لا يزال رجل الأعمال الهارب حسين سالم يشكل الحلقة المفقودة الأهم في معرفة جميع تفاصيل عمليات الفساد التي تمت في عهد النظام الرئيس الأسبق، والتي ربما تكون المفتاح للوصول إلى أموال التي تم تهريبها عقب ثورة 25 يناير إلي أسبانيا.
وكشفت مصادر أن السلطات القضائية الإسبانية ستفتح التحقيقات مرة أخرى فى قضية غسيل الأموال المتهم فيها رجل الأعمال حسين سالم على أراضيها، وذلك بعد أن تقدمت النيابة العامة المصرية بمذكرة إلى محكمة جنايات القاهرة تؤكد فيها عدم جواز التصالح مع "سالم".
حسين سالم لم يكن سوى واجهة في صفقات تجارة السلاح التي يقف خلفها الشريك الخفي للنظام الأسبق وهو المفتاح الرئيسي لفهم كل التحركات السياسية والاقتصادية والأمنية لمبارك، حيث اسسا الاثنين في مطلع الثمانينيات بعدما قررت الإدارة الأميركية منح معونة سنوية لمصر عام 1979 شركة لخدمات النقل باسم "أسكو"، وهي شركة مصرية أمريكية وكانت تضم عناصر من المخابرات الأميركية، وذلك وفق طلب الولايات المتحدة.
مهام سرية
ووفقًا لمجلة فوربس الأمريكية في تقرير لها وصفت فيه سالم بأنه رجل المهام السرية التي شارك فيها مبارك، وأنه بعدما التحق بجهاز المخابرات كان وسيلة لاصطياد مبارك عام 1983 حيث اكتشفت وزارة العدل الأمريكية تلاعبًا في فواتير شركة "أسكو"، وأعدت واشنطن قائمة اتهام تضمنت كل المسؤولين عن هذا التلاعب بمن فيهم مبارك، وشكّل البيت الأبيض لجنة من ممثلين لوزارتي الخارجية والعدل و16 قيادة أمريكية أخرى، وبعد تشاور قررت القيادات المجتمعة الاكتفاء بتوقيع الغرامة المالية على حسين سالم، حتى لا تتأثر علاقتهم بمبارك، ومنذ ذلك الحين جرت السيطرة على مبارك من قبل الولايات المتحدة.
غسيل أموال
كما كشفت مجلة "بيزنيس ويك" في تقرير وصفته بالسري في وقت سابق أن حسين سالم، أحد أهم أدوات غسيل الأموال لنظام مبارك، حيث يؤسس لهم الشركات ثم ينسحب منها ويبيعها للقطاع العام ويحول أموالها إلى الخارج ويخفيها في عدة عواصم ومدن منها قبرص وأثينا ولندن ومونتي كارلو، مضيفا أن حسين سالم ابتكر نظام of sure وهو نظام مبتكر لكيفية إخفاء الأموال، وقد تعلمه علاء وجمال مبارك على يد سالم.
ورصدت المجلة في التقرير تفاصيل ومعلومات كاملة عن قائمة ممتلكات لرجل بدأ حياته بمرتب شهرى 18 جنيها وحاليًا تقدر ثروته بـ350 مليار جنيه، يمتلك سالم وعائلته 12 شركة مساهمة فى شرم الشيخ والأقصر وسيناء بقيمة إجمالية تزيد على 30 مليار جنيه، غير أن المعلومات التفصيلية لكل شركة على حدة تكشف مدى التفكير لدى سالم فى الانتشار على نطاقين، الأول أفقيا على أرض الواقع بتوسيع نطاق إمبراطوريته ومضاعفة أعداد الشركات فى كل القطاعات مثل تحلية المياه والسياحة والفندقة والإنشاء والتعمير والطاقة والكهرباء والتنمية البيئية واستثمارات البترول والزراعة والصناعة، والثانى بزيادة حجم رؤوس أموال الشركات ومضاعفة أرباحها السنوية.
