أجهزة الاستخبارات المختلفة بكل القيادات فيها تتمتع بقوة واستغلال نفوذ غير عادي لدرجة أنهم يتمتعون بنسبة عالية من الغرور لما يحققونه من انتصارات على بعضهم البعض، ولكن لكل منهم إخفاقات اعتبرت وصمة عار في الجبين يحاولون مرارا نسيان الأمر ليمضوا قدما في طريق توجيه القرارات العالمية حسب ما يجمعون من معلومات ويجندون من جواسيس.
وهذه الإخفاقات تتمثل في انقلاب الجواسيس التي يثقون بهم كثيرا للعمل لصالح العدو مما يجعل موقف أي جهاز مخابرات صعبا وغير متوقعا في ظل الثقة الكبيرة التي يضعونها في عملائهم خاصة من يدينون بالولاء ومن يحملون الجنسية الأصلية لنفس جهاز المخابرات.
أشهر هذه القصص القصة التي عرضتها بي بي سي وتناقلتها وسائل الإعلام العالمية عن الجاسوس البريطاني الذي انقلب ليعمل لصالح المجاهدين الأفغان وهو المدعو أيمن دين الذي نشأ في السعودية وشهد الحشد الرسمي والشعبي في المملكة ضد الاحتلال السوفيتي، ونصرة المجاهدين الأفغان في فترة الثمانينيات، وذهب للجهاد في البوسنة لنصرة مسلمي البوسنة مع صديقه خالد الحاج أحد زعماء القاعدة في المملكة العربية السعودية فيما بعد.
وأيمن دين هو الطالب الذي تحول إلى جهادي يحمل الكلاشنكوف في أحد جبال البوسنة، ويشارك مع المجاهدين العرب والمسلمين الذين جاءوا من كل مكان، تجمعهم معسكرات للتدريب على القتال والتكتيكات الحربية والمناورات العسكرية، واعترف أيمن بأنه عقب نهاية القتال في البوسنة لاحظ أن من نجوا من القتال تزايدت لديهم المشاعر المناهضة للغرب والمناهضة للعولمة، وشعروا أن المجتمع الدولي يتآمر ضد المسلمين في البوسنة، وفي ظل هذا التصور بدأ المجاهدون يشعرون بأن الغرب يحارب الإسلام كدين، وأدى هذا إلى مزيد من التطرف وجعل من السهل التحول من كونهم مجاهدين إلى نشطاء جهاديين وهو ما جعله يغير نظرته أيضا للقضية.وتلقى أيمن دعوة للسفر من البوسنة إلى قندهار لمبايعة أسامة بن لادن مثل الجميع الذين سيبايعون بن لادن، وهو ما منحه اللقاء وجها لوجه مع أولئك الذين ينضمون للتنظيم، وقال إن المبايعة تتم بطريقة غريبة وهي أن تجلس أمامه على الأرض وتضع يدك على المصحف وتتلو القسم، وتقريبا تلامس ركبتك ركبته.وفي ظل رغبة الجميع للموت والشهادة والتضحية وجد أن البعض متعب يرغب بالموت في أقرب وقت ممكن، وكان أيمن دين في مركز تدريب بأفغانستان، عندما وقعت هجمات على السفارات الأمريكية في نيروبي ودار السلام عام 1998، وأكد على قلقه بعد سقوط 12 أمريكيا و240 مدنيا قتلى و500 آخرين جرحى، وأدرك أنها الحرب، فكانت تلك هي البداية للشك في شرعية كل شيء، لذلك بدأ في إلقاء الأسئلة، وقرر أن يبحث بنفسه عن الإجابات، وبعد شهرين قرر الرحيل، فذهب للخليج لتلقي العلاج الطبي، وقرر عدم العودة مرة أخرى، وبدلا من ذلك وجد نفسه في قبضة المخابرات الخارجية البريطانية مع محاولات بتجنيده وتقديم معلومات عن تنظيم الجهاد، واضطر للخوف لتقديم معلومات لكنه لم يستطع أن يكمل الطريق لأن الولاء في النهاية كان معروفا لصالح من في قرارة نفسه.
