لم تمر إلا أيام قليلة، عقب تصريحات الرئيس الأسبق حسني مبارك، حول رغبته في السفر للمملكة العربية السعودية، لأداء فريضة الحج، حتى خرج المحامي فريد ديب، الموكل عن "مبارك" بتصريحات حاسمة في الأمر ذاته، تفيد بأن وضع مبارك القانوني لا يسمح له حاليًّا بالسفر، كون مبارك لا يزال في حكم الحبس، حيث إن الصيغة التنفيذية للحكم لم تصدر حتى الآن، مؤكدًا أنه من "السابق لأوانه الحديث عن مثل هذا الأمر".
وكان مبارك بعد حصوله على حكم البراءة، أجرى اتصالا بمسؤولين سعوديين أبلغهم فيها رغبته في أداء مناسك الحج مجدداً، وأكدت التقارير الصحفية، أن رغبة مبارك لاقت "ترحيباً واسعاً" من المسؤولين السعوديين الذين تعهدوا بتقديم أي تسهيلات خلال الفترة التي سيقيم فيها في السعودية ، علماً بأن مبارك أبلغ المسؤولين السعوديين أنه يرغب في تأدية العمرة والحج، وهو ما قد يجعله يغادر قريباً لأداء العمرة ويعود بعدها إلى القاهرة، ثم يسافر مجدداً بهدف الحج.
"مبارك" كان واحدًا من أكثر الرؤساء في العالم سفرًا وتحليقا في سماء الكرة الأرضية، حيث قام بمئات الرحلات الجوية إلى مختلف بلدان العالم خلال فترة توليه الحكم التي بدأت في أكتوبر 1981، حتى أطلقت عليه الصحافة العالمية لقب "الرئيس الطائر".
وكشفت إحصائية أعلنت عنها الهيئة المصرية العامة للاستعلامات عام 2010، أن مبارك أجرى 451 زيارة رسمية للعديد من البلدان منذ توليه الحكم وحتى عام 2006 فقط، منها 243 زيارة للدول العربية التي جاءت السعودية على رأسها.
وأوضح موقع سفارة المملكة العربية السعودية في القاهرة، أنه خلال فترة حكم مبارك، شهد البلدان العديد من الزيارات الرسمية المتبادلة نتيجة عمق العلاقات بين البلدين الشقيقين، حتى إن مبارك قام بأكثر من 30 زيارة للمملكة حتى عام 2007، وهو الرقم الذي ارتفع لاحقًا ليتجاوز 40 زيارة رسمية، وهي زيارات التقى خلالها بقادة المملكة لبحث واستعراض كافة القضايا العربية والدولية والمستجدات على الساحة العالمية.
وترصد "أهل مصر" أهم الزيارات التي قام بها مبارك للمملكة السعودية خلال توليه الحكم، ومنها..
_كامب ديفيد
عندما وصل مبارك إلى الحكم في عام 1981، كانت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والسعودية مقطوعة على خلفية الأزمة التي أحدثها الرئيس الراحل أنور السادات بعدما وقَّع على اتفاقية كامب ديفيد مع الكيان الصهيوني، وهي الاتفاقية التي رفضتها معظم البلدان العربية واعتبرتها مجحفة بحق القضية الفلسطينية، حيث اتخذت البلدان العربية قرارًا جماعيًّا في قمة بغداد 1979 بقطع العلاقات الدبلوماسية مع مصر، ولم تعد العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين إلا عام 1987 في عهد كلٍّ من مبارك والملك فهد بن عبدالعزيز، رحمه الله.
إلا أن زيارة مبارك الأولى إلى السعودية سبقت العودة الرسمية للعلاقات بعدة سنوات، حيث تزامنت هذه الزيارة مع وفاة الملك خالد بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- في يونيو عام 1982.
_آداء العمرة
وبعد سنوات طويلة شهدت عشرات الزيارات من مبارك إلى المملكة، في مختلف المناسبات والمحافل، ولأسباب متنوعة، كان عام 2009 مختلفًا إلى حد كبير.
