فن الكف.. مبارزة كلامية نشأت في الصعيد

التراث المصري الثقافي والشعبي غني بالكثير الذي لازلنا نعتز به فهو يختلف من مدينة لآخرى، تاركًا تنوعًا ثريا، ولعل أبرز ما يميز التراث المصري هو الغناء والفن خاصة في منطقة صعيد مصر التي تحتوي على العديد من الفنون المتنوعة في طيات مدنها لاختلاف الطبقات الشعبية والقبائل والعائلات بها.

أبرز هذه الفنون هو فن الكف وهو نوع من الفن الشعبي نشأ وأنتشر فى صعيد مصر ثم فى باقي أرجاء القطر المصري يعتمد بشكل كبير على الأرتجال من جانب الفنان أو القوال الذي يؤدي هذا الفن وهو فن منبثق من فن "النميم" وحمله فنانين أسوان على عاتقهم ونشروه فى ربوع الصعيد وباقي أنحاء الجمهورية المصرية.

الكف تسمية أطلقت على أشكال فنية مختلفة باختلاف المناطق الجغرافية. موجود في الجزيرة العربية وفي سيناء ظهر في الواحات (الوادي الجديد) كما أن له وجود في مناطق من أواسط الصعيد لكنه تختلف عن الموجود في منطقة أسوان وجنوب قنا والفارق الجوهري هو القالب أو الشكل الذي يؤدى فيه.

ويقوم فن "الكف" على فكرة الكلمة وليس الموسيقى، فيكون تركيز المستمعين والحضور على الكلام الذى يقال، والذى يتناول مواضيع المجتمع ومشاكله وأحداثه.تدرج هذا الفن في العديد من الأشكال منها ما كان على شكل حلقة سامر ويسمى "فن القول".

من ألطف الحلقات الغنائية التي يجتمع فيها المستمعين لهذا الفن هو ما كانت تدعى إليها طرفان متخاصمان أو متحابان، في مبارزة كلامية تصحبها تصفيقة بالكفوف فقط مع قوة التعبير، فلم يكن الدف وقتها قد أدخل على هذا الفن، وكانت النساء يشاركن فيه مشاركة فعلية بالقول وبالحركات الراقصة فهن عضو أساسي في الفريق المؤدي لهذا الفن.

تبدأ الفتيات بالمشاركة بعد أن ينتهي الفنان غناء النغمة الهادئة (القبلاوي) وهن لايزدن على ثلاثة من أهل المناسبة، يؤدين مع بقية أعضاء الفرقة الحركات الإيقاعية الراقصة الفتيات ينزلن مجاملات وترتدي كل منهن ثوبًا أسود وشالًا أسود يغطي الرأس.

في البدء كان يتم الغناء مصاحبا لدقات الكفوف ثم أدخل عليها آلة الدف مع التصفيق، ثم دخلت آلات أخرى على ذلك الفن مثل العود والطبلة والناي ويستخدم هذا الفن فى أحياء ليالي العرس والمناسبات المختلفة فى الصعيد، كان المنادي يخرج للإعلان عن إقامة الاحتفال في بيت فلان وغالبا ما كانت تقام تلك الاحتفالات من بعد صلاة العصر حتى المغرب.

يبدأ الحفل بحضور مطربي القرية ـ أكثر من ثلاث ـ معهم ضارب الدف يجلسون على أريكة أو أكثر ومن حولهم المساند ثم يأتي الكفافة وهم من شباب ورجال القرية ليقفون صفا بالتوازي في مواجهة المطربين، وسبب هذه التسمية لانهم يستخدمون كف اليد فى ضبط الإيقاعات ويبدأ الفنان بالصلاة على النبي ثم يتبعها بمواويل تصف أحوال بيئته وأحوال العاشقين، ثم يبدأ الشباب (الكفافة) فى أرتجال خانة (جزء من موال مربع) وهم يصقفون والصقفة تحدد سرعة الإيقاع ويبدأ ضارب الدف فى اللعب مع إيقاع الصقفة ويتمايل الكفافة فى حركة واحدة متبعين قائد الصف أمهرهم في الرقص يحركون اكتافهم وأياديهم وأقدامهم في تناغم جميل ثم يبدأ أحد المطربين في الغناء مرتبطا بموضوع الخانة وفق اللهجة المحلية وبمجرد ان ينتهي المطرب من غنائه يتوقف الكفافة عن الرقص ويميلون بجذوعهم الي الامام مرددين الخانة نفسها وهو يصفقون.

