يعتمد جزء كبير من معالجة وتصليح الأزمات المصرية على طلب التبرعات من الشعب المصرى، ففى كل أزمة تدخلها مصر نجد حساب يفتح عبر البنوك المصرية للمساعدة فى مواجهة هذه الأزمة، وتقديم التبرعات ليس شيئًا جديدًا على الشعب المصري منذ وقت طويل جدًا وعبر مرور التاريخ بدأ المصريين في جمع مبالغ مالية على حسب قدرة كل فرد، ولكن تنقسم التبرعات هنا إلى شقين الأول لم يتم الإعلان عن مصيرها ونتائجها والأخرى نراها مشاريع عملاقة وتخليص الكثير من المصريين من الأمراض المزمنة.
ومن أبزر التبرعات التي تم جمعها من الشعب المصري
إنشاء جامعة أهلية
أراد المناضل الراحل مصطفى كامل إقامة جامعة أهلية فى مصر، وبدأ الأمر من خلال دعوة الشعب المصرى للتبرع، ونجح فى ذلك وقام بنشر هذا الطلب فى جريدة "المؤيد" طريقة فعالة فى حث المصريين على التبرع، وكان لابنة الخديوى توفيق، الاميرة فاطمة فضل كبير فى انجاح الامر حيث تبرعت بـ6 افندية للمساهمة فى بناء الجامعة.
و قام مصطفى كامل بتعيين لجنة لتلقى التبرعات من الجمهور، وتأسست الجامعة بالفعل عام 1908 وهي ما يطلق عليها "جامعة القاهرة" حاليًا.
مشروع القرش
فى عام 1931 دعا أحمد حسين، الكاتب والمناضل السياسى، هو وزميله الصحفى فتحى رضوان، الى دعم الاقتصاد المصرى والتبرع "بقرش صاغ" لكل فرد وذلك لأنهم يروا أنه من العيب ان يرتدى المصريين ملابس ليست صناعة مصرية، وما يتبع ذلك من تبعية اقتصادية لمصر.
وجاءت فكرة هذا المشروع فى ثلاثينيات القرن الماضى عندما اجتاحت مصر حالة من الكساد الاقتصادى وتدهورت الحالة الصحية وانخفض سعر القطن، وأغلقت مصانع الطرابيش التى أنشاها محمد على، ونتيجة لهذه الحالة اضطر المصريين للاستيراد من الخارج.
ونجحت الجمعية فى جمع التبرعات وحظت بدعم حكومى وتقديم تسهيلات بجانب دعم فئات من الشعب المصري، ووصل حصيلة تبرعات العام الأول إلى 17 ألف جنيه، ثم 13 ألف جنيه في العام الثاني، وكان مبلغا ضخما آنذاك، ونجح في النهاية في تأسيس مصنع للطرابيش في العباسية، وأنتجت الطرابيش المصرية بطابع مختلف، وباللون الأخضر، لون علم مصر آنذاك.
أسبوع التسليح
هى حملة متمثلة فى سيارة تحمل صندوق تبرع كبير تتجول فى الشوارع ومعها عدد كبير من الفنانين المتطوعين لحث المصريين للتبرع لإعادة تسليح الجيش المصرى، وأقيمت هذه الحملة عام 1955 لمدة اسبوع وكانت تحية كاريوكا على رأس الفنانين الذين تبنوا الحملة.
حملة دعم المجهود الحربي
بعد نكسة 1967 أطلقت حملة للتبرع من أجل إعادة تسليح الجيش المصري، وواجهت بكثير من الترحيب، وشارك بها عدد كبير من كبار رجال الدولة، والمثقفين والفنانين، وعلى رأسهم سيدة الغناء العربي، أم كلثوم، التي تبرعت بمجوهراتها وأجر حفلاتها لإعادة بناء الجيش، بجانب تبرعها بـ 212 ألف جنيه إسترليني من حفل غناء بباريس، و100 ألف دينار من حفل لها بالكويت وقيل حينها إن حصيلة حملتها وصلت إلى الملايين.
