على الجماعات الإرهابية والمتطرفة داخلها.
ومن جانبه قال أحمد عبدالحليم أستاذ العلوم الاستراتيجية بأكاديمية ناصر العسكرية، إن مع زيادة العمليات الإرهابية داخل مصر، وقتل العديد من الجنود في سيناء وكافة المحافظات، قد تلجأ مصر إلى التنسيق العسكري مع البلدان التي تقع بالقرب من الحدود مع مصر، أو تربطها بمصر حدود مشتركة، وذلك للقضاء على التكتلات الإرهابية بها، من خلال دعمها بالأسلحة فقط، دول التدخل العسكري، مشيرا إلى أن التدخل العسكري له ضمانات وشروط، إلا أن الأمر بعيدا عن تفكير السلطات المصرية.
وتابع عبدالحليم، في تصريحات خاصة لـ"أهل مصر"، إن مصر سبق ورفضت التدخل العسكري في ليبيا، وذلك عندما قال الرئيس عبدالفتاح السيسي، إنه من الأفضل دعم الجيش الوطني الليبي، وبالتالي يمكن الحصول على نتائج إيجابية إذا دعمناه، وهذه النتائج يمكن التوصل لها قبل أن نتحمل مسؤولية التدخل، الأمر الذي يبعد التدخل العسكري في السودان عن تفكير النظام المصري الحالي.
يذكر أن السفارة السودان بمصر، عبرت أمس الجمعة، عن انزعاجها إزاء تقارير مصرية تحدثت عن تلقي عناصر تنظيم "حسم" المحظور تدريبات في السودان لتنفيذ هجمات ضد شخصيات ومقار شرطة في مصر.
وأكدت سفارة السودان في بيانها الصادر أمس الجمعة "أن الحكومة السودانية تلتزم باحترام إرادة الشعب المصري في اختيار حكوماته وحكامه، ولم يحدث أن أجازت لنفسها التدخل في الشؤون الداخلية للدولة المصرية"، مؤكدة أن "أمن واستقرار مصر من أمن واستقرار السودان".