يتسلم بعده مطرب آخر الموضوع ذاته لكن بابيات مغايرة وبعد هذه المقدمات المعتادة تبدأ الاثارة، إذ يغير الكفافة الخانة والايقاع ثم يبدأ دور الارتجال فالكفافة قبل العرس يتفقون على الخانات التي سيطرحونها ولابد من أن تكون جديدة لاظهار القدرة على الابداع امام منافسين اخرين وفي الغالب فان من بين هؤلاء الكفافة شاعر شعبي لكنه لا يجيد الغناء أو الارتجال فيكتفي بتأليف الخانة أو كما يقال (يفننها) والخانات لا تقال مرة اخرى في الافراح التالية إلًا إذا كانت مميزة وشاعرة، وفي وقت قديم كانت الخانة لاتزيد عن بيت أو اثنين من الخانة.

من المهم أنه عندما تقال الخانة الجديدة لابد أن تعاد لأكثر من مرة لسببين الأول كي يحفظها المطربون والثاني كي يشحذوا عقولهم من أجل الارتجال حول الموضوع الجديد، وهنا تظهر براعة مطرب عن آخر ويجد الجائزة الفورية بهتاف المعازيم استحسانَا، ولا مانع من ينشد المطرب الشاعر بعضًا من المواويل التي تضفي جوًا من السلطنة على الحضور، أما قمة الاثارة فحين تنزل (الراقص) إلى الساحة والراقص في الغالب فتاة صغيرة السن ترقص أمام الكفافة وعلى رأسها شال أسود يغطي وجهها ومعظم الجسد العلوي، وذلك بسبب التقاليد المحافظة، وحتى لا تقع الفتاة في حرج كبير فإنه في الغالب ترقص معها إحدى كبيرات السن وتلتزم أيضًا بالشال الأسود وحين تنزل الراقص يشتعل الميدان حيث يدك الرجال الأرض بأقدامهم إلى أن يتصاعد العجاج أو الغبار في السماء ويتحلقون حولها في نصف دائرة تتحرك في جميع الاتجاهات، بينما الراقص في الوسط مثل نقطة في حرف النون وتكثر خانات الغزل الرقيق في تلك الحالة.

ومن الطريف فى فن الكف أنه عندما تنزل فتاة للرقص أمام فرقة الكف منفردة ينشد أعضاء الفرقة لها قائلين:

نازل وحدك فرداني هتقدر على مين

اشكيلك قوم بتشكيلي

اشكي الوجيعة لمين ؟

أسوان تتشابه مع مدن جنوب محافظة البحر الأحمر (حلايب وشلاتين) والوادي الجديد وبعض المناطق فى صعيد مصر (في قنا وسوهاج وأسيوط)، في فنون الكف إلا أنها تستخدم آلة الطنبورة ومناطق الصعيد تستخدم آلة الرباب والدف والطبول حيث الرقص الجماعي والتصفيق بالأكف والدق بالأقدام.

أشهر فنانين الكف فى الصعيد:

الجيل القديم:الفنان العزب الأسناوي، الفنان صادق، الفنان عبده مسلوب، الفنان زيدان أبوغالى، الفنان محمد بيليك والفنان مدنى أبو زرار.حديثًا:رشاد عبدالعال وأبنه ياسر، محمد ابو درويش وسليمان ابو درويش، يونس برسي، مكي السلواوي، ربيع البركة، جابر العزب، محمود أبوصاعود.

رشاد عبد العال يأتي على رأس فناني الكف يطلقون عليه “الريس”، هو من أحيا فن الكف في الصعيد، صدر له 12 ألبوما غنائيا.

جابر العزب: من قبيلة الهلايل بمركز إسنا بالأقصر، وله شهرة واسعة بالصعيد، ويشتهر بغناء التراث الشعبي، والكف أيضًا.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
الاتحاد السكندري يعطل قطار الأهلي بتعادل مثير في الدوري المصري