أودعت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، حيثيات حكمها، بعدم دستورية صدر البند (2) من المادة (561) من قانون التجارة الصادر بالقانون رقم 17 لسنة 1999 فيما نص عليه من أنه "وللمحكمة، عند الضرورة، أن تأمر باتخاذ الإجراءات اللازمة للتحفظ على شخص المدين"، وعبارة "بالتحفظ على شخص المفلس"، الواردة بنص البند (1) من المادة (586) من القانون ذاته.
وأسست المحكمة حكمها استنادًا إلى أن نص المادة (54) من الدستور احتفى بالحرية الشخصية، رافعًا إيّاها إلى مصاف الحقوق اللصيقة بشخص المواطن، والتى لا تقبل بصريح نص الفقرة الأولى من المادة (92) من الدستور تعطيلًا ولا انتقاصًا، كما لا تنفصم البتة عن شخص الإنسان، ولا يُؤذن بمفارقتها إيّاه، منتهجًا فى ذلك قِيَم المجتمعات الديمقراطية، التى تلتزم بأطر وضوابط الدولة القانونية، جاعلًا من الحرية الشخصية رافدًا أساسيًا لغيرها من الحقوق والحريات، تشاركها السبب والعلة، وتقاسمها الهدف والغاية، متشددًا فى حمايتها، آمرًا بصونها، مانعًا - بمقتضى نص المادة (99) من الدستور - تقادم جرم العدوان عليها، ناهيًا عن المساس بها، إلا لجريمة جنائية مُتلبس بها، أو لمقتضى أمر قضائى مُسَبّب يستلزمه تحقيق تجريه الجهة القضائية المختصة فى غير أحوال التلبس بها، بما يوجب أن يتضمن النص المقرر للإجراءات المقيدة للحرية تعيينًا لهذه الإجراءات، وأحوال تطبيقها وأسبابها، ونطاقها وأُطرها وضوابطها الحاكمة لها، مع كفالة الحقوق الدستورية لمن تتخذ قبله أى من هذه الإجراءات، وأخصها إبلاغه بأسباب ذلك، مع إحاطته كتابة بحقوقه، وكفالة حقيه فى التقاضى والدفاع بأُطرهما التى عينها الدستور.
وأضافت الأسباب، أن الدستور حرص على تضمينها بنص المادة (54) منه، شاملة الحق فى التظلم أمام القضاء من هذه الإجراءات، والفصل فيه خلال أسبوع من تاريخ اتخاذ الإجراء، وهى ضمانات أوجب الدستور على القانون التزامها، وأن يكون النص المقيد للحرية محققًا لها، وإلا وقع فى حومة مخالفة الدستور.
وتابعت المحكمة، أنه من المقرر قانونًا أن تطبيق التدابير التحفظية، بحكم أو أمر قضائى، لا يكون إلا على من تتوافر فيه مظاهر خطورة إجرامية تهدد المجتمع، فلا يحق التدخل بتدابير الدفاع الاجتماعى لمواجهة أفراد لم يرتكبوا جريمة، أو لم تبد عليهم مظاهر خطورة إجرامية، مما مؤداه أنه ولئن كان السماح بإنزال التدبير التحفظى ينطوى على افتئات على حرية الشخص، إلا أنه يتعين خضوع هذه التدابير، فى أحوال توقيعها لمبدأ الشرعية الدستورية.
وأوضحت اامحكمة إن نصي المادتين (5612)، (5861) من قانون التجارة، إذ يجيزان التحفظ على شخص المحكوم عليه بشهر إفلاسه، ولو بحكم غير نهائى، ودون أن يكون متهمًا بإفلاس بالتدليس أو بالتقصير، فإنهما ينطويان على تقييد الحرية الشخصية لمن حُكم بإشهار إفلاسه بغير انتهاج الوسائل القانونية التى كفلها الدستور، ودون الالتزام بالقيود والضوابط الدستورية التى تحكم تقرير أى من الإجراءات المقيدة للحرية وأحوالها وفقًا لنص المادتين (54، 92) من الدستور، بحسبان إطلاق رخصة الحكم بالتحفظ على شخص المدين المفلس يعد فى حقيقته تقييدًا لحريته، دون جرم قارفه، على نحو يعطل حق المشمولين به فى النفاذ إلى ألوان الحياة وأشكالها فى مجتمعهم، ويعوق اندماجهم فى القيم التى يؤمنون بها، وكانت وسائل منع المحكوم بإشهار إفلاسه من الإضرار بدائنيه تجد مشروعيتها الدستورية فى كل إجراء يكفل حقوق الدائنين، دون المساس بالحرية الشخصية للمحكوم بشهر إفلاسه إلى حد مصادرتها، كما هو الحال فى التحفظ على شخصه المقرر بالنصين المار ذكرهما، طالما لم ينسب إليه ارتكاب فعل أو امتناع تؤثمه نصوص جرائم التفالس بالتدليس أو بالتقصير.
وذكرت المحكمة، أنه متى كان ذلك، فإن النصين المطعون فيهما على النحو المتقدم ذكره، يكونان مخالفين لأحكام المواد (54) و(92) و(94) من الدستور، بما يوجب الحكم بعدم دستوريتهما فى حدود نطاقهما المتقدم.