طال مصر كثير من محاولات اختراقها أمنيا، عن طريق جواسيس جندتهم أقوى اجهزة المخابرات العالمية للعمل لحساب اسرائيل، والنيل من أمن البلاد كان هدف اسرائيل الأول لتصبح مصر الحامي الأول للوطن العربي، في حالة لا تسمح لها بتنفيذ الرسالة التي وهبها الله اياها.
ولكن كانت اسرائيل تجند الجواسيس ولا تعرف عن جواسيس أشد خطورة داخل جسدها الواهن، نرصد قصص بعض منهم في التقرير التالي..
رفعت الجمال
الأسم الأشهر هو رأفت الهجان فبعد تأسيس جهاز المخابرات العامة المصري عام 1954، كان التفكير في زرع جاسوس بإسرائيل مهما، ووقع الاختيار على رفعت الجمال، أكثر العملاء المصريين إثارة في قضايا الجاسوسية، والذي تم زرعه في إسرائيل، على أنه يهودي مصري يحمل إسم جاك بيتون.
الروايات المصرية تؤكد أن الجمال استطاع أن يتوغل في المجتمع الإسرائيلي، وكان على صلة قوية بأعلى مراكز القرار هناك، حتى أنه كان صديقاً لديفيد بن جوريون أول رئيس وزراء لإسرائيل، وكذلك جولدا مائير وموشى ديان، ومن هنا استطاع أن يمد المخابرات المصرية بمعلومات بالغة الخطورة والدقة عن الدولة الاسرائيلية.
اضطرت إسرائيل إلى أنكار قصة الجمال حين أعلنتها المخابرات المصرية، ولكن وافقت المخابرات المصرية على خروج نفس القصة في مسلسل قام ببطولته الراحل الفنان محمود عبد العزيز، في مسلسل تلفزيوني بعنوان رأفت الهجان، لتترتجع اسرائلي عن تصريحاتها السابقة وتقول أنه كان عميلا مزدوجا، وهو ما ذكره إيتان هابر في كتابه حروب إسرائيل لمكافحة التجسس.
سمير الإسكندراني
كان الطالب سمير فؤاد الإسكندراني في بعثة مجانية للدراسة بجامعة بيروجيا الإيطالية عام 1958، والتقى هناك بشخص يدعى سليم، أثناء تعلمه الرقص في أحد النوادي، وعلم سليم أن سمير يريد إكمال تعليمه في النرويج أو السويد لدراسة إخراج الديكورات السينمائية، ولكنه لا يمتلك المال الكافي، فأخبره أنه يستطيع توفير المال اللازم له، مقابل وظيفة سيؤديها وهي كتابة تقارير لمصلحة منظمة تهدف إلى محاربة الشيوعية، واسترداد أموال اليهود التي سيطرت عليها الحكومة بعد هجرتهم من مصر عام 1956، بحسب كتاب جواسيس عصر السلام للكاتب سامي عبدالخالق.
حينها شعر سمير بأن الأمر مريبا لكنه استجاب للتدريب وأكد لجوناثان أنه لن يفصح لأحد عن طبيعة عمله لخطورته على حياته، وبعد عودته إلى مصر ذهب إلى مبنى المخابرات العامة، وطلب مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر لكن قوبل بالرفض، وخلال ايام تم التحري عنه وفوجئ باتصال يخبره بموعده مع الرئيس ليقف وجها لوجه معه شخصيا ومدير المخابرات وقتها.
مهمتك لم تنته يا سمير هكذا بدأ الزعيم الراحل عبد الناصر حواره مع سمير الاسكندراني، وقال له أن دوره حان لتستخدمه المخابرات المصرية للعمل لصالحها، وتسبب ذلك بالإيقاع بشبكة جاسوسية إسرائيلية ضخمة كانت تعمل في مصر، ضمن أهدافها اغتيال جمال عبد الناصر ونائبه عبد الحكيم عامر.
شموئيل سامي
شموئيل سامي باروخ رجل أعمال إسرائيلي، كانت له ميول سياسية تعارض التشدد الصهيوني والتمييز الذي يمارس ضد اليهود وأعلن أفلاسه عام 1963، ثم سافر إلى سويسرا كي يعمل ويعيد بناء ثروته، فاستغلت المخابرات المصرية أحواله وجندته للعمل لمصلحتها، بعد أن أجرت له عدة اختبارات، وتم استضافته بالقاهرة تحت اسم مستعار لمدة شهر كامل، وكان سامي يرسل لمصر معلومات تخص الاقتصاد والسياسية الداخلية في إسرائيل، لأكثر من عام، لكن أمره انكشف في يناير 1965، وحكم عليه بالسجن لمدة 18 عاماً، بتهمة الخيانة.