مبادرة الصحوة الكبرى
اطلقها الرئيس الأسبق، حسنى مبارك، لدعوة المصريين للتبرع من اجل سداد ديون مصر الخارجية، وتم فتح عدد من الحسابات البنكية لتلاقى التبرعات، وتفاعل الشعب معها وشارك فيها ملايين المصريين، وكان للتلاميذ دور فى هذا التبرع وايضًا تحصيل مبالغ اضافية على تذاكر القطارات، ولكن بعد كل هذا لم يتم الاعلان عن ما تم تحصيله خلال الحملة او ما هو مصير هذه التبرعات.
صندوق العزة والكرامة
هى حملة تبرع اطلقها الشيخ محمد حسان لرفض المعونة الأمريكية التى تأخذها مصر من الولايات المتحدة سنويًا، وكان للازهر دور فى تبنى هذه الحملة ودعوة المواطنين للتبرع، ولاقت الحملة اقبال كبير حيث تم جمع مبلغ 60 مليون جنيه خلال يوم واحد.
معا لتطوير العشوائيات
هى حملة دشنها الفنان القدير "محمد صبحى" بعد شهرين من ثورة يناير مباشرةً وهدفها القضاء على العشوائيات المنتشرة فى مصر شكل خطير، ولاقت هذه الحملة تعاون من جهة الحكومة، حيث تعاونت الوزارات فى تقديم كافة المساعدات للوحدات السكانية التى تم بنائها ليسكن بها سكان العشوائيات.
صندوق دعم مصر
هو صندوق أعلن عنه عدد من رجال الأعمال المصريين عقب ثورة يناير، والهدف من هذا الصندوق هو إعادة بناء الاقتصاد، ووقف طوابير الوقود والخبز، وحل مشكلات المصانع المتوقفة عن العمل بالتعاون مع اتحاد الصناعات وعودة الأمن وبالتالى تحسن أوضاع السياحة.
صبح على مصر بجنيه
عبارة قالها الرئيس عبد الفتاح السيسي فى خطابه الذي ألقاه للوقوف ومساندة ودعم الاقتصاد المصري لحساب صندوق دعم مصر، ومن هنا جاءت فكرة التبرع لمصر كل يوم بجنيه عن طريق ارسال رسالة من خلال الهاتف للرقم الذى تم تخصيصه للمبادرة، وتبرع عدد كبير من المصريين المؤيدين لهذه الفكرة واكثر ما يثبت ذلك هو وصول 400 ألف جنيه خلال ساعات من عرض الرئيس السيسي للفكرة.
صندوق تحيا مصر
هو صندوق أعلن عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي لدعم اقتصاد مصر والتغلب ووضع حلول جذرية للقضايا والظواهر الاجتماعية التي تهدد حياة فئات كبيرة من المصريين مثل علاج فيروس سي والأطفال بلا مأوى وتسديد ديون الغارمين والمشروعات الصغيرة للشباب، وتفاعل عدد كبير من رجال الاعمال لدعم هذا الصندوق ووصلت تبرعات رجال الاعمال فقط الى 5مليارات جنيه.
تبرعات للأقباط المهاجرين للإسماعيلية
فتحت مطرانية الإسماعيلية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية حسابًا لتلقى التبرعات لصالح أسر النازحين من شمال سيناء "أقباط العريش"، وذلك بعد وصل عددهم الى 80 اسرة كحل موقت للوقوف بجانب الاقباط وتوفير حياة لهم.
