تعيش مئات الأسر بحي عرب "المدابغ" التابع لمدينة أسيوط مأساة حقيقية وحياة غير آدمية داخل ما يسمى بمساكن الإيواء، بعد أن لجأوا إليها فارين من السيول التي ضربت أسيوط عام 1994 وأغرقت عدد من القرى ومن بينها قريتهم درنكة وتسببت في هدم منازلهم وموت عشرات الأسر تحت أنقاض المنازل ورمال الجبال.
وفي عرب "المدابغ" يعيش عدد كبير من هذه الأسر في غرفة واحدة مساحتها 6 أمتار ودورة مياة مشتركة مع الأسر في الغرف المجاورة مما يتسبب في تكرار المشادات والصراع بين هذه الأسر، أثناء انتظار دورهم لدخول دورة المياة، وهو ما دفع بعضهم إلى عمل دورة مياة داخل نفس الغرفة التي يعيش فيها، بينما تعيش باقي الأسرة في شقة مساحتها ما بين "25: 30" مترا.
وتهدد الأمراض والأوبئة سكان الحي بسبب تراكم أكوام القمامة وتهالك شبكة الصرف الصحي، التي تغرق الشوارع من جانب وترعة "الزنار" التي تصب فيها مياة الصرف الصحي من جانب آخر، فضلا عن تآكل جدران الحوائط بسبب استمرار طفح المياه.
قال محمد "أعذروني أنا خجول من ذكر أسمي كله علشان محدش يعرف حالة الفقر، والحياة الغير آدمية اللي عايشها أنا وزوجتي وأولادي، إحنا ساكنين في العمارة الأولى بمساكن الإيواء والتي تقع في مدخل الحي، نصيب كل أسرة غرفة واحدة مساحتها نحو 6 أمتار ودورة مياة مشتركة مع الأسرة التي في الغرفة المجاورة، وده بيسبب مشاكل كتيرة واشتباكات بين الأسر وبعضها".
وتابع محمد: "أنا اشتريت الغرفة بتاعت الأسرة اللي جنبي وضميتها للغرفة بتاعتي وعملت حمام داخل نفس الغرفة اللي انا عايش فيها علشان المشاكل تنتهي، لأن مينفعش تكون زوجتي داخل دورة المياة وفيه راجل منتظرها تطلع علشان يدخل مكانها، الوضع ده ميرضيش حد سواء كان صعيدي او حتى مش مصري ولا يقبله أي شرع أو دين، خاصة أني عايش مع زوجة لها حقوق شرعية، كمان أنا ولادي كبروا وعايشين معايا في نفس الغرفة".
وعلى بعد أمتار من العمارة وبجوار عمارات الإيواء القرى، حيث تطاردك الروائح الكريهة من كل اتجاه، والمياه العفنة التي تملا الشوارع ومداخل العمارات قالت عفاف محمد: "الصرف الصحي ضارب كل دقيقة في مدخل العمارة والمجاري بتعلى وكانت هاتوصل لغاية كابلات الكهرباء، فين وزارة الصحة علشان تشوف احنا عايشين ازاي، دي العيشة اللي احنا عايشينها أشد خطورة من أنفلونزا الطيور والخنازير اللي الناس بتترعب منها، الشوارع ومداخل العمارات مليانه مياة الصرف الصحي والجدران والحوائط رشحت من سنين وممكن العمارات تقع علينا، غير أكوام القمامة التي ملأت الشوارع، ومحدش سائل من المسؤولين".
وتابعت: "‘إحنا بندفع 3 جنيهات مواصلات علشان نروح نجيب عيش".
وأضاف حمادة حسن: "المحافظ جابنا هنا سنة 1994 لما السيول ضربت أسيوط، وتسببت في خسائر فادحة، في عدد من المناطق كانت أكبرها خسائر قرية "درنكة" بسبب قربها من الجبل، حيث هدمت السيول بيوتنا في قرية درنكة وتسببت في مقتل عشرات الأسر تحت أنقاض المنازل والرمال التي جلبتها السيول من الجبل، واشتعال النيران في مناطق بترولية مجاورة للقرية وكنا فاكرين إننا قاعدين بشكل موقت، إحنا 290 أسرة، لكن المسؤولين اعتبروا أنفسهم حلوا المشكلة بالمساكن دي التي لا يمكن وصفها بالآدمية، أنا اتحدى أي مسؤول يقدر يعيش هنا يوم واحد هم مش حاسين بالناس، وكل محافظ كان بييجي يكسر في الأرصفة ويدهن الحوائط في المناطق الرئيسية اللي الناس بتعدي عليها علشان تقول ان أسيوط جميلة".
وطالب حمادة رئيس الجمهورية، والإعلام بمتابعة شكواهم قائلًا: "أنا عايش مع مراتي وأولادي في 30 متر، المحافظة بتسمي الـ 30 متر شقة، تخيلوا واحد متزوج بعيش ازاي حياته الشرعية مع زوجته وأولاده في نفس المكان".
وقال علي محمد "أنا ساكن في الدور الأرضي، والبلكونة في الشارع ومراتي كل ما بتنشر الغسيل بيتسرق منه حاجات لكن مفيش بديل لأن المساحة جوه مش مكفية احنا قاعدين فوق بعضنا، عايزين مساكن بديلة تكون قريبة من مدينة أسيوط، علشان ظروفنا المادية متسمحش نركب مواصلات من مناطق بعيدة".
وقال محمد أحمد، إن السيول عندما ضربت أسيوط عام 1994 تسببت في هدم المنازل بقرية "درنكة"، وتسببت في مقتل عدد كبير من الأسر تحت أنقاض المنازل والرمال التي جلبتها السيول من البحر وفر الأهالي من الدمار الذي حل بالقرية، وقامت المحافظة بتسكينهم في عمارات عرب "المدابغ"، مشيرًا إلى أن العمارة الأولى كل أسرة تعيش في غرفة واحدة، وهذه العمارة أنشأت أساسا لمصلحة الجوازات، والعمارات الأخرى الكائنة وسط الحي ومساحتها 30 متر كانت مخصصة لضباط الجيش القادمين من محافظات أخرى لكنهم رفضوا السكن بها بسبب صغر مساحتها".