شهدت الأوانة الأخيرة تلاعب حاد فى أسعار البترول يوازيه خفض فى إنتاج الخام من قبل دول الأوبك، مما جعلها تصدر قرارًا بخفض الإنتاج رسميًا وتثبيت سعر العرض والطلب عند 50 دولار للبرنت، فى حين أن الحكومة المصرية قامت بتثبيت سعر البرنت إلى 40 دولار حين اعتماد الموازنة المالية الجديدة، مما عمل على وجود عجز بالموازنة.
الخبير البترولى د.إبراهيم زهران قال إن رفع سعر النفط الخام إلى 50 دولار وخفض الأوبك للانتاج من 700 إلى 800 ألف برميل يوميًا سيؤثر بالسلب على مصر وسيتضح بوضوح بالموازنة العامة، حيث سيكون هناك عجز بالموازنة يبلغ خمس الموازنة، بما يقدر 1.5مليار جنيه حيث أن الحكومة المصرية قد اعتمدت وقدرت سعر البرميل 40 دولار.
الحكومة وضعت موازنة العام الحالى 20162017 فى النصف الأول من العام الحالى، حيث كانت أسعار النفط، بلغت 29 دولارًا للبرميل فى شهر فبراير، وقد اعتمدت وزارة المالية أثناء إعداد الموازنة على تقديرات البنك الدولى، فى تقريره "آفاق أسعار السلع"، والذى حدد السعر المتوقع للنفط فى العام المالى 2017 بنحو 40 دولار للبرميل.
وأوضح زهران أن منظمة "أوبك"، أعلنت أن حجم خفض إنتاج كل عضو سيتحدد خلال الاجتماع الرسمى التالى فى نوفمبر، وقد توجه الدعوة إلى منتجين آخرين مثل روسيا للانضمام إلى الإتفاق، ورغم ذلك فإن الأسعار أعلى من السعر الذى حددته الحكومة فى الموازنة فإذا خفضت دول "أوبك"، الإنتاج، سيؤدى ذلك لارتفاع أكبر فى أسعار النفط، وبالتالى من المتوقع أن يكسر سعر البرميل الـ50 دولارًا، كما أن العجز سيرتفع بين 10 و15 مليار دولار، وهو ما يعنى أن "البترول سيلتهم معظم الحصيلة المتوقعة من "قانون فض المنازعات الضريبية"، التى تتوقع "المالية"، أن يدر نحو 15 مليار جنيه"، أما فى حال ارتفاع سعر البترول أعلى من 55 دولار للبرميل، فإن العجز فى الموازنة ربما يتجاوز الـ20 مليار جنيها.
وأشار الخبير البترولى، إلى أن استمرار هذا المتوسط فى الأسعار حتى نهاية العام، سيعنى أن قيمة العجز فى الموازنة ستتجاوز 7 مليارات جنيه، ستضاف إلى العجز المتوقع فى العام الحالى، والمقدر بـ319 مليار جنيه".
وأضاف زهران أن الحل لعبور تلك الأزمة هو الإنتاج فعلى مصر أن تصبح دولة منتجة بدلًا من الاستيراد.
على جانب آخر قال الخبير الاقتصادى د.رشاد عبده أن ما يحدث فى أسعار البترول من تلاعب فى انخفاض، وارتفاع ثم هبوط مروع هو لعبة أمريكية حيث أن الأوبك ليس لها شأن فى تحديد سعر النفط بل هى منظمة للدول المنتجة والمتحكم الوحيد فى الأسعار هو العرض والطلب، فالسوق هو الذى يحدد السعر وحقيقة الأمر فى أوبك خلال الجلسة الماضية هو تخفيض الإنتاج ولكن اشترطت السعودية على جميع الدول المنتجة أن تخفض إنتاجها فأصبحت الأسعار منخفضة ثم ارتفعت حيث أن أمريكا قامت باستغلال تدهور الاقتصاد البترولى لصالحها وقامت بالاستفادة من ذلك لصالحها حيث استخدمت البدائل والمخزون التى لديها، كما استغلت الغاز والنفط الصخرى وضخ كل منتجاتها البترولية بالسوق العالمية مضاربة بذلك قرارات الأوبك بخفض الإنتاج مما جعل الدول تتراجع عن خفض الانتاج وخفض الأسعار.
فى حين آخر قال الخبير البترولى مدحت يوسف فى الآونة الأخيرة الأسواق العالمية، شهدت تراجعًا كبيرًا فى أسعار البترول وصولًا لمستوى الـ30 دولارًا للبرميل، ثم عاود الارتفاع بشكل متذبذب ما بين ٤٠-٥٠ دولارًا للبرميل، وكان من أهم أسباب تراجع الأسعار عالميًا هو توافر البدائل من الزيت والغاز الصخرى والوقود ذى الأصل النباتى واللجوء للطاقة البديلة، إضافة إلى الضغوط السياسية التى تمارسها الدول الصناعية الكبرى على الدول المنتجة والمصدرة للبترول للإبقاء على مستوى إنتاج يومى مرتفع من البترول الخام للحفاظ على المعروض من الزيت الخام للحفاظ على مستوى سعرى محدد داخل مستوى سعرى متفق عليه.