وفي هذا الإطار أكد الدكتور ناجي الشهابي، رئيس حزب الجيل، أن التبرعات التى يتم تدشينها للخروج من الأزمات الوقتية او لصالح صندوق يرعاه الرئيس هو إعلان واضح عن العجز الكبير فى الموازنة العامة للدولة وتعبير عن السياسة التى انتهجتها الدولة واعتمدتها لموجهة مشاكلها وهى السياسة التى تعتمد على الاقتراض الداخلى والخارجى لدرجة وصلت ان حجم الاقتراض الذى قامت الدولة باقتراضه من البنوك العامة المحلية عن طريق ما يسمى ببيع أذون الخزانة فى السنتين الأخيرتين تساوى مجموع ما اقترضته في المائة سنة الأخيرة.
وأضاف، "تعتبر تلك السياسات سواء كانت تبرعات أو اقتراض ليست الحل الامثل للخروج من الأزمات التي تواجهها البلاد وستظل طاولة قصيرة وعاجزة وتحمل الأجيال الجديدة عبء سدادها، بالنسبة للاقتراض، مشيرا الى أن قيمة التهرب الضريبي في مصر سنويا يصل إلى 500 مليار جنيه، وإذا قامت الدولة بما عليها لتحصيل هذا الأموال سيكون حل جيد بديلا للتبرعات، سيكون حل لسداد العجز في الموازنة العامة للدولة، وبهذا نستغنى عن سياسة الاقتراض والتبرعات الوقتية الملازمة كحل للمشاكل".
وأكمل أن تبرعات هذه الأيام تختلف عن تبرعات ما قبل ثورة 23 يوليو، وضرب مثال على ذلك بأن التبرع لبناء جامعة القاهرة كان عن طريق التبرع بالأرض ووقف خيرى تطوعا وإيمانا من الأميرة صاحبة التبرع لتعيلم والنهوض بالمصريين، اما عن مشروع القرش الذى قام عليه بناء مصنع الطرابيش فكان مشروع وطني لبناء مصنع غطاء الرأس بدلا من استيراد الطرابيش من الخارج وليكون بداية نهضة صناعية مواكبة للنهضة التى بدأها طلعت حرب وبنك مصر في عشرينات القرن الماضي وكانت هذه التبرعات صاحبة سمعة طيبة غير هذه الأيام.
وقال العقيد محمد نبيل، الخبير الأمني، أن الشعب المصري بحاجة إلى تغير ثقافته، لان هناك كثير من افراد الشعب المصري ترغب في الحصول فقط وليس لديها ثقافة العطاء، حتى لو كان هذا العطاء سيعود بالنفع عليه فيما بعد، موضحًا ان الشعب المصري على درجة كبيرة من الطيبة ولكنه بحاجة إلى الاقتناع بفكرة العطاء، وان فكرة التبرع بجنيه يوميا الى مصر لن يشكل أزمة الى المصريين، فالمبلغ في غاية البساطة ولكن له نتيجة قيمة على الدولة ويشكل حماية لمصر من تحكم الدول الخارجية.
وأضاف، أن فكرة التبرعات الداخلية تحمى مصر بشكل كبير من تحكمات صندوق النقد الدولي، لان صندوق النقد يفرض على مصر رفع الأسعار، كمحاولة للضغط على الدولة لتظل تابعة، لأن الدولة اذا استمرت على حالة الاستقرار، لن تكون في حاجة الى صندوق النقد، ولكن طالما الدولة تعانى فهما مستفيدين من ذلك، مشيرًا الى انه في الوقت الحاضر اختلفت طرق الحرب مثل فتحولات من حرب أسلحة الى التلاعب في الدين ونشر واباحة كل الأفعال التي لا تتناسب مع الدين الإسلامي وثقافة مصر، وهكذا يكون هناك أزمات اقتصادية وفكرية وتظل مصر في الحاجة الى التبرعات الخارجية.
وتطرق إلى ذكر ما فعلته دولة الامارات بعد بناء برج الخليفة من زيادة حجم الضرائب وقوانين المخالفات التي من ضمنها " زيادة قيمة المخالفات المرورية"، لان اقتصادها أصابه ازمة حتى لا يكون أمامها الخضوع إلى الدول الخارجية والسماح لها بالتحكم في سياستها.