كيبورك يعقوبيان
حكى اللواء الراحل سامح سيف اليزل ضابط المخابرات المصري السابق في حوار له لجريدة الأهرام قصة المواطن المصري الأرميني الأصل الذي يحمل اسم كيبورك يعقوبيان أو تسحاق كوتشاك، موضحاً أن هذا الشاب المصري كان يتحدث 4 لغات أجنبية بطلاقة بالإضافة للعربية، رغم أنه لم يكمل تعليمه لأنه كان يعيل عائلته بعد وفاة والده.
جندت المخابرات المصرية كيبورك يعقوبيان، وأجرت له عملية ختان بحسب طلبه لأن اليهود يختنون، وأجريت له تدريبات لمدة عام كامل ثم أرسلته إلى اليونان ومنها إلى البرازيل عام 1960، ليندمج مع الجالية اليهودية هناك.
أما في عام 1961 تقدم إلى مكتب الوكالة اليهودية بطلب هجرة إلى إسرائيل وتم قبول الطلب، وعمل سائقاً للعقيد شمعيا بكنشتين مما مكنه من ارسال كماً هائلاً من المعلومات المهمة إلى المخابرات المصرية، وصوراً لأهداف عسكرية، إلى أن ألقي القبض عليه بعد عدة سنوات،ووصفته وقتها صحيفة يديعوت أحرونوت بالحوت الذي يصعب اصطياده، وحكم عليه بالسجن 18 عاماً.
وفي إبريل من عام 1966، بادلته المخابرات المصرية بثلاثة إسرائيليين كانوا قد اجتازوا الحدود المصرية دون إذن، وطلبت مصر تسلم فدائيين فلسطينيين معه.
جمعة الشوان
قصة ملهمة لاحد الابطال المصريين وهو أحمد الهوان الذي كان ضمن المهجرين من مدينة السويس، بعد الاحتلال الإسرائيلي لسيناء عام 1967، وتعرض إقليم القناة للقصف الدائم من الضفة الشرقية، وبعد وصوله إلى القاهرة حاول الإتجار في السلع التموينية إلا أنه لم يوفق، فسافر إلى اليونان وهناك حاول الموساد تجنيده، عن طريق فتاة وقع في غرامها تدعى جوجو.
كانت جوجو السبب في الصلة بين جمعة وضابط إسرائيلي كبير تبين أنه شيمون بيريز بعد ذلك، أوهمه أنه سوري في البداية، ثم طلب منه العودة إلى مصر والعمل بالتجارة في السلع التموينية، مقابل إمداده بالأموال، وبعد عودته إلى مصر، استشعر الهوان بقلق فقرر الذهاب إلى جهاز المخابرات العامة، ليحكي ما حدث له.
في مبنى المخابرات، تقابل الهوان مع الضابط عبد السلام المحجوب الذي اتضح أنه كان يراقبه في اليونان، ثم قابل جمال عبد الناصر شخصياً، وهي المقابلة التي غيرت حياته ليصبح بطلا قوميا، وتحول الهوان إلى عميل لمصلحة المخابرات المصرية، وسافر إلى إسرائيل عدة مرات، وأوهم المسئولين أنه يتجسس على مصر لمصلحتهم، بينما كان يمدهم بمعلومات مغلوطة، وينقل عنهم إلى مصر ما يفيدها، حتى عام 1976، حين استولى من المخابرات الإسرائيلية على جهاز اتصال مشفر حديث، وهنا كشفت المخابرات المصرية للموساد عن الهوان، في رسالة من الجهاز الذي سلمه لهم في القاهرة.
صالح عطية
استطاع ضابط المخابرات محمد علي الكيلاني المتنكر في زي إعرابي، تجنيد الطفل صالح عطية من بدو سيناء، ليتجسس على القوات الإسرائيلية هناك عام 1968، لأنه يصعب الشك في صبي، بحسب ما كتبه المؤلف والكاتب العسكري نبيل فاروق.
كان صالح يدخل معسكرات الاحتلال على أنه بائع بيض، ونجح في التقرب من عدد من الإسرائيليين، ليمد الكيلاني بمعلومات تفصيلية عن 4 مواقع للمدفعية الثقيلة، وحقول الألغام المزروعة حولها، كما أمده الكيلاني بقطع معدنية ليزرعها في غرف القادة الإسرائيليين، للتنصت عليهم، وقبل حرب أكتوبر 1973 تم نقله وأسرته إلى القاهرة، في عملية استخباراتية صعبة، ليكرمه الرئيس أنور السادات ويصير صالح ضابطاً في المخابرات بعد سنوات من تجنيده.