الشركة الأولى المقيدة فى إمبراطورية حسين سالم تسمى شركة نعمة للجولف والاستثمار السياحى وهى شركة مقيدة برقم 1195 بالسجل التجارى لمدينة الطور وتتولى إقامة قرى سياحية مكونة من فنادق وملاعب جولف رياضية ومطاعم وأسواق تجارية وكافيتريات، ويساهم حسين سالم فيها برأس مال قيمته 63 مليونا و165 ألف جنيه ونجله خالد بقيمة 118 مليونا و413 ألفا ونجلته ماجدة بقيمة 71 مليونًا.
أهمية تلك الشركة فى إمبراطورية حسين سالم أنها تملك فندق فيل موفنبيك الجولف وهو الفندق الذى كان الرئيس المخلوع محمد حسنى مبارك يقيم فيه عند زيارته لمدينة شرم الشيخ وحققت ارباحا لسالم وصلت 162 مليونًا و836 ألف جنيه.
وكشف الباحث الأمريكى جوزيف ترينتو في مجلة بيزنيس ويك أنه بعد توقيع معاهدة كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1978 أوفت الولايات المتحدة ورئيسها جيمى كارتر بوعدها فى تقديم مساعدات عسكرية واقتصادية لمصر، وكان نقل المعونة يتم بمعرفة حسنى مبارك نائب الرئيس، وكان النقل يتم من خلال شبكة ضمت كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية وقتها ومحمد عبدالحليم أبوغزالة الملحق العسكرى فى السفارة المصرية بواشنطن، ومنير ثابت شقيق سوزان ثابت، ومعهم كان رجل الأعمال حسين سالم الذى كان يمتلك شركة "يترسام" إحدى شركات الخدمات، ونقل الأسلحة والمعدات، بالتعاون مع شركات أمريكية أو أوربية يديرها أيضا رجال استخبارات سابقون.
حاول حسين سالم فعل ذلك من خلال شركة "يترسام" وعندما طلب من البنتاجون الترخيص لشركته بنقل السلاح أخبره المسؤول "ثون ماربود" أنه لابد له أن يكون له شريك أمريكى حتى يتم ترخيص الشركة.
وكان مبارك وأبوغزالة ومنير ثابت على علاقة وثيقة بالمسؤول "ثون ماربود"، ودعموا إيجاد شريك أمريكى لـحسين سالم وتكونت شركة إيتسكو "الشركة المصرية الأمريكية للنقل والخدمات" وأصبح سالم يمتلك %51 من الأسهم وتوم كلاينز ضابط مخابرات أمريكى سابق %49، ووقتها سمح وليام كيسى المدير السابق لوكالة المخابرات الأمريكية لشركة "ايتسكو" بنقل الأسلحة الأمريكية إلى المجاهدين الأفغان، واتفق أن تشحن مصر أسلحتها السوفيتية القديمة إلى أفغانستان مقابل أسلحة وتكنولوجيا أمريكية حديثة.
وتم ذلك عبر السعودية وبترتيبات مع كمال أدهم رئيس المخابرات السعودية وقتها، وكان الرئيس أنور السادات على علم بالاتفاق ضمن دعمه للجهاد ضد الغزو السوفيتى.
كان حسين سالم حسب القانون الأمريكى يستأجر شركة شحن بحرى أمريكية لنقل الأسلحة هى شركة «هوبل مان للشحن البحرى».
لكن مراجعة فواتير نقل السلاح من شركة «ايتسكو» كشفت عن مغالطات ومغالاة فى حساب تكاليف الشحن والنقل، وعندما علم السادات طلب من نائبه حسنى مبارك التحقيق فى هذه المخالفات.
كما اعترضت وكالة الأمن القومى الأمريكى برقيات من حسين سالم كشفت عن أن منير ثابت "صهر مبارك" كان هو حلقة الوصل بين مبارك وعمليات نقل السلاح الأمريكى لمصر،وفى 27 أكتوبر 1981 فتحت المباحث الفيدرالية الأمريكية تحقيقا فى مخالفات شركة "ايتسكو"، ونشرت الواشنطن بوست وقتها عن مخالفات ارتكبها منير ثابت فى نقل الأسلحة الممولة من المعونة.
ووصلت القضية أمام محاكم فلوريدا بالولايات المتحدة، وكتب الصحفى الأمريكى الشهير وقتها جاك أندرسون عن الاتهامات الموجهة للشركة واتهموا حسين سالم بالحصول على 73 مليون دولار زيادة فى تكاليف الشحن والنقل.