تاريخ ممارسة "البغاء" في مصر..تجريمها كان في عام 1951

كتب : أحمد سعد

"البغاء".. أو كما يعرف باحتراف ممارسة الجنس بأجر معين يتم الإتفاق عليه مسبقا، بم تكن ظاهرة وليدة اللحظة، بل عرفها الإنسان المصري القديم منذ بداية الخليقة، حيث نتجت عن اكتشاف المصري القديم لغريزة الجنس لديه، وتعامله معها.

في الآونة الأخيرة، ظهرت مطالب من منظمة العفو الدولية، حول تقنين "الدعارة"، لتفادي حوادث التحرش، ونشر الفواحش عبر مواقع التواصل الإجتماعي، في ظل الأعراف التي تحكم الدول الغربية خاصة، إلا أن الحديث التقنين، لم يلقى سوى الهجوم والانتقادات البشعة، إن جاز التعبير، كما تسبب في ردود أفعال متنوعة على مستوى العالم، برفض الفكرة التى اعتبرها الجميع إهانة للمرأة التى تمارس الجنس نظير الحصول على المال، ورفض مبدأ البغاء كمهنة مهينة للمرأة والمجتمع بشكل عام

وحاليا تنوعت مظاهر العمل في إطار "البغاء"، حيث شهدت الفترة الماضية ظهور صفحات على موقع التواصل الاجتماعى "الفيس بوك" تحرض على ممارسة الرزيلة، والأعمال المنافية للآداب، مقابل مبالغ مالية، فضلا عن عدم اقتصار ممارسة الأعمال المخلة بالآداب واحتراف الدعارة على فئة معينة من البشر ولا على مكان محدد، ولكنها تنشط في مختلف المناطق بالقاهرة والجيزة وباقى المحافظات بنسب ومعدلات معينة.

مع اعتراف الحكومة بالبغاء وتقنينها له، زادت الكرخانات في كل ربوع مصر، خصوصاً في القاهرة والإسكندرية. وكانت غالبيتها ملكاً للبدرونات، لكن بعضها مستأجر.

الغريب أن كرخانات عدة كانت مستأجرة من وزارة الأوقاف، كما ذكرت مجلة "اللطائف المصورة" في عدد 15 أبريل 1935. وبعضها أوقاف خيرية إسلامية تابعة لوزارة الأوقاف المصرية، أو أوقاف خيرية مسيحية، تابعة للبطريكية القبطية.

كما كانت هناك أوقاف تابعة لحاخام اليهود. وبررت وزارة الأوقاف هذه المسألة بأنها مضطرة إلى فعل ذلك بحكم القانون، حتى أصدر لاحقاً وزير الأوقاف قراراً بإخلاء المنازل المؤجرة للبائعات الهوى حتى يهدّئ الرأي العام.

"أهل مصر" ترصد تاريخ البغاء أو "الدعارة" في مصر، والذي بدأ منذ العصر الفرعوني حيث اهتم المصري القديم بالخصوبة بشكل عام، والمتمثلة في خصوبة الأرض لزيادة المحصول، فضلا عن خصوبة المرأة لزيادة الأولاد، والأهتمام بفحولة الرجل، والمفاخرة بالأمر، مما اتضح جليا من خلال ما وصل إلينا من النقوش المختلفة على الأحجار.

كما أضافت روايات بعض المؤرخين المعاصرين لهم كالمؤرخ مانيتون والمؤرخ هيرودوت، والتي أظهرت النزعة الجنسية في الفن المصري القديم في بعض التماثيل والرسوم بصورة واضحة وبدون خجل او تورية، من خلال تصوره لخلق العالم عن طريق تزاوج إله الأرض “جب”، إلى جانب ما أظهرته بعض تماثيل العصر البطلمي و نهاية العهد الفرعوني، والتي تمثل ممارسة الجنس في حفلات النبلاء والأمراء وتصوير البعض بالمبالغة في “فحولتهم”.

وفي عهد العثمانيين الأتراك سميت بيوت الدعارة “كرخانات” وهى كلمة تركية مكونة من مقطعين “كرى” وتعنى نوم و”خانة” وتعنى نزل أو محل فيما روى أن أول تنظيم وتسجيل للبغايا في مقر “الصولباشى” أو رئيس الشرطة وكان تحت إمرته أربعين شرطيا يسمون “جاويشية باب اللوق” ووظيفتهم حصر ومراقبة البغايا.

وبعد تنصيب محمد على باشا واليا على مصر ازدهرت الدعارة مع توافد الأجانب إلى مصر حيث أبقى على ضريبة البغاء بعض الوقت ثم ألغاها عام 1837 ثم بدأ البغاء في الخضوع للتسجيل والتنظيم منذ تطبيق اللائحة التي سميت بتعليمات بيوت الدعارة والتي استمر العمل بها حتى ألغيت عام 1949.

الحملة الفرنسية

وفي أعقاب الحمله الفرنسيه (1798 – 1801)، أصدرت السلطات الفرنسية قرارات بتخصيص بعض المساكن في منطقة (غيط النوبي) كمنازل للبغاء للترفيه عن عساكر الجيش، وكانت السلطات تنظم تقديم الخدمة بمقابل مادى، فضلا عن الاستعانة بالمغنين، والذين كانت أغلبهم جواري في منازل المماليك، وتم رصد بعض هذه المنازل بلوحات الفنانين وفي كتاب وصف مصر.