عمرو طلبة
ضمن من نجحت المخابرات المصرية في زرعهم داخل إسرائيل، كان الشاب المصري عمرو طلبة عام 1969، على أنه يهودي مصري فقير ساءت به الأحوال ويبحث عن عمل، يحمل اسم موشي زكي رافي، وكانت المخابرات المصرية قد استغلت وفاة شاب مصري يهودي يحمل نفس الاسم بأحد المستشفيات بمدينة طنطا، ولم يستدل على ذويه، فأخفت خبر وفاته وأعطت اسمه لعمرو طلبة في قصة تجنيد رائعة من تخطيط المخابرات العامة المصرية.
ذهب عمرو أو موشي إلى اليونان، وهناك قابل يهوداً وأقنعهم بأنه فقير ويبحث عن عمل، فابتلعوا الطعم وأرسلوه إلى إسرائيل، فالتحق بالجيش الإسرائيلي برتبة ضابط اتصال، ليرسل إلى الجيش المصري، تقارير هامة عن وضع الإسرائيليين بالضفة الشرقية لقناة السويس في سيناء، وتحديداً خط بارليف الذي كانت تصفه وسائل الاعلام الاسرائيلية بانه لا يقهر.
وفي يوم عبور القوات المصرية للقناة، أمرته القيادة المصرية بالذهاب إلى منطقة محددة ستكون آمنة من القصف، إلا أنه رفض الانصياع للأوامر، وأخذ يرسل الإشارات اللاسلكية بتقارير عن الوضع الإسرائيلي على خط بارليف فقتل، واستطاع الجيش المصري تحديد مكانه بعد العبور، من آخر مكان أرسل منه إشارات، ونقلته طائرة هليكوبتر إلى القاهرة مرتدياً الزي العسكري الإسرائيلي، ملفوفاً بعلم مصر، وانتج مسلسل يحمل اسم العميل 1001 يحكي قصته.
عبد الرحيم قرمان
ولد الفلسطيني عبد الرحمن قرمان في مدينة حيفا لعائلة ميسورة عام 1968، وكان في فرنسا بصحبة زوجته الفرنسية، والتقى بضابط مخابرات مصري، نجح في تجنيده، فعاد إلى حيفا، حيث كانت مهمته مراقبة وتصوير السفن الحربية الإسرائيلية والصواريخ الشاطئية التي تطلق على السفن في البحر.
ونجح قرمان ايضا في تجنيد توفيق فياض من عرب 48، الموظف بجمارك ميناء حيفا لمعاونته في مهمته، وظلا يراسلان المخابرات المصرية، حتى كشفتهما المخابرات الإسرائيلية عام 1970، فحكم على قرمان بالسجن 16 عاماً، وعلى فياض بالسجن 10 أعوام، لكن القيادة المصرية نجحت في تحريرهما عام 1974، بمبادلتهما بالجاسوس الإسرائيلي باروخ زكي مزراحي، بحسب كتاب الوجه الحقيقي للموساد لوجيه الحاج سالم وأنور خلف.
عمر الهيب
اعتقل جهاز الشاباك العقيد بالجيش الإسرائيلي والمتقصي الأثر عمر الهيب عام 2002 بتهمة التجسس لمصلحة حزب الله، وعمر الهيب من عرب 48 وعائلته من النقب وعلاقتها جيدة بالسلطة الإسرائيلية، واشتهرت بتقصي الأثر الذي يحتاج إليه الجيش في الصحراء.
ولكن تبين أن حزب الله نجح في تجنيد الهيب، الذي أدلى إلى الحزب بمعلومات خطيرة عن أماكن تمركز القوات الإسرائيلية في مزارع شبعا، وخرائط للقوات الإسرائيلية في مناطق متفرقة، خاصة ما يتعلق منها بالحدود الشمالية الملاصقة للبنان، وكذلك نقل إلى الحزب أجهزة اتصال خاصة بالجيش الإسرائيلي، مقابل إعطائه كميات هائلة من المخدرات.
والمفاجأة أن اتضح أن الهيب كون شبكة للتجسس والإتجار بالمخدرات في الوقت ذاته، وفي 2006 قضت المحكمة بسجن الهيب 15 عاماً وفي 2007 تم خفض الحكم إلى 10 سنوات فقط.