مع تزامن فعاليات معرض القاهرة الدولي للكتاب، واتساع الجدل حول مستقبل الشعر خاصة "الشعر العامي" وظهور بعض الكتابات التي تحسب على الشعر - في حين يراه النقاد ومحبو الأدب أبعد ما يكون عن الشعر.
وعلى سيرة الشعر، فهناك نوع من الشعر "المغنى" خرج من نساء الأفغان، وأخذ شهرة خاصة به، يسمى شعر "اللانداي" وهو نوع من الشعر الشعبيّ المنظوم (والمغنّى أحيانًا)، باللغة البشتونيّة في أفغانستان، ويكون وفق قواعد خاصّة من الوزن الشعريّ والتقفية.
كلمة "اللانداي" تعني في اللغة القصير أو الموجز، ويأتي شعر اللانداي على شكل سطرين شعريّين فقط، ينظم الرجال والنساء اللانداي في مواضيع متنوّعة، واشتهر منه المجموعة التي جمعها الشاعر الأفغانيّ سيّد بهاء الدين مجروح (1928-1988) من شعر النساء الأفغانيّات، الذي يُتداول سرًّا بينهنّ، لما تعبّر عنه من بوح جريء عن المرأة الأفغانيّة ومشاعرها وهواجسها، وتُرجمت مجموعة الأشعار تلك إلى الفرنسيّة والإنجليزيّة، وظهرت لها في العربيّة، سابقًا، ترجمتان نثريّتان.
"الشعر اللانداي" الذي تم جمعه عن نساء أفغانستان، يدور حول ثلاث شخصيّات محوريّة، أولها شخصيّة المرأة التي تنطق بها؛ وثانيها شخصيّة زوج المرأة الذي تكرهه وتوسعه شتمًا وسخرية؛ وكذلك شخصيّة عشيق المرأة الذي يقترب منها حينًا إلى درجة الوصال؛ ويبتعد حينًا آخر حتّى يبدو ضربًا من المحال، في اللانداي نقد لاذع للمجتمع الذكوريّ الذي لا يرى في المرأة أكثر من سلعة أو متعة، وهجاء مرير للرجل/ السيّد.
وفي كتاب عن الشعر اللاندي، يقول سعيد بهو الدين مجروح، إن شعر اللانداي، دُون أنموذج يقلد، دُون مرجعيات شعرية يحتذى بها، يبدع مؤلفو أدب لغة الباشتون الشفوي في منأى عن الكتب، بشكل عام، يصونون مؤلفاتهم الخالية من المؤثرات الخارجية ومعونات الأبحاث الدراسية أو الجامعية ويمنحون أعمالهم قوة الصدى الرمزي لنتعرف عبرها على شعب بأكمله، مضيفًا أنه مع ذلك، عرف هذا الارتجال الشعبي كيف يطور أشكالاً عظيمة التنوع، ذات قواعد خاصة في نظم الشعر، وغير منفصل عن الغناء.
وأضاف "مجروح" أن مثل هذا الشعر لا يهدف إلى خطابية الكلام المنمّق، وإن كانت أوزانه وقوافيه تتحلى، قبل كل شيء، بأنغام قيمة، أما فيما يخصّ المضمون، فاختلافه عن شعر الداري (الفارسي) جلي، إذا لا يمجد الحب الصوفي، ولا يكشف عن أي إلهام موجه إلى سماء مجهولة، أو غير قابلة للكشف.
الشاعر الفرنسي أندريه فيلتير قال عن مجروح:”مات لأنّه تكلَّم بكل حرية، وبالأخص لأنّه كان صوتاً للذين لا صوت لهم و قد ترجَم أندريه كتاب “سعيد مجروح” إلى الفرنسية ثم قام “جميل صلاح” بترجمته إلى العربية عام 2002 بعنوان ” الشعر الشعبي للنساء البشتون”. وبعدها قامت الجزائريه “جليلة الدخلاوي” بتعريبهِ نثراً في طبعة صدرت في 2003 بعنوان:”رمّان قندهار”.
"الشعر اللانداي" لا يكرس نفسه للمديح الإلهي، ولا يبدي أي تمثيل لمعلم مطلق يتحكم بحياة وموت مخلوقاته، كل "اللانداي" المقدمة في هذه الدراسة هو من المختارات الشعرية النسائية، التي تظهر أصالة أصواتها أنها فريدة، وتنبثق من هذه النصوص وجه مدهش تشدو فيها النساء ويتحدثن عن أنفسهن الرجال والعالم حولهن. وجه أنوف، قاسي القلب ومتمرد.
الشاعرة و الصحفية الأفغانية ناديا أنجمن، كانت أبرز النساء الأفغان اللاتي ظهر شعرهن، إلا أنها عبرت عن مللها الغناء لأنه لن يغير من واقعها شئ، فناديا قُتلت على يد زوجها عام 2005، وقد اكتسبت ناديا (المولودة في 27 كانون الأول1980) شهرة واسعة في مجال الأدب و الشعر في أفغانستان و ما حولها، ونشرت في عام 2005 ديوانها الشعري الأول (غولي دودي) أو ” الزهرة القرمزية” “gol-e dudi”or”dark red flower” غير المترجم إلى العربية، إلّا بعض الأبيات من خلال لغة وسيطة كالانجليزية أو الفرنسية.
ومن أمثلة هذا الشعر...
“وفي حادثة أخرى صرخت ناهد(في وجه أحد ضباط فصيل شيوعيّ آخر، حين وجّه بندقيته إلى رأسها): مهلاً أيها الجبان! لأنك عاجز عن الدفاع عن شرفك، فلن تكون رجلاً أبداً! خذ خِماري وأعطني سلاحك، فنحن النساء سنحسن الدفاع عن بلدنا خيراً مما تفعلون.الضابط فتح النار على رأسها، وأرداها قتيلة. وغدت ناهد بعد ذلك رمزاً للمرأة المقاومة.
بأعلى صوتِها الصّافيبأعلى صوتها (ناهد):
نُهوضاً، يا أُخيّاتيترابُ الأرض يطلبُنافهل يبقى بنا قاعدْ؟!
أخواتِي،تَحزّمْنَ بالأوشِحةْواحتملنَ البنادقَ والأسلحةْوتقدّمنَ للمذبحةْ
في أرض بلادي المسبيّةْقطرات دم الشّهداءِ زنابقُ حمرٌلربيع الحريّةْ
وماذا بوسعكَ غير القتالِلهذا البلدْ؟
أو تكون إذا شئتَعبداً لعبد.