"التكفير".. وسيلة من لا وسيلة له في تبرير مواقفه وميوله واتجاهاته، ضاربا بكل معانيها عرض الحائط، لايعنيه كثيرا أسس دينية ولا قواعد فقهية، في إطلاق سهام الكفر على معارضيه، متخذًا من مبادئه وأفكاره الخاصة منهجًا ينهل منه حينما تضيق به المبررات دون الاستناد على مرجعية فقهية حقيقية.
لغة التكفير لطالما لازمت ألسنة هؤلاء في أغلب خطاباتهم، مفجرين بذلك أزمات وأزمات ربما تكن من أسباب ارتكاب المنتمين لهذه الجماعات والأحزاب جرائم قتل وإرهاب حقيقي يعصف بضحايا الفكر الخاطئ والأسس المزيفة، وأحكام خاطئة لتحقيق نتيجة أو هدف لايختلف كثيرا عن أهوائهم الشخصية ومعتقداتهم التى لم ينزل الله بما سلطان.
داعش يكفر الإخوان والسلفيين
وترصد "أهل مصر" أبرز الهجمات التكفيرية داخل مصر، ومنها تكفير داعش لعلماء المسليمن، حيث شن تنظيم داعش الإرهابي هجومًا عنيفًا على عدد من علماء الدين الإسلامي مطالبًا عناصره بتنفيذ عمليات اغتيال ضدهم بعد اتهامهم بالارتداد عن الإسلام، وبث المكتب الإعلامي التابع للتنظيم، تسجيلًا مصورًا تداوله مواقع التواصل الاجتماعي، استعرض أسماء عدد من علماء الدين في مصر، من بينهم الدكتور علي جمعة، وشيخ الأزهر أحمد الطيب، والدكتور الشيخ محمد حسان، مع مواقف سابقة لهم ضد التنظيم، ونعتهم بـ"علماء السوء"، ومتهمًا إياهم بأن فتاويهم هي سبب في الحرب ضد التنظيم.
ودعا التنظيم في الشريط الذي حمل عنوان "عملاء لا علماء"، أنصار التنظيم إلى تنفيذ عمليات اغتيال ضد هؤلاء متى سنحت الفرصة، سواء بطلقات نارية أو عن طريق الذبح، واصفًا قتلهم بأنه "خير كثير ونفع عظيم" بحسب ما جاء في التسجيل المصور.
التنظيم ذاته، أصدر فتوى بتكفير الإخوان المسلمين وحزب النور، وذلك من خلال مقطع مسجل للمتحدث الرسمي للتنظيم، واصفا إياهم بأحزاب الظلام، مشيرا إلى أن الإخوان وحزب النور، لا يدافعون عن الإسلام، ومعركتهم هو المصالح الشخصية في زى العباءة الإسلامية، قائلًا "هم أشر وأخبث العلمانيين" ولا تربطهم بالإسلام أدنى صلة، مستكملًا "هم أحزاب تعبد الكراسي والمناصب، فلم يسعهم الجهاد في سبيل الله، بل يبذلون كل مافي وسعه للجهاد في سبيل الديمقراطية والمناصب المزيفة"، كما وصفهم بأنهم لو أمكنهم السجود لإبليس من أجل تحقيق أهدافهم لفعلوا ذلك، فضلا عن نعتهم بالكافرين الذناديق، إلى جانب تخليهم عن كل ثوابت الإيمان واتجاهاتهم هي زيادة في الكفر بل هي أصل الكفر، قائلًا "جعلوا أنفسهم حكاما ومشرعين فتشابهوا في ذلك مع حاكم رهبان اليهود، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلًا".
داعش يكفر كافة جيوش المسلمين
كفر تنظيم داعش الإرهابي، كافة الجيوش الإسلامية في البلاد العربية ومنها مصر، حيث قال المتحدث الرسمي للتنظيم، العدناني الخارجي، إن جيوش الطواغيت في كل بلاد المسلمين، هي جيوش كفر وفي مقدمتها الجيش المصري، فهم أهل الكفر وينتسبون إلى الإسلام دون تطبيق شريعته، مشيرا إلى أنهم يهاجمون شرع الله، قائلًا "إن الجيش المصري تزعم وزورا أنها الحامية للمسلمين وما وجدت هذه الجيوش إلا لحماية الطواغيت وحرب الله ورسوله، فهم يحموا دور العهر، ويؤمر بترك الصلاة وانتهك الأعراب وحرف المصاحف وحرق المساجد"، مطالبا بمهاجمة الجيش المصري وقتل جنوده.
