الموت زائر غير مرغوب فيه، يغيب أشخاصا قريبة لنا، ويمنع وجودهم بيننا، ولا يعطي إنذارا برحيلهم ولا يستأذن في الدخول، والحزن الذي يتبع غياب الأحباب من أصعب الفترات التي يعيشها أي شخص في حياته، وهي الفرتة التي لا يرغب أي منا في تكرارها يوما.
ولكن عادات وتقاليد المحافظات المصرية لا تعترف بالحزن والابتعاد عن الناس، بل تلزم أسرة الفقيد بعدة اشياء غريبة، لا تتفق وحالة الحزن التي من المفترض أن تحيط بهذه الأسرة، ضمن هذه العادات تقديم الطعام.
ونجد في محافظات الصعيد أن ولائم الطعام التي تلي الموت وتستمر لمدة ثلاثة أيام واحيانا تمتد لسبعة أيام ضمن أهم عادات وتقاليد الأسر العريقة هناك، ولابد وأن تحتوي هذه الولائم على كل انواع اللحوم، وكل الأصناف التي يدخل في تكوينها اللحم، ولابد وأن يأكل كل من يأتي لتقديم واجب العزاء من كبار وصغار، رجالا كانوا أو نساءا، وتناول الطعام في منزل المتوفي لابد منه، وإلا كنت تهين الأسرة أو العائلة، بمعنى أنك تدخل منزل العائلة وتقوم بتقديم واجب العزاء وتجلس مباشرة لتناول الطعام، وكذلك كل أفراد أسرتك ممن اصطحبتهم لنفس المهمة.
التكلفة
تكلفة ولائم العزاء لا سقف لها، حيث تبدأ من 20 الف جنيه بلا حدود، كما أنها تعتمد بشكل أساسي على تقديم كل أصناف اللحوم التي يقوم بطهيها النساء في المنزل، ولا يستثنى من هذا الواجب زوجة الفقيد أو والدته إلا إن كانت طاعنة في السن، ولكن لابد وأن تقوم بالإشراف على إعداد الطعام، وكذلك البنات لو كان لديه من الأبناء فتاة أو أكثر، كما يقوم بتوجيه الحضور من المعزيين لتناول الطعام الأبناء من الذكور، أو الأخوة من الذكور ايضا.
تشارك عائلة المتوفي أسرته في تكاليف ولائم العزاء، سواء بالمال أو بتوفير الذبائح حتى باب المنزل، ولا يحق لأي عائلة أخرى أن تشارك في هذه التكلفة، ويمكن أن تشارك النساء في طهو الطعام اللازم بسبب الكميات الكبيرة التي يتم طهوها، كما أنها تستمر لعدة أيام، ولذلك تتشارك النساء في نفس العائلة المساعدة في إعداد الطعام الخاص بها.
أيام العزاء
تكون بين 3 و7 ايام، حيث يمتد العزاء حسب عادات وتقاليد المحافظة أو القرية أو العائلة نفسها، وهي عادات لا يمكن أن يتم التغاضي عنها مهما كانت الظروف التي تمر بها الاسرة، فلو مثلا دخلت الزوجة أو الأم في غيبوبة أو اصيبت بمرض عضال بسبب الحزن، فلا يعني هذا أن يتم التغاضي عن تقديم الولائم أثناء أيام العزاء، كما لا يمكن أن يغلق المنزل ابدا، بل يظل مفتوحا لتلقي العزاء عن طريق الأشقاء أو أبناء الأشقاء من الذكور أو الإناث.
الأخذ بالثأر
هو السبب الوحيد الذي يؤجل العزاء في محافظات الصعيد، أن يكون الأخذ بالثأر لصالح الفقيد لم يحدث بعد، حيث تعتبر العائلات الكبيرة أن الأخذ بالثأر سببا اساسيا في تلقي العزاء، وتكتفي بدفن المتوفي حتى إشعار اخر.