صوّت مجلس محافظة كركوك بشمال العراق، أمس الثلاثاء، بالأغلبية لصالح رفع علم إقليم كردستان العراق إلى جانب العلم العراقي فوق المؤسسات الرسمية في المحافظة.
وتكتسي الخطوة بعدا رمزيا كبيرا بشأن توجه قيادة الإقليم لفرض السيطرة على المحافظة الغنية بالنفط، والمصنّفة ضمن المناطق المتنازع عليها بين بغداد وأربيل، كأمر واقع ناتج عن التطورات التي عصفت بالعراق خلال السنوات الثلاث الماضية وأبرزها الحرب على تنظيم داعش، والتي شاركت فيها قوات البيشمركة الكردية بفعالية وتمكّنت من السيطرة على مساحات هامة من الأراضي وتريد قيادتُها الاحتفاظ بها كجائزة كبرى وغنيمة حرب.
الاستقلال
ويكرّر الشق الكردي المحسوب على رئيس الإقليم مسعود البارزاني التصريح برغبته في تحقيق الاستقلال عن الدولة العراقية والاحتفاظ بالأراضي التي استعادتها البيشمركة من داعش، لكنّ ذلك الطموح يصطدم برفض تركيا التي بدا أن علاقتها المتينة مع البارزاني لا تتعدّى كونها تريد استخدامه في تحجيم حزب العمال الكردساني الذي تصنّفه أنقرة كتنظيم إرهابي وتخوض الحرب ضدّه داخل الأراضي التركية والسورية، وأيضا في الأراضي التابعة لإقليم كردستان العراق.
وحذّر المتحدث باسم الخارجية التركية، حسين مفتي أوغلو، من أن “رفع علم الإقليم الكردي بجانب العلم العراقي فوق دوائر كركوك الحكومية قد يؤدي إلى خطر إلحاق الضرر بمحاولات إحلال الاستقرار والتوافق في العراق”.
الأمر الواقع
واعتبرت الجبهة التركمانية العراقية ذات الصلة الوثيقة بتركيا خطوة رفع العلم ضمن “سياسة فرض الأمر الواقع في كركوك”.
وقالت في بيان إن ما يحدث في المحافظة هو سياسة فرض أمر واقع بعد ابتعاد الحكومة الاتحادية برئاسة حيدر العبادي عن لعب أي دور لها في السياسة النفطية والاقتصادية والأمنية في كركوك.
رفع العلم
وجاء التصويت على رفع علم الإقليم فوق المباني الحكومية في جلسة عقدها مجلس المحافظة، الثلاثاء، وقاطعها أعضاء المكونين التركماني والعربي.
وحضر جلسة الثلاثاء التي ترأسها ريبوار فائق الطالباني رئيس مجلس محافظة كركوك، 25 عضوا كرديا وقاطعها 16 عضوا عربيا وتركمانيا. واحتفى الأعضاء الأكراد بعد انتهاء الجلسة بإقرار المقترح الذي تقدم به محافظ المدينة نجم الدين كريم.
وبعد أن رفع محافظ كركوك، نجم الدين كريم، بعد الجلسة علم العراق وعلم كردستان أمام مبنى المحافظة، قال :إن الدستور لم ينص على عدم رفع علم كردستان في المحافظة، مشيراً إلى أنه "لا يحق لأية دولة خارجية أن تتدخل في شؤوننا الداخلية"، وقد تم رفع علم كردستان بجانب العلم العراقي، الاثنين الفائت، فوق قلعة مدينة كركوك، في مراسم إيقاد شعلة نوروز.
وأشار إلى أن "المناطق المتنازع عليها لها صيغة حل ضمن المادة 140 من القانون العراقي في تقرير مصير المناطق المختلف عليها وايضا نص الدستور على الاستفتاء وارادة الناخبين في تحقيق مصيرهم مع الاقليم او المركز اما التصويت بهذه الظروف واستغلال ازمة الحرب والنازحين يقع عليها قوانين صارمة ومن حق البرلمان والحكومة الاتحادية حل مجلس كركوك ضمن المادة القانونية 78 من الدستور العراقي ".
وفي أول رد فعل من بغداد، وصف نائب الرئيس العراقي أسامة النجيفي قرار مجلس محافظة كركوك الذي اتخذ الثلاثاء بأغلبية الأصوات بالموافقة على رفع علم إقليم كردستان العراق على دوائر المحافظة ومؤسساتها الحكومية، إلى جانب العلم العراقي بأنه "يخرق الوحدة الوطنية ويتناقض مع روح التعاون والتفاهم بين مكونات كركوك".
وقال النجيفي "إننا نرى أن هذا الإجراء غير مقبول لأنه فرض لإرادة مكون واحد أو جهة حزبية واحدة على الجميع في كركوك، وتجاوز لإرادتهم وحقهم في إدارة المحافظة وارتباطها الوطني.. ونأمل أن تكون هذه الخطوة غير المدروسة محل مراجعة بما يحفظ الوحدة الوطنية ويصون العلاقة التاريخية بين مكونات محافظة كركوك".
وقال خبراء في القانون، إن رفع علم اقليم كوردستان مع العلم العراقي الذي تم التصويت عليه في مجلس المحافظة مخالف للقانون والدستور، حيث أكد الخبير القانوني، طارق حرب أن رفع العلم الكوردي فوق المباني الحكومية مسؤولية الحكومة الاتحادية والبرلمان حصرا"، فيما قال الخبير القانوني علي التميمي إن"مجلس محافظة كركوك ارتكبت مخالفة قانونية يترتب عليها قوانين صارمة ويمكن حل المجلس من خلال الحكومة والبرلمان ضمن الدستور ".
وتسيطر قوات البيشمركة الكردية على كركوك، باستثناء جيب في جنوب غربي المحافظة لا يزال في قبضة تنظيم داعش، منذ فرار الجيش العراقي من المحافظة عقب اجتياح التنظيم لشمال وغرب العراق في صيف 2014.
وتمثّل كركوك بما تحويه من مخزونات نفطية ضخمة مصدر صراع مستمر في العراق حاول واضعو دستور البلاد تنظيمه عبر المادة 140 التي تنصّ على تطبيع الأوضاع في محافظة كركوك والمناطق المتنازع عليها في المحافظات الأخرى مثل نينوى وديالى، محدّدة مدة زمنية انتهت في ديسمبر 2007 لتنفيذ كل ما تتضمنه المادة المذكورة من إجراءات.
وجاء تصويت مجلس محافظة كركوك على القرار رغم تحذير بعثة الأمم المتحدة بالعراق “يونامي” قبل أسبوع من اتخاذ تلك الخطوة كونها “تهدد التعايش السلمي بين المجموعات الدينية والإثنية في المحافظة التي تضم خليطا من القوميات من الأكراد والتركمان والعرب”.