بعد استهداف الإرهاب للداخل البريطاني، وتزايد نشاط ما يُطلق عليه "الذئاب المنفردة"، أكد مراقبون أن الحكومة البريطانية سوف تتعامل بالمزيد من الحسم مع التنظيمات الإسلامية عموما للرد والثأر للضرب المتكرر في قلب العواصم الأوروبية، وفرملة السيولة الراهنة داخل الإخوان، التي أثبتت عدم قدرتها على ضبط التنظيم وهجرة شبابها إلى مبايعة جماعات إرهابية أخرى.
ورجّح خبراء في الحركات الإسلامية إمكانية اتخاذ لندن توجهات وتصوّرات مماثلة لتلك التي أصدرها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والسعي إلى منع شخصيات تنتمي إلى تيار الإسلام السياسي، ومحاولة التضييق على نشاطات الإخوان داخلها.
ويُنتظر على خلفية الحادث الإرهابي الأخير في محيط مجلس العموم الذي أصدر في السابق قرارات ضد التنظيمات الإرهابية، أن يُعاد النظر في نشاطات الكثير من التنظيمات الراديكالية في بريطانيا، وفي مقدّمتها جماعة الإخوان.
وأوضح سياسيون، أن الموقف حاليا مختلف عن ذي قبل، حيث رفض مجلس العموم في السابق إعلان الإخوان جماعة إرهابية والتوقف عن دعمها، وبعد أن أصبحت بريطانيا ذاتها في مرمى الإرهاب، بات هناك دافع قوي لتغيير إستراتيجية لندن للتعامل مع تنظيمات الإسلام السياسي.
خطر على أوروبا
ويراهن كثيرون على أن تسفر الضغوط التي تمارس على الحكومة البريطانية، عن اتخاذ خطوات جدية في هذا السياق، خاصة وأن العملية الإرهابية الأخيرة سبقتها حالة نفور شعبي من معدلات لجوء الجهاديين والإسلاميين إلى بريطانيا، وهي ضغوط قد تكون عامل حسم ضد نشاط الإخوان.
نبيل نعيم، القيادي الجهادي السابق، قال إن جماعة الإخوان تمثل خطرا على أوروبا في الوقت الحالي أكثر من خطرها على الدول العربية، واصفا الجماعة بأضخم “مفرزة للعنف” في العالم، لأن غالبية التنظيمات والجماعات الإرهابية خرجت من رحمها.
وأوضح نعيم، في تصريحات صحفية، أن الخطورة تكمن في إفساح الساحة لقيادات الإخوان وأعضائها بجانب قيادات وأعضاء التنظيمات الجهادية الأخرى، وهذا هو الحاصل في بريطانيا، وهذا المزيج من شأنه تفجير الأوضاع في أي مكان بالعالم، وعندما أتيحت له فرصة الحضور خلال العقود السابقة تمكّن من تفجير الأوضاع بالبلاد العربية.
وتعمد جماعة الإخوان للمناورة والتوظيف غير المباشر لأذرعها السرية والفصائل الجهادية، بغرض إطالة عمرها، والحصول على مكاسب سياسية، بإظهار خلاف حقيقتها ككيان سلمي يدعو إلى التعايش، وتحرص على تصوير نفسها كمعبّر عن الوجود الإسلامي، وفي ذروة ممارستها للعنف تحرص على توفير غطاء إعلامي ينفي عنها هذا السلوك.
الجماعة تتبرأ
في هذا الإطار، جاءت محاولة الجماعة البائسة لتبرئة نفسها من العمل الإرهابي الذي وقع أخيرا بمحيط مجلس العموم البريطاني، حيث وزعت النشرة الدورية التي تصدر عن مكتب إخوان لندن، وثيقة أطلقت عليها “وثيقة التعايش” قالت إن الإخوان في بريطانيا أطلقوها في عام 2002، ويعيدون إطلاقها اليوم بعد العمل الإرهابي.واستنكرت الجماعة في بيانها المذيل بتوقيع إبراهيم منير نائب المرشد العام للإخوان، ما وصفته بـ”دعاوى الكراهية التي يعمل البعض على إشاعتها تحت أي مسمى أو لأي أغراض سياسية”، وطالبت بضرورة “المحافظة على السلام والأمن المجتمعيين".الجماعة تمهلت في إدانة الحادث الإرهابي لحين هدوء الأوضاع، لأنها تدرك أن الاشتباه في علاقة لها مباشرة أو غير مباشرة بالحادث، يؤثر على أوضاعها وعلى الامتيازات التي تحظى بها في بريطانيا، ويمكن أن تتضاعف الضغوط الداخلية على الحكومة البريطانية لاتخاذ إجراءات أكثر تشددا مع الجماعة ولذلك استبقت التحقيقات وأصدرت هذا البيان.الإخوان وداعش.. عملة واحدة
متخصصون في شؤون الحركات الإسلامية، وضعوا هذه الخطوة ضمن تكتيكات الجماعة المعهودة في الأحوال المماثلة؛ فالجماعة معتادة على هذا التصرف، كآلية لامتصاص الأزمات، وصولًا لكسب ثقة السلطات، من خلال التأكيد على أنها داعمة للاستقرار.وقال هؤلاء هناك تغييرات كبيرة لا تمتلك جماعة الإخوان حيلة للتعامل معها في ما يخص أوضاعها في الخارج، بالنظر إلى علاقاتها مع فصائل الإسلام الجهادي والسياسي، في إشارة إلى أن الجماعة تراجعت سياسيًا بشكل كبير، سواءً في مركزها الأم بمصر أو في مختلف البلاد العربية، وكذلك إقليميًا ودوليًا، وألمحوا إلى أن الجماعة صارت مخترقة ومدفوعة من داخلها بالمكوّن الإرهابي العنيف بشكل خطير لم تشهده من قبل.وشددوا على أن تنظيم الإخوان في أي مكان في العالم، لا بد أن يتأثر بما طرأ عليه في البلاد العربية، لترابط الأحداث، وهناك عوامل مشتركة تدفع لانتهاج الإرهاب والعمل السري بشكل تلقائي، ومنها عدم قدرة الجماعة على السيطرة على تياراتها المتنازعة، وعدم وجود قيادة قادرة على ضبط التنظيم في مسار واحد.كما أن ضعف تنظيم الإخوان على كافة المستويات، خاصة في ما يتعلق بالجانب الاقتصادي واللوجستي، يُلجئه للتعامل مع تنظيمات تشاركه نفس الأيديولوجيا والأفكار والأهداف، وقد صدرت تقارير أمنية غربية تكشف عن وجود علاقة بين تنظيم الإخوان وتيارات متشددة، منها القاعدة وتنظيم داعش.وأشار تقرير شرطة اليورو بول، إلى أن التنظيم الدولي لجماعة الإخوان، قدّم مساعدات للبعض من العناصر من أصول عربية تعيش في أوروبا، ومن ضمنها بريطانيا، وهي عناصر حاربت في صفوف داعش في مختلف بؤر الصراعات.وأكد كمال الهلباوي عضو المجلس القومي المصري لحقوق الإنسان، والمتحدث السابق باسم الإخوان في أوروبا، أنه لم يعد هناك فرق بين جماعة الإخوان وتنظيم داعش، وثمة مراحل يظهر فيها أكثر جانب الإخوان كجماعة سياسية رغم كمون العنف والتكفير، وهي المراحل التي تنعم فيها بعلاقات جيدة مع الأنظمة وتحصل خلالها على امتيازات سياسية.