عهد محمد علي

في عهد محمد علي باشا، لم يختلف الوضع كثيرا، إلى أن اكتشف محمد علي التأثير السيء لهذه البيوت على عساكر الجيش المصري، والمتمثل في تفشي الأمراض مثل الزهري والسيلان بين الجنود، وعليه صدر قرار بابعاد جميع منازل الغوانى من القاهرة الى أقاصي الصعيد في إسنا وأسوان، وذالك في عام 1834.

وفي فترة حكم والي مصر عباس الأول في أواسط القرن التاسع عشر، أصدر قراره بعودة بيوت الغواني من جديد للقاهرة والأسكندرية وسميت بعد ذالك بـ"ماخور"، وفي عام 1855 صدرت لائحة لتنظيم العمل بالبغاء، وسميت لائحة مكتب التفتيش على "النسوة العاهرات"، وتم إصدارها للسيطرة على الضرايب التي يتم تحصيلها منهم، حيث كانت تلزمهم بتجديد الترخيص مرتين سنويا.

عهد الخديوي إسماعيل

في نهاية عهد الخديوي إسماعيل وبداية عهد الخديوي توفيق وتحديدا عام 1880، أصبحت القاهرة مدينة أكبر وتوسعت عن مساحتها في عهد محمد علي باشا، فحرص الخديوي إسماعيل على إضافة أحياء جديدة على النمط الأوروبي وخاصة الفرنسي، وبنية تحتية وشبكة طرق وإنارة ومياة شرب غيرت المشهد في القاهرة تماما، مما دفع عدد كبير من الأوروبيين للسكن والأقامة فيها، وتركوا بلادهم بحثا عن معيشة أفضل في مصر.

قدوم الأجانب أضفى على القاهرة لون آخر في إطار تواجد "البغاء"، حيث لم تنل"بيوت الخواطي" الموجودة في مصر، فأصبح لديهم "مواخير" خاصة بهم في أماكن مختلفة، وبمرور الوقت بدأ يتضر ر المجتمع من وجودهم، نظرا لإختلاف العادات، بعادات، فصدر قانون الضبطية في عام 1880، والذي بدوره يحدد أماكن بعينها ، منها حى الأزبكية وباب الشعرية، ووضع مواصفات محددة لبيوت الخواطى.

كما وجدت أيضا، بيوت الدعارة الشعبية في منطقة عرب المحمدي والعزبة السودانية وغيرها، وكانت من أرخص الأماكن من حيث السعر ، حيث وصف أحد أصحاب تلك البيوت من ذلك العصر كما ورد في أحد الكت، قائلا "كان يدخل الزبون ويشدوا عليه الستارة ولما يخلص اللي هوا عايزه يشيلوا الستارة ويطلع واللي بعده يدخل وهكذا".

وكانت أشهر الفتيات التي يعملن في ذلك المجال، (طبقا لسجلات حكمدارية بوليس العاصمة سنة 1895)، وهم حسنة الطرابية وزينب الفطاطرية وبهية الزايطة و فطومة الاسكندرانية وبمبة العربجية.

القرن العشرين

وفي الربع الأول من القرن العشرين بدأت كازينوهات (أو تياترات أو كباريهات) شارع عماد الدين، تتحول لأمكان جديدة لممارسة البغاء، وظهرت نوعية جديدة من صور الدعارة من ناحية العاملين في المجال، حيث كان أغلبهم من الفنانين والراقصات، بينما الدرجة الثانية فهي لفتيات تقوم بإغراء الحضور، وتقديم مشروبات الخمور مقابل أجور مبالغ فيها، وبعد تطور المجتمع ورفضه لوجود الداعرين، فكان إلزاما أن يتم تغيير الشكل العام، وكان أكثر رواد تلك الأماكن من الأجانب وبعض الطبقات الراقية، كونها طبقات مثالية لممارسة الدعارة، والحصول على عائد مادي كبير.

فترة الثلاثينات والأربعينات

في فترة الثلاثينات والأربعينات بدأ الوازع الديني يزداد عند الناس بتنامي نشاط الجمعيات الدينية، مثل جماعة أنصار السنة والجمعية الشرعية والأخوان المسلمين وغيرهم، إلى جانب تقديم الأزهر الشريف دور فعال في تلك القضية، مما ساعد في تزايد جبهة الرفض لعملية الدعارة المقننة تحت سمع وبصر الدولة، كما حرص بعض المواطنين على تقديم طلبات رسمية لنواب الشعب في البرلمان، ليحدو من قانونية الدعارة في مصر، فجاءت جهود سيد جلال النائب عن باب الشعرية، والتي تضم شارع كلوت بك أحد معاقل الدعارة في القاهرة.

وفي عام 1949 صدر مشروع قانون للحد من الدعارة، وتم اقراره في البرلمان ليصدر عام 1951 القانون النهائي للأداب العامة، والذي يعد من القوانين القائمة حتى الآن، والذي يجرم الدعارة ويعاقب القائم بها بالسجن المشدد.

وفي أعقاب ثورة 1952 ورحيل الملك وبداية عصر الجمهورية، أصدر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، قرارا بإلغاء الدعارة في سوريا ضمن حكومة الوحدة عام 1958، لتنطوي بالكامل صفحة الدعارة المقننة في مصر وسوريا، وتبدأ صفحة جديدة من الدعارة غير المقننة في مصر.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً