أزمات مماثلة وتحديات عصيبة.. دول نجحت في تحقيق طفرة اقتصادية بالمقارنة مع مصر

كتب : أحمد سعد

من رحم الأزمات يتحقق النجاح.. ليست مجرد كلمات تنشدها الدول لتبرير الظروف العصيبة التي تمر بها، بل حقيقية أثبتت صدقها على مر الزمان، فبالنظر إلى تاريخ دول عدة في كيفية النهوض الاقتصادي والاجتماعي، نجد كيف استغل الدول الكثافة السكانية، والموارد