وأشار مدحت يوسف، إلى تأثر معامل التكرير بشكل دراماتيكى بسبب الأسعار فانهارت اقتصاديات معامل التكرير البسيطة بشكل كبير، وهى النوعية التى تقوم بتقطير الزيت الخام للحصول على منتجات بترولية أساسية تنحصر فى البوتاجاز والبنزين ووقود النفاثات والسولار والمازوت، وكذلك انهارت ربحية معامل التكرير من نوعية المعامل التحويلية، وهى القادرة على تحويل جزء من المازوت الأرخص سعرًا بين جميع المنتجات البترولية إلى منتجات بترولية عالية القيمة، كالبنزين ووقود النفاثات والسولار، وانهارت معها ربحية معامل التكرير من نوعية التحويل العميق أى القادرة على تحويل المازوت بالكامل.
وأوضح أنه "تبقى معامل التكرير العملاقة ذات القدرات الإنتاجية العالية ٣٠٠-٣٥٠ ألف برميل يوميًا من نوعية التحويل العميق للمازوت مع قدرتها على إنتاج مواد بتروكيماوية عالية القيمة، كالمنظفات الصناعية والمذيبات العطرية بمختلف أنواعها والإضافات الكيماوية وغيرها، لتحافظ على ربحيتها دون خسائر ولكن محققة نسبة متدنية من العائد على رأس المال المستثمرين فى حدود ٢-٤٪ فقط ليضعف التفكير فى فرص الاستثمار فى معامل التكرير المعقدة خلال المراحل المقبلة".
وأشار إلى تبرير ذلك يرجع فى المقام الأول بالارتباط الوثيق بين ربحية معامل التكرير والفرق بين سعر المازوت عالميًا ومتوسط سعر باقى المنتجات البترولية العالية القيمة والجودة، فعندما بلغ سعر البرميل من الزيت الخام مستوى ١٠٠ دولار للبرميل لخام القياس العالمى برنت المؤرخ كان سعر المازوت يقع فى حدود ٤٥٠-٥٠٠ دولار للطن، بينما يقع متوسط أسعار المنتجات البترولية (البوتاجاز والبنزين ٩٥ ووقود النفاثات والسولار) فى حدود ٩٥٠-١٠٠٠دولار للطن، وبالتالى بلغ الفارق بينهما ما يوازى ٥٠٠ دولار للطن، وتلك القيمة تمثل العائد من تحويل الطن الواحد من المازوت إلى طن واحد من المنتجات البترولية السابق الإشارة إليها.
ولفت "يوسف" إلى أنه فى الوقت الحالى وعند مستوى ٥٠ دولارًا للبرميل من الزيت الخام، فانحصر الفارق بشكل كبير حيث يبلغ سعر المازوت المرتبط بالمستوى السعرى للبترول ٢٢٠ دولارًا للطن، بينما يبلغ متوسط سعر المنتجات البترولية ٤٥٠ دولارًا للطن، وبالتالى بلغ الفارق ما يوازى ٢٣٠ دولارًا للطن فقط، وهذا الانحصار فى الفارق يمثل إنحصار الربحية بشكل مضاعف ويزداد تأثر اقتصاديات معامل التكرير إذا ما كانت مازالت محملة بأعباء تمويلية سواء قصيرة الأجل أو طويلة الأجل.
وأضاف، "معامل التكرير عملاقة السعة التكريرية والحديثة ٣٠٠-٣٥٠ ألف برميل يوميًا ذات الدرجات التعقيدية العالية تتراوح تكلفتها الاستثمارية ما بين ١٠-١٢ مليار دولار (قامت المملكة السعودية مؤخرًا بالاستثمار فى بناء أربعة معامل تكرير عملاقة السعة وبدأ احدهم فى التشغيل منذ حوالى عدة أشهر فى منطقة ينبع) فى حين تبلغ التكلفة الاستثمارية لمعامل التكرير صغيرة السعة ١٠٠ ألف برميل يوميا من نفس التصنيف ٥ - ٥،٥ مليار دولار، وبالتالى عند قياس الربحية مقارنا برأس المال المستثمر فإن الاستثمار فى تلك المعامل عملاقة السعة هو الأجدى اقتصاديًا على مستوى كافة مؤشرات الربحية".
وأكد أنه نتيجة الاضطرابات السعرية السارية حاليًا لأسعار بعض المواد البتروكيماوية المرتبطة بإنتاجية معامل التكرير، مثل المنظفات الصناعية (الإلكيل بنزين الخطى) وخلافه من تلك النوعيات وتتذبذب أسعارها صعودًا وهبوطًا مع أسعار البترول الخام، فإن قانون العرض والطلب العالمى أصبح هو المحدد للتوسع فى الإنتاجية أو توقف الوحدات عن الانتاج ربطًا بالأسعار العالمية وحجم الطلب العالمى لتلك المواد، وبالتالى تتأثر اقتصاديات معامل التكرير الحاوية لتلك الوحدات التصنيعية بتذبذب الاسعار العالمية ومواسم الطلب.
وأشار إلى أن إدارة معامل التكرير تتطلب فى المقام الأول الإلمام بخبرات تسويقية عالية المرونة والقدرة على التنبؤ بالأحداث القادمة على ضوء الاضطرابات السياسية والاقتصادية عالميًا مع قدرات فنية مرنة فى اتخاذ القرار الفنى الاقتصادى الذى يتماشى مع المتغيرات السعرية والاقتصادية العالمية.