فقد قام مبارك بثلاث زيارات دفعة واحدة للأراضي السعودية في 2009، وهي وتيرة عالية، حيث من النادر أن يقوم رئيس دولة بإجراء ثلاث زيارات رسمية إلى دولة واحدة خلال عام واحد، وكأن مبارك كان يعلم أن ذلك العام هو الذي سيشهد ختام زياراته إلى المملكة بصفته رئيسًا لجمهورية مصر العربية.
جاءت أولى هذه الزيارات في 11 مارس 2009، استجابة لدعوة أطلقها خادم الحرمين الشريفين حينها الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله- وضمت قادة مصر وسوريا والكويت، حيث حضر هذه القمة الرباعية كل من مبارك وبشار الأسد وأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بعد فترة توترات شهدتها العلاقات بين البلدان الأربعة.
وقال بيان صادر عن القمة بشكل صريح، إنها جاءت لـ"طي صفحة الماضي، وتجاوز الخلافات لمصلحة الأمة العربية"؛ حيث أكد أنه سيسفر عن مرحلة جديدة في العلاقات بين الرياض والقاهرة ودمشق والكويت، تقوم على أساس خدمة القضايا العربية بالتعاون فيما بين تلك الدول، وانتهاء سياسة موحدة إزاء القضية الفلسطينية.
ومن أبرز الأحداث التي شهدتها هذه الزيارة، هو أداء مبارك مناسك العمرة بصحبة نجله علاء وزوجته، بعد أيام من وفاة حفيده الأكبر.
وفي 28 يونيو 2009، عاد مبارك إلى السعودية مجددًا، عبر مطار الملك عبدالعزيز الدولي بجدة، في زيارة رسمية، وكان في استقباله بالمطار الملك عبدالله بن العزيز، وعدد من قيادات المملكة، وتناولت القمة الثنائية في هذه الزيارة التحديات التي تواجه الأمة العربية، خصوصًا بعد خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي ألقاه بجامعة القاهرة في 5 من الشهر ذاته.
ومن نتائج هذه الزيارة، قيام السلطات السعودية بإطلاق سراح طبيبين مصريين أُدِينا في قضية حيازة عقاقير مخدرة، حيث أصدر الملك عبدالله عفوًا ملكيًّا عنهما.
وكان من اللافت في هذه الزيارة أَنْ أعقبتْها زيارة مماثلة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله إلى مصر بعدها بأقل من 48 ساعة، وبالتحديد 30 يونيو 2009، حيث التقى خادم الحرمين بمبارك في مركز المؤتمرات بمدينة شرم الشيخ المصرية، وفي وقت لاحق من اليوم ذاته، عُقدت قمة ثلاثية بينهما في حضور الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين الذي وصل بدوره إلى مصر.
_الزيارة الأخيرة
في ديسمبر 2009، وصل مبارك إلى الرياض في ثالث زياراته الرسمية إلى المملكة خلال ذلك العام، وهي الزيارة التي تصادف أنها الأخيرة له إلى السعودية بصفته رئيسًا لجمهورية مصر العربية.
وجاءت هذه الزيارة ضمن جولة خليجية شملت الإمارات والكويت، برفقة أبو الغيط ووزير الإعلام أنس الفقي ووزير الاستثمار محمود محيي الدين وعمر سليمان رئيس المخابرات العامة، حيث كان الملك عبدالله بن عبدالعزيز على رأس مستقبليه بمطار الملك خالد الدولي، بالإضافة إلى ولي العهد حينها الأمير سلطان بن عبدالعزيز والأمير نايف بن عبدالعزيز -رحمه الله- وزير الداخلية في ذلك الوقت، والملك سلمان بن عبدالعزيز الذي كان حينها أميرًا لمنطقة الرياض، حيث اصطب الملك عبدالله ضيفه إلى قصر خادم الحرمين الشريفين، عقب استراحة قصيرة قضاها بصالة التشريفات بالمطار.
