أعوام كثيرة مرت منذ أن بدأت الولايات المتحدة في تغذية الصراع الطائفي بين السنة والشيعة في العالم، منذ أن بدأت بغزو العراق، مرورًا بالصراع في اليمن وسوريا وأفغانستان، وإعطاء إيران مزيدًا من الفرص في فرض سيطرتها في العالم، وتسليح الجماعات المسلحة التي تنتهج العنف باسم "الدين"، إلا أن الاعوام المقبلة قد تشهد تطورات ينقلب فيها السحر على الساحر.
الصراع السني الشيعي، الذي بدأ سياسيًا ثم تطور استخدامه في إطار عقائدي، ساهم هذا الخلاف الديني، في إشعال النزاعات في الشرق الأوسط والدول المسلمة، كتلك الحرب الأهلية السورية التي تهدد بتغيير خريطة الشرق الأوسط، والتي كان أصلها مطالب مدنية فيما عرف باسم "الثورة السورية في 2011 ضمن الربيع العربي" وقبله كان العراق الذي لم ينته أمره بالصراعات الأهلية ولكنه وسع الهوة بين عدة من دول الخليج ذات العلاقات المضطربة.
وبحسب دراسة مترجمة عن الصراع السني الشيعي، فإن الدولتين المتنافستين على الريادة الإسلامية وهما – المملكة السعودية السنية وإيران الشيعية- استغلتا هذا الشرخ الطائفي لمصلحتهما، فإيران هي رائدة المد الشيعي والسعودجية تمثل المدافع الاول عن السنة المسلمين، وعلى الأغلب ستحدد نتيجة هذا التنافس شكل التوازن السياسي الجديد بين السنة والشيعة ومستقبل المنطقة خصوصًا في سوريا والعراق ولبنان والبحرين.
وكانت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، هيأت الفرصة المناسبة لآية الله روح الله الخميني، في تحقيق مراده بإقامة دولة إسلامية برئاسة الولي الفقيه، وهو مفهوم مثير للجدل بين الشيعة، فيما يختلف معه السنة إذ فصلوا تاريخيًا ما بين رؤسائهم السياسيين ورجال الدين، حيث أن حجة الخميني تقول أنه لا بد لرجال الدين من استلام الحكم ليقوموا بمهمتهم على أكمل وجه: وهي تطبيق الإسلام كما أراد الله من خلال وصاية الأئمة الشيعة، وهو ما استغلته الإدارة الأمريكية فيما بعد.
الصراع الطائفي بين السعودية وإيران "السنة والشيعة" تمثل في العراق، حيث ساندت السعودية العراق في حربه ضد إيران من عام 1980 إلى 1988 ودعمت المقاتلين في باكستان وأفغانستان في حملتهم ضد الاتحاد السوفيتي الذي احتل أفغانستان في عام 1979. لكنها كانت أيضاً تقمع المجموعات الشيعية التابعة لإيران.
صدام حسين السني، شعر بالخطر من تأثير الثورة الإيرانية على الأغلبية الشيعية التي يحكمها فقام بإرسال قواته لاحتلال إقليم غني بالنفط في إيران مشعلاً بذلك حرباً دارت لثمانية أعوام أودت بقرابة المليون قتيل، فيما دعمت كل من السعودية والولايات المتحدة العراق في حربه تلك، وكانت دوافع الأخيرة تأتي من العداء الذي أبدته حكومة إيران الجديدة عند أخذها لدبلوماسيين أمريكيين كرهائن.
الإدارة الامريكية، لعبت دورًا أساسيًا ومفصليًا في الصراع السني الشيعي، حيث لاحقت القوات الأمريكية قادة القاعدة في أفغانستان وأطاحت بحكمهم بعد الهجمات التي نفذوها في واشنطن ونيويورك، وساهمت القوات الدولية بقيادة الولايات المتحدة بإرساء نظام جديد في البلد، إلا أن المخاوف بدأت تساور الحكام السنة في الأردن والخليج من عودة الغلبة للشيعة بعد إسقاط حكومتي طالبان وصدام حسين المناوئتين لإيران - بحسب الدراسة.