داعش يكفر بعضه بعضا
انقلب السحر على الساحر، إذ شرع تنظيم "داعش" الإرهابي في تكفير بعضه بعضًا، من خلال أسماء تابعين لشرعيين سابقين في التنظيم كانوا يقفون معه ضد "جبهة النصرة" و"القاعدة"، وحركات "جهادية" أخرى، وخلال حملة مكثفة شنها بعض أعضاء التنظيم، على موقع "تويتر" تابعة لأبي عمر الكويتي، لتكفير داعشيين انشقوا وأطلقوا على تنظيم داعش مسمى دولة الجهمية الكافرين بدلًا من الدولة الإسلامية.
المجتمع المصري يكفر داعش
رد المجتمع المصري بكافة طوائفه كان ملازما لتطورات وأفعال الجماعة الإرهابية "داعش"، حيث شرعت كافة المؤسسات المصرية، والمسؤولين السياسيين والدينين في مصر على تكفير داعش، ونبذ كافة تصرفاتهم، واصفين إياهم بالخروج عن كافة الأديان، حيث قال الدكتور عمر حمروش وكيل اللجنة الدينية بمجلس النواب وأستاذ الفقه بجامعة الأزهر إن تنظيم داعش الإرهابى يستحق كل الأوصاف القبيحة، وإنه أتى بكل الكبائر والمرحمات وخرج عن كل الأديان، مطالبا الأزهر الشريف بتكفير تنظيم "داعش" وعدم التهاون في ذلك.
الإخوان المسلمون يكفرون المعارضين
الإخوان المسلمين شرعت هي الأخرى في تكفير المعارضين خلال فترة حكمهم لمصر، ومنها ما جاء على لسان الشيخ محمد عبدالمقصود، خلال مؤتمر تأييد سوريا باستاد القاهرة، وفي حضور الرئيس المعزول محمد مرسي، قائلًا "اسأل الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين، ويجعل يوم 30 يونيو يوم عزة للإسلام والمسلمين، وكسر لشوكة الكافرين والمنافقين".
وتفرغ الشيخ عبدالمقصود للدعاء على المشاركين في تظاهرات 30 يونيو من معارضي الرئيس قائلا: "اللهم رد كيدهم في نحورهم، واجعل تدميرهم في تدبيرهم، اللهم إنا نعوذك من شرورهم، اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم"، وردد المشاركون في المؤتمر من مؤيدي الرئيس على دعوته بالتأمين ودعوا وراءه.
الإخوان المسلمون يكفرون العلمانيين
كما شرع أقطاب جماعة الإخوان المسلمين، في تكفير العلمانيين والليبراليين، حيث الدكتور وجدي غنيم، أحد شيوخ الدعوة الإسلامية، وعضو جماعة الإخوان المسلمين، في تكفير العلمانيين، قائلًا "إن العلمانيين والليبراليين يتجهون لفصل الدين عن السياسة، فضلا عن اتجاههم لعزل الله عن كل مايدور داخل حياتهم، ضاربين بالحلال والحرام عرض الحائط"، مشيرا إلى أن ليس هناك مسلمًا يكره دينه، ويكره تطبيق الإسلام، قائلًا "لو انت مسلم هتدافع عن دينك، والعلمانيين لا يرغبون في تطبيق الأسس الدينية والشريعة داخل مصر"، متسائلًا"في دينك وفين إسلامك"، مهاجمًا اتجاهاتهم وواصفا إياهم بـ"البعديدة كل البعد عن الإسلام".
