تترقب الأوساط الاقتصادية والبنوك والأسواق في جنوب السودان السياسات الجديدة التي تشرع في تنفيذها وزارة المالية ومحافظ البنك المركزي الجديد أوتوم آجاك، الذي حل بديلا لكورنيليو كوريوم ماييك المحافظ السابق، وذلك لمواجهة الارتفاع الجنوني لمعدل التضخم الذي تجاوز 835 % والهبوط الشديد للعملة المحلية؛ ما أدى لارتفاع أسعار السلع بنسب تجاوزت ما بين 600 % إلى أكثر من 1000%.
وتعتزم وزارة المالية بجنوب السودان، خلال السنة المالية الحالية - بحسب تصريحات سابقة لوزير المالية ستيفن ديو داو - زيادة احتياطات النقد الأجنبي عن طريق مضاعفة إنتاج النفط ليقفز إلى 260 ألف برميل يوميا، والسعي إلى تقليل المعروض من النقد المتداول والتوقف عن الاقتراض من البنك المركزي لاسيما وأن عملية الاقتراض من الأسباب التي أدت إلى التضخم، بينما يسعى البنك المركزي إلى إنقاذ العملة المحلية (الجنيه الجنوبي) من الانهيار.
وهبطت قيمة الجنيه السوداني الجنوبي أمام العملات بعمدلات فاقت الكثير من التوقعات جيث يتراوح سعر الجنيه الجنوبي أمام الدولار ما بين 120 إلى 130 جنيها جنوبيا، بينما تراوح سعره أمام الجنيه المصري ما بين 6 إلى 5ر7 جنيه جنوبي.
وذكر المكتب الوطني للإحصاءات - في بيان قبل شهرين - أن أسعار الغذاء والمشروبات غير الكحولية زادت 2ر1002 %، وكان معدل التضخم بلغ 95.7% في 12 شهرا حتى شهر أكتوبر 2015.
وتبنى البنك المركزي في جنوب السودان - نهاية العام 2015 - سياسة اقتصادية جديدة أدت إلى تعويم سعر صرف الجنيه الجنوبي في مواجهة الدولار عن طريق توحيد سعر الصرف الرسمي للعملة الصعبة (الدولار) في البنك والسوق الموازية، وقفز سعر صرف الجنيه الجنوبي الواحد أمام الدولار من 9ر2 جنيه في البنك المركزي، إلى أن وصل الآن إلى أكثر من 120 جنيها جنوبيا.
وأدى اندلاع الحرب المسلحة بين المتمردين والقوات الحكومية في جنوب السودان - أواخر العام 2013 - إلى تعثر الاقتصاد، لاسيما مع انخفاض إنتاج النفط إلى أقل من 160 ألف برميل يوميا.
واعتمدت السياسيات السابقة لوزارة المالية والبنك المركزي إلى الاقتراض من شركات النفط لسداد مستحقات الرواتب
ومتأخرات مالية، إثر انهيار الاستثمارات الأجنبية بسبب الصراعات المسلحة، حيث اقترض جنوب السودان بكثافة خلال عامي 2012 و2013، على خلفية وقف إنتاج النفط 14 شهرا بسبب نزاع مع السودان حول رسوم استخدام أنابيب النفط.
وكانت تصريحات سابقة للوزير المالية الذي اقيل مؤخرا كورنيليو كوريوم قد كشفت حجم الصعوبات التي يواجهها القطاع المصرفي أيضا، التي يهمين عليها بنوك أفريقية، حينما قال كوريوم إن البنوك تواجه صعوبات بعدما مددت الحكومة أجل أذون خزانة اقترضتها أثناء فترة إغلاق الحقول النفطية، مضيفا إن البنوك لم تضع في الحسبان انخفاض إنتاج النفط في دراسات الجدوى حينما دخلت السوق، وإنها تضررت أيضا من شح الدولارات حيث يتمثل جزء كبير من أنشطتها في تعاملات الصرف الأجنبي أكثر من الإقراض.
ووسط ذلك تأثرت حركة البيع والشراء للسلع والمنتجات داخل الأسواق كثيرا بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، حيث وصلت أسعار الغذاء إلى معدلات فاقمت جميع التوقعات، فسعر الطماطم قفز إلى أكثر من 200 جنيه، بينما السكر بلغ سعره بالأسواق 150 جنيها، ورغيف الخبز الواحد تراوح سعره ما بين 7 إلى 10 جنيهات، والسكر ما بين 140 إلى 150 جنيها للكيلو الواحد والأرز 150 جنيها للكيلو، والجزر وصل سعره إلى 400 جنيه، والفلفل 250 جنيها.