والقصة الثانية عن جاسوس إسرائيلي يعمل للتجسس على الولايات المتحدة الأمريكية وكان من الفئة المميزة ولكنه انقلب لصالح أمريكا مما جعل مسئولا أمريكيا هناك يؤكد أن أصدقاء الأمس هم عملاء اليوم على الساحة، وهو العميل بيير كاردي كوهين الشهير بجيمس بارنر، وكشفه قصة حب مع فتاة أمريكية أدت للريب في تصرفاته وقامت الفتاة بالإبلاغ عنه وجندته المخابرات الأمريكية للعمل بشكل معكوس، ومن أخطر المعلومات التي شارك فيها كان أثناء خلاف الولايات المتحدة وإسرائيل بسبب برنامج إيران النووي، حيث اكتشف المسئولون الأمريكيون أثناء تجسسهم على إسرائيل أنها كانت تتجسس على المفاوضين الأمريكيين ثم تتقاسم هذه المعلومات مع واضعي القوانين في واشنطن لتقوض أي مساندة للصفقة المفترضة مع طهران.
وفي وثيقة صادرة من وكالة الأمن القومي تم الإعلان عنها في العام الماضي، لاحظت الوكالة أن الإسرائيلين شركاء جيدين لنا في مجال استخبارات الإشارات أو التقاط البيانات، لكن الوثيقة أضافت أنهم يستهدفوننا كي يعرفوا موقفنا من مشاكل الشرق الأوسط، والتقديرات الاستخباراتية الوطنية عام 2013 صنفت إسرائيل كثالث أكثر وكالات الاستخبارات عنفا ضد الولايات المتحدة ووضع هذا التصنيف إسرائيل بعد روسيا والصين.
أما التجسس الإسرائيلي ضد الولايات المتحدة الأمريكية فقد تلقى ضربة أيضا حين تم كشف حصولهم على اليورانيوم الذي يحتاجونه لبداية برنامجهم النووي من مفاعل بنسلفينيا عن طريق انقلاب أحد جواسيسهم أيضا، وهو ما أعلنه سكوت جونسون وقال إن إسرائيل تسرق تكنولوجيا لصناعة أنابيب بنادق المدفعية كما تم اتهام عملاء إسرائيليين أيضا بسرقة أنظمة استطلاع من مقاول أمريكي وقيل إن جواسيس إسرائيليين حصلوا على مواد عالية التقنية تستخدم لتغليف الصواريخ.
وأصابت حملة القدس الاستخباراتية المتكررة المسئولين الأمريكيين بالقلق الشديد لدرجة أنهم عارضوا بقوة مجهودات في كابيتول هيل لتضمين إسرائيل في نظام السفر بدون تأشيرة والذي يخشى الجواسيس الأمريكون أنه سيسهل سفر العملاء الإسرائيليين إلى الولايات المتحدة.وقال مساعد سابق في الكونجرس الأمريكي لصحيفة نيوزويك أن الإسرائيلين إذا أعطيناهم الحرية في إرسال الناس إلى هنا لن نتمكن من إيقاف الأمر، إنهم عنيفون بشدة في جميع جوانب علاقتهم بالولايات المتحدة الأمريكية.تدور أشهر حالات التجسس بين هذين الصديقين حول جاسوس اسمه جونثان بولارد حكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 1987، لسرقة كنز من الأسرار الأمريكية وتقديمها لإسرائيل، وطالبت الحكومة الإسرائيلية بالإفراج عنه باعتباره بطلا.ومن ضمن المعلومات التي سربها بولارد بينما كان يعمل كمحلل معلومات مدني في البحرية، كانت المعلومات التقنية المتعلقة بأقمار التجسس الأمريكية وتحليل لنظام الصواريخ السوفيتي ومعلومات حول أنظمة ناسا الاعتراضية، وقال جون دافيت من العاملين بوزارة العدل ورئيس وحدة الأمن الداخلي الأسبق بها، عندما تم الكشف عن قضية بولارد كان الانطباع أنها المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك وهذا ليس حقيقيا على الإطلاق.