السلفيون يكفرون الإخوان
السلفيون لم يدعوا مجال التكفير يمر مرور الكرام، فشاركوا في جريمة التكفير، موجهين سهام الكفر للإخوان المسلمين، حيث بدأ السلفيون يقلبون أوراق الجماعة القديمة للكشف عن المصائب والأخطاء التي وقعوا فيها من عشرات السنين وحتى الآن، وذلك عبر فتاوي ومقالات يتم تداولها عبر مواقع التواصل الاجتماعي من قبل قيادات الدعوة السلفية، وكان آخرها فتاوي أطلقها الدكتور ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، على موقع "أنا السلفي" الذي يشرف عليه، قال فيها: إن "قادة تركيا يكفّرون بعض الدول رغم انطباق الكفر عليهم".
السلفيون يكفرون العلمانيين
الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، أحد شيوخ الدعوة السلفية، ومؤسس "حازمون"، شرع هو الأخر في تكفير العلمانيين، في خطابات متعددة له، قائلاص" من يدعون إلى تأسيس دولة مدنية ويسمونها بالدولة العلمانية، أقوله لا العلمانية كفر، كفر صريح"، مشيرا إلى أن العلمانيين لاينكون وجود الله ولكن يتخذون منهجا مخالفا للدين في حياتهم، فيعزلون الله عن كل مايدور داخل أسرهم، مستكملا "العلماني يقول يارب انت على راسي وموجود لكن حياتي ملكش دعوة بيها، ومراتي ملكش دعوة بيها ولا وأولادي، رزقتني الفلوس بس ملكش دعوة بيها، ورزقتني الصحة بس ملكش دعوة بيها"، ناعتًا إياهم بإتباع أراء مفكرين وعلماء دون الرجوع إلى الله وعزله بشكل تام عن كل مايدور داخل حياتهم.
السلفيون يكفرون بعضهم البعض
تكفير السلفيين لغيرهم، لم يكن المحطة الأخيرة في سلسلة الهجوم التكفيري، حيث انتقل الصراع بين حزبى "النور" و"الحرية والعدالة" إلى تراشق لفظى واتهامات متبادلة بين الدعوة السلفية بالإسكندرية المرجعية الدينية لـ"النور"، والسلفية الحركية فى القاهرة التى تساند "الإخوان" وعلى رأسها رمزها الأشهر، الشيخ فوزى السعيد، الذى اتهم الدكتور ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، بالخيانة، فيما ردت الأخرى بأن تصريحاته "تكفيرية"، وقال "السعيد": إن "برهامى" خائن لدينه، وأى صلة بحزب النور تعد خيانة وطعنًا فى الدين.
وأضاف خلال مقطع فيديو له: "الدين ليس لعبة، وأنت وقفت مع هؤلاء ضد أصحاب المشروع الإسلامى لتهزمه بدلًا من أن تؤيده وتسانده، تقف مع الذين يريدون الخروج على الرئيس محمد مرسى بالسلاح، فهل حكم الرسول -صلى الله عليه وسلم- بوضع أيدينا فى يد المعادين للإسلام، فلو كانت مواءمات سياسية، فتبقى بإذن يد ولى الأمر أو الرئيس وإلا أصبحت الدنيا سلطة".
الأزهر يكفر بعض رموز الأدب والثقافة في مصر
الأزهر الشريف لم ينأى بنفسه من معارك التكفير، فشهد تاريخ الأزهر سلسلة من التصريحات المثيرة للجدل ضد رموز الثقافة والأدب في مصر، حيث سبق وقدم شيخ الأزهر أبو الفضل الجيزاوي، بلاغًا ضد عميد الأدب العربي طه حسين وكتابه "في الشعر الجاهلي"، وكانت التهمة التعدي على دين الدولة، ليأتي التكفير بعد ذلك من المتشددين.
وفي أواخر الثمانينيات صدرت فتاوي بارتداد المفكر فرج فودة، بسبب نقده للدولة الدينية، والدعوة لمدنية الدولة، وشنت جبهة علماء الأزهر هجوما كبيرا عليه، أدى في نهاية الأمر لاغتياله، وأثناء محاكمة قاتليه، شهد الشيخ محمد الغزالي وأفتى بـ "جواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها. وإن كان هذا افتئاتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة".
وبسبب بحث قدمه نصر حامد أبو زيد، الذي كان يعمل أستاذا بكلية الآداب جامعة القاهرة، تم تكفيره، وصدر حكم بالتفريق بينه وبين زوجته، فلا يجوز لمسلمة أن تتزوج كافرا. اضطر ابو زيد وزوجته للهجرة من مصر واللجوء إلى هولندا.