وصرح جيمس ماقوك نائب رئيس لجنة الاقتصاد والمال ببرلمان جنوب السودان، بأن حكومة بلاده تسعى إلى إقامة مشروعات استثمارية تقلل من معدلات الاستيراد من الخارج من خلال سياسة اقتصادية جديدة تقوم على زيادة الإنتاج المحلي خاصة من الأغذية لتحقيق إنتاج محلي يكفي الأسواق ويقلل الاعتماد على المنتجات والسلع الواردة من الخارج.
وأضاف ماقوك إن الحكومة تعمل على تشغيل موارد أخرى تقوي الاقتصاد الذي يعتمد كليا على صادرات النفط، حيث إن نسبة 98 % من ميزانية الدولة من إيرادات البترول، غير أن الحرب قللت معدلات الإنتاج إلى أكثر من 60 % حيث كانت معدلات إنتاج النفط قبل الحرب 2013، وصلت إلى 350 ألف برميل يوميا.
وأوضح أن أزمة الوقود التي تشهدها البلاد تأتي بسبب اعتماد البلاد فقط على البترول دون إنتاج محلي، وهو ما نناقشه مع الحكومة أن نتجه إلى الاعتماد على السوق المحلية وتهيئة بيئة للمستثمرين الأجانب لبناء صناعة قوية واستثمارات تمنع انهيار الاقتصاد حال تقليل معدلات إنتاج النفط.
وقال فرانسيس دينج أحد التجار الجنوبيين في سوق كونو كونو، وهو من أشهر الأسواق في جنوب السودان،إن الأسعار شهدت قفزة جنونية نحو الارتفاع ما أثر على معدلات استيراد السلع، خاصة مع اتساع معدلات الفقر داخل الكثير من الأسر، نتيجة التضخم الكبير حيث وصل عام 2016 إلى ما يفوق 470 % بينما كان 8ر52 % في عام 2015.
الاستقرار السياسي وخطة اقتصادية حكومية طموحة ووجود الكهرباء والطرق الجيدة"، عوامل رأى "دينج"، الذي تجاوز عمره الأربعين عاما، أنها تأتي في إطار جامع شامل ينبغي على الحكومة أن تضعه في الاعتبار من أجل إعادة ضبط الأسواق وحركة تداول السلع، حيث إنها جميعا نقاط تدخل في خضم الأزمة الاقتصادية أو بالأحرى أنها إرهاصات الأزمة الاقتصادية الحالية بالبلاد.
وتمتلك جنوب السودان بنية تحتية متواضعة (نحو 200 كيلومتر من الطرق المعبدة) إضافة إلى أن إنتاج الكهرباء يتم في الغالب عن طريق مولدات الديزل المكلفة، وهي كلها عوامل تؤثر أيضا على مستوى المستوردين والاستثمارات الجالبة للعملة الصعبة والتي يمكنها التعايش مع هذه البنية التحتية.
وتعتمد الأسواق على المنتجات والسلع المستوردة وتكون من خلال مسارين إما كينيا وهي تأتي عن طريق ميناء مومباسا وهي السلع المتسودرة من الخارج وتمر فقط عبر كينيا وهي لبن الأطفال والعطور والملابس والمستلزمات الشخصية ومستحضرات التجميل ومعظمها قادم من دبي وبلغاريا والهند، أما أوغندا فهي تضخ الفواكهة والمنتجات الغذائية الأخرى وهي سلع محلية تنتجها كمبالا.
ورجح تابان، هو أحد التجار الجنوبيين في مواد الغذاء، أن تتجه الأسعار إلى الهبوط خلال الفترة المقبلة، وقال" إن الاهتزاز القوي الذي لحق بسوق العملة المحلية أضر بالقوة الشرائية للمواطنين، وقلل كثيرا من حركات التداولات داخل الأسواق، معربا عن تفاؤله إزاء السياسات الجديدة التي تنتظرها الأسواق لتخفيض العملة المحلية وخفض معدلات التضخم إلى أدنى المستويات.
واتفق العديد من التجار بالأسواق على ضرورة أن تتجه مؤشرات السياسة صوب التهدئة، إذعانا للأوضاع الاقتصادية الصعبة التي تمر بها الأسواق، معتبرين أن السلام بين الفصائل يجلب الخير ويعزز الاقتصاد الوطني.