الحقائق التاريخية لا تسلم بها إلا بالبحث والتوثيق عبر المراجع المختلفة للوصول للنقاط الأساسية التي تقنعك شخصيًا قبل أن تنشرها لتحملها أجيال وتتناقلها أجيال أخرى وتصبح صاحب كذبة يعاقبك عليها الباحثون بعد رحيلك بسنوات.
والحقيقة الزائفة حول طرد الصليبيين من الشام وفلسطين على يد القائد الإسلامي العظيم صلاح الدين الأيوبي لا تنقص من قيمة وعظمة هذا القائد في شئ، ولكنها تقع على المؤرخين الذين تناقلوا القصص دون مراجعة حقيقية، لأن صلاح الدين الأيوبي هو من حرر القدس فعلًا وطرد الصليبيين منها، لكنه ليس أول من حقق انتصارات ضد الصليبيين، كما أنه لم يطرد الصليبيين نهائيا من الشام وفلسطين كما إدعى البعض.
إنجاز صلاح الدين في طرد الصليبيين من المشرق الإسلامي يجب أن يكون معروفًا ومحددا، بلا إنقاص من كونه دور عظيم بالفعل لكن بلا تضخيم أو مبالغة، حيث عرف التاريخ الإسلامي أكثر من قائد وجهوا ضربات قوية وحاسمة للصليبيين أيضا، فنجد أن أولى الحملات الصليبيية غير المنظمة كانت بقيادة بطرس الناسك واتجهت إلى القدس وتصدى لها السلاجقة من المسلمين الأتراك الذين كانوا نواة ارتكاز في آسيا الصغري، ولكنهم انهزموا في موقعة دورويليوم، مما جعل الطريق خاليا أمام الصليبيين نحو الشام فأسسوا الإمارات الصليبية، وكان باكورة هذه الإمارات إمارة الرها ثم إنطاكيا وطرابلس، ثم دخلوا بيت المقدس وقتلوا الآلاف في واحدة من أشهر المذابح التاريخية وأنشأوا مملكة بيت المقدس على أن يكون بلدوين الثاني ملكا لها.
مودود حاكم الموصل
أول من بدأ يهاجم الإمارات الصليبية القائد مودود حاكم الموصل من الأتابك، حيث جمع جنوده واقتحم أراضي إمارة الرها الصليبية وخرب البيوت وأسر عددا من جنودهم، فكانت جهوده بداية للكفاح الإسلامي ضدهم.
نجم الدين إيلغازي
ثم هاجم إمارة الرها القائد نجم الدين إيلغازي حاكل ماردين التي تقع الآن في تركيا بالقرب من الحدود مع سوريا، وانتصر على القوات فيها قرب بلدة قسطون جنوبي حلب سنة 1119.
عماد الدين زنكي
يعتبر الفضل في طرد الصليبيين من مدن المشرق وإسقاط إمارتهم الصليبية يعود للقائد العظيم عماد الدين زنكي أمير الموصل، الذي استولي علي حلب ثم وحد إمارتي حلب والموصل ضد الصليبيين، ثم دعا المسلمين للجهاد، وتجمع عدد كبير من المجاهدين فكون منهم جيشًا كبيرا واستولي علي إمارة الرها سنة 1144م بعد 46 عاما من تأسيسها، وكان هذا نصرا عظيما أثار مخاوف الصليبيين.
نور الدين محمود بن عماد الزنكي
أما موحد الشام ضد الصليبيين فهو نور الدين محمود ابن عماد الدين زنكي، الذي قضي 10 سنوات يوحد مدن الشام ضد الصليبيين حتي استطاع توحيد مدن الموصل وحلب ودمشق تحت قيادته، ثم أرسل جيشًا بقيادة أسد الدين شيركوه لمصر ليسقط الخلافة الفاطمية الضعيفة ويضمها تحت لوائه لقتال الصليبيين، وتمكن أسد الدين من ضم مصر لملك نور الدين سنة 1168م، وسقطت الخلافة الفاطمية بعدها بثلاث سنوات بوفاة الخليفة الفاطمي العاضد.
صلاح الدين الأيوبي
تولي صلاح الدين الأيوبي حكم مصر سنة 1168م، وبدأ بتحضير الجبهة الداخلية في مصر، ثم توجه إلي الشام وضم مدن الشام لسلطانه سنة 1181م، وبعد هذا التاريخ بستة سنوات وجه صلاح الدين الدعوة إلى الجهاد ضد الصليبيين في حطين، وهزمهم هزيمة منكرة ودخل مدينة القدس بعد حصار دام ثلاثة أشهر، ثم تصدي صلاح الدين للحملة الصليبية الثالثة بقيادة فيليب أغسطس وريتشارد قلب الأسد، والتي انتهت بعقد صلح الرملة عام 1193 م، والذي يقضي باحتفاظ المسلمين ببيت المقدس وعسقلان، واحتفاظ الصليبيين بمدن يافا وصور وعكا في فلسطين، بالإضافة إلي إماراتهم إنطاكيا وطرابلس.
لذلك تعد ضربة صلاح الدين للصليبيين الضربة الأقوى ضد الصلييبين حيث حرر بيت المقدس الهدف الأساسي للحملات الصليبية في الأصل، ولكن استمر وجود الصليبيين في المدن الساحلية من صور إلي يافا، بالإضافة إلي إمارات أنطاكيا وطرابلس وبيروت.
الظاهر بيبرس
بداية نهاية الصليبيين في المشرق الإسلامي كانت علي يد القائد الإسلامي الظاهر بيبرس الذي عزم علي طردهم من الشام، وكان عام 1265 م هو بداية حروبه ضد الصليبيين حيث خرج علي رأس جيش ضخم استولي به علي قيسارية وأرسوف كما استولي علي صفد عام 1266م، ثم استولي بيبرس علي أنطاكية الإمارة الصليبية العتيدة وقام بإحراق المدينة وسواها بالأرض، وقتل كل حاميتها الصليبية وباع النساء والأطفال في سوق الرقيق.
سيف الدين قلاوون
طرد السلطان المملوكي المنصور سيف الدين قلاوون الصليبيين من أقوي معاقلهم في الشام، حيث استولي علي اللاذقية عام 1287م، ثم طرابلس عام 1289.
الأشرف خليل بن سيف الدين قلاوون
طرد القائد الأشرف خليل بن سيف الدين قلاوون الصليبيين من آخر معاقلهم في الشرق وهي إمارة عكا،حيث خرج بجيش جرار من مصر ودمشق وطرابلس وحماة، وحاصر الصليبيين في عكا لمدة عشرة أيام وضربها بالمناجيق وصمد أمام المقاومة الشديدة من فرسان الداوية والاسبتارية حتي اقتحمها في مايو 1291، وبعدها استولى بسهولة علي صور وصيدا وطرسوس في أغسطس عام1291.
وبذلك انتهي الوجود الصليبي في الشرق الذي دام ما يقرب من مائتي عام بعد جهود أعظم قادة التاريخ الاسلامي.