ومع قتل الرئيس العراقي، صدام حسين، وإعلان قوات التحالف الدولي نهاية قرون من الحكم السني في بغداد، تفجر العنف الطائفي، فتحالف البعثيون مع المتطرفين والمعتدلين من السنة ضد قوات التحالف وحلفائهم الشيعة الطامحين إلى السلطة والنفوذ، كما ظهرت الميليشيات الشيعية وكان بعضها معاديًا للوجود الأمريكي كما توافد السنة الأجانب إلى البلد للمشاركة في الاقتتال الطائفي، ومع دعم إيران للميليشيات والأحزاب السياسية الشيعية التي هيمنت على الانتخابات أصبحت تتمتع بنفوذ واسع في العراق.
"ويكيليكس" نشرت في بعض تسريباته، رسالة سرية لوزيرة الخارجية الأمريكية السابقة والمرشحة الحالية لرئاسة البيت الأبيض هيلاري كلينتون، أكدت فيها أن إشعال حرب سُنية شيعية وإسقاط النظام السوري فيهما مصلحةٌ أمنيةٌ لإسرائيل، كما تهدف الولايات المتحدة الامريكية، للفت الأنظار العربية بعيدًا عن الصراع العربي الإسرائيلي، مثلما هو الحال في سوريا واليمن، وبذلك يأخذ الصراع العربي الإسرائيلي أولوية ثانية في اهتمامات الحكومات والأنظمة العربية، وتكون المستفيد الأكبر من الصراعات التي تشهدها المنطقة، أمريكا وإسرائيل.
الرئيس السابق للولايات المتحدة الامريكية باراك أوباما، ضحى بجميع أولوياته المناطقية ليعمل على التهدئة و التصالح مع ايران، و في شهادته عام 2010 أمام مجلس النواب للشؤون الخارجية أقرّ وليام بيرنز مساعد وزير الخارجية للشؤون السياسية أن المحادثات قد ذهبت بعيدًا حيث قال:" تقريباً منذ سنتين فإن الرئيس أوباما قد بذل جهدا غير مسبوق في التعامل مع ايران" ثم في السنة التالية تخلى أوباما عن المكاسب التي تحققت في العراق على حساب الكثير من الدم و الثروة من اجل ايران، وجاء المالكي الموالي لايران مرة اخرى رئيسا لوزرء العراق.
وقبيل مغادرته للبيت الأبيض، قال "أوباما" في تصريحات لمجلة "ذي أتلانتك" -نقلتها الجزيرة- أعرب فيها عن اعتقاده بأنه ليس من مصلحة بلاده التقيد بتقديم الدعم التلقائي للسعودية ودول الخليج، ودعا أوباما السعوديين إلى اقتسام الشرق الأوسط مع خصومهم الإيرانيين، قائلًا: "إن التنافس بين السعوديين والإيرانيين ساعد على تغذية الحروب بالوكالة وإثارة الفوضى في سوريا والعراق واليمن".
الكاتب والباحث السياسي محمد قواص، قال في تصريح لـ"الجزيرة .نت" إن أمريكا لم تعد تملك استراتيجية واحدة في الشرق الأوسط وإنما يوميات تتبدل يوميا، مشيرا إلى أن أوباما لديه تصفية حسابات مع دول المنطقة ويتصرف إزاءها بطريقة عدائية، وهو ما يفسر الحالة التي تعيشها الولايات المتحدة بعد تولي الرئيس الجديد دونالد ترامب.
ترامب، أعلن الحرب الكلامية على طرفي النزاع - السنة والشيعة- حيث أعلن رفضه للاتفاق النووي مع إيران، كما كتب في تغريدة له على "تويتر" إن طهران "لا تقدر كم كان أوباما لطيفا معها، وأنا لست كذلك"، فيما رد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف على تغريدة ترامب بتغريدة أخرى، قائلا إن إيران "لا تعبأ بالتهديدات الأمريكية"، وعلى الجانب المسلمين السنة، اتخذ قرارًا بحظر دخول المسلمين إلى أمريكا، لـ 7 دول قابلين للزيادة بضم السعودية ومصر.
التحول الأمريكي في التعامل مع طرفي النزاع -على حد سواء- أخذ جانب الهجوم دون تمييز التعامل مع طرف بشكل انحيازي، ربما يكون فرصة للطرفين لإعادة التفكير في الخلافات والصراع الطائفي بينهما، ويتحدان ضد القوة الأمريكية، خاصة وأن ترامب أعلن ما سماه "حربًا على الإرهاب المسلم" دون أن يحدد من المقصود بذلك، وكذلك على إيران، والتي تعد جزءًا من الشرق الأوسط بأي حال وإن كان الخلاف "المذهبي" خلق منها عدوًا لعدد من الدول.