وتناولت جلسات المباحثات بين خادم الحرمين ومبارك حينها، مستجدات الأحداث على الساحتين الإسلامية والدولية وموقف البلدين منها، كما بحث الجانبان التطورات الراهنة على الساحة العربية وفي مقدمتها تطورات القضية الفلسطينية، كما تناولا آفاق التعاون بين البلدين، وسبل دعمها وتعزيزها في جميع المجالات بما يخدم مصالح البلدين والشعبين الشقيقين.
وتزامنت هذه الزيارة الأخيرة، مع تزايد وتيرة الأحداث السياسية في مصر، التي ظلت في تصاعد مستمر انتهى بتنحي مبارك عن السلطة استجابة للملايين الذين احتشدوا في الميادين ضد حكمه؛ حيث كان الشارع المصري يتحدث خلال هذه الفترة وبشكل مكثف عن خليفة مبارك الذي كان على مشارف الثمانين حينها، في ظل الإعداد لتوريث نجله جمال للحكم خلفًا لأبيه.
_فريضة الحج
كان مبارك ينوي-بحسب ما تردد- أداء فريضة الحج عام 2010، إلا أنه تراجع عن ذلك بسبب اقتراب موعد الحج مع موعد الانتخابات البرلمانية بمصر في نوفمبر من العام ذاته، وهي الانتخابات التي كانت تشكل أهمية خاصة جدًّا لنظام مبارك في ذلك الحين، حيث كان الحزب الوطني الديمقراطي الذي ترأسه مبارك يسعى إلى حصد الأغلبية المطلقة في هذا البرلمان نتيجة أهمية الدور الذي أُعد له في عملية انتقال السلطة من مبارك إلى نجله، وهو ما استدعى عدول مبارك عن أداء الفريضة وبقائه في مصر لمتابعة مجريات الأحداث.
إلا أن مرض خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حينها، أجبر مبارك على تغيير خططه، حيث بات مطالَبًا حينها بضرورة التوجه إلى المملكة للاطمئنان على صحة خادم الحرمين الشريفين، وبالفعل أعلنت الرئاسة المصرية أن مبارك سوف يتوجه إلى المملكة في 21 نوفمبر 2010، للاطمئنان على الملك عبدالله إثر تعرضه لانزلاق غضروفي، وأعلن أن أحمد أبو الغيط وزير الخارجية وعددًا من الوزراء سيرافقونه خلال هذه الرحلة.
إلا أن الأقدار شاءت أيضًا ألا تتم هذه الزيارة، حيث قرر الملك عبدالله بشكل مفاجئ السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستكمال العلاج بناء على توصية الفريق الطبي، وذلك قبل الموعد المعلن للزيارة بساعات، وهو ما كان سببًا في تأجيلها، حيث اكتفى مبارك حينها بالاتصال هاتفيًّا بالملك عبدالله للاطمئنان عليه..
_الزيارة المزعومة
في مارس 2011، وعقب أيام من تنحيه عن السلطة، نشرت صحيفة "الأخبار" المصرية، تقريرًا شهيرًا، نقلته عنها العديد من الصحف ووكالات الأنباء العالمية، زعمت فيه أن حسني مبارك موجود في قاعدة تبوك العسكرية، حيث يتلقى العلاج كيميائيًّا كل خمسة أيام للتعافي من سرطان القولون والبنكرياس.
وادعت الصحيفة في تقريرها أن مبارك غادر مدينة شرم الشيخ المصرية -التي أقام بها عقب التنحي- متوجهًا إلى شمال غرب المملكة، بصحبة زوجته سوزان ونجليه علاء وجمال.
وردت العديد من الآراء على هذه المزاعم، بالقول إنها اعتمدت على ترجيحات بأن مبارك قد يتوجه إلى السعودية مثلما فعل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، دون أن يكون لدى مروجي هذه المزاعم أي دليل يُعزز مزاعمها، وهو ما ردت عليه الأيام التالية بالفعل، حيث فاجأت السلطات المصرية، ونتيجة ضغط المظاهرات التي كانت لا تزال تتواصل في شوارع البلاد، وأعلنت فرض حظر السفر على مبارك وأسرته وجمدت أموالهم وممتلكاتهم، قبل أن يتم التحقيق مع مبارك لاحقًا وحبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات التي انتهت بإحالته للقضاء.