وكان أبو زيد تقدم ببحث عنوانه "نقد الخطاب الديني" للحصول على درجة الأستاذية وانعقدت لجنة من أساتذة جامعة القاهرة، رأسها الدكتور عبد الصبور شاهين، وكتب شاهين تقريرا أوضح فيه عداوة أبو زيد لنصوص القرآن والسنة، والدفاع عن العلمانية، الأمر الذي أدى إلى رفع دعوى الحسبة ضده، وصدر حكما من المحكمة باعتبار أبو زيد مرتدا عن الدين الإسلامي.
وفي سياق متصل قال عبد الفتاح محمد، عضو لجنة القوى العاملة بمجلس النواب، أن ما يحدث في الوقت الجاري خطط مدروسة ومدبرة هدفها الإيقاع بمصر في شباك الإرهاب، لتكون نسخة متتالية من باقي الدول العربية التي وقعت ضحية للإرهاب والجماعات التي تتبني الفكر الإرهابي وتكفير الناس بغير وجه حق أو اثبات ديني..
وأوضح أن مصر برئاسة عبد الفتاح السيسي، وبقوة شعبها وصلابتها وفكرها الذي يسير على تعاليم الاسلام، لن تكون فريسة سهلة تحت فك الإهاب الدامي الذي يطيح بكل من حوله..
وأشار إلى أن الإخوان المسلمين والسلفيين والعلمانيين وداعش ظهروا واحدًا تلو الأخر وكل منهم تبنت فكرة معينة حول نظرتها للمجتمع والجماعات الأخري والقيادات التى تحكم الدولة ومن هذا المنطلق أصبحت تسير على منهجها، فتكفر غيرها وتقتل من لم يؤمن بالفكر الذي تتباه، ونتيجة لظهور عدد من الجماعات التي تسير على منهج الإرهاب باسم الدين، فانه أصبح هناك تعدد في فكر هذه الجماعات. كما يدعون، ولكن في باطن الأمر كل هذه الجماعات تسير وفقًا لفكر واحد وهو القتل وسفك الدماء والتعذيب لكل من لم يؤمن برسالتهم وفكرهم الذي يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامى.
وأضاف أن سبب ظهور هذه الجماعات الإرهابية التي يكفر كل منهما الأخر هو البعد عن دين الله، الذي ينهانا عن القتل والتعذيب، ولكنهم تلاعبوا باسم الدين الإسلامي ورفعوا راية الإسلام في هذا الحرب وهذا خروج عن الدين الإسلامي، الذي يدعون انهم يحاربون من أجله.
وأكد عبد الفتاح أن الأزهر الشريف تقام عليه حرب شرسة من جانب المجتمع لانه لم يلبي الدعوات ويعلن أن داعش جماعة كافرة ويكفر غيرها من الجماعات التي تنشر الرعب بين المواطنين وتقتلهم باسم الدين الإسلامي، موضحًا أن الأزهر الشريف منبر للدعوة والهداية وليس لتكفير الجماعات الإرهابية، والإزهر في هذه الحالة لايصدر لقب كافر على آى كان إلا بعد الاطلاع على ما ذكره الله تعالي في وصف الكافرين، وهذا ما فعله الأزهر الشريف من خلال اعتباره أن هذه الجماعات من المفسدين في الأرض.
وفي تصريحات سابقة له، قال خالد الزعفرانى، الخبير في شؤون الجماعة الإسلامية، والقيادى الإخوانى المنشق، إن سيد قطب هو مؤسس فكر التكفير بمصر، وذلك عام 1966 داخل السجون بمساعدة شقيقه، محمد قطب، مشيرا إلى أن الإخوان جماعة تهدف إلى العنف والتكفير، وأن التحليل والتحريم يتم بناء على أهواء سياسية، وأنهم ساهموا فى نشر فكر التكفير بين عدد كبير من شباب الإخوان والتيارات الإسلامية والمتعاطفين معهم، حيث تأثروا بخطاب منصتى رابعة والنهضة، وتم بعدها تشكيل جماعات نوعية صغيرة تتبنى فكر التكفير والعنف وإحلال أموال ودماء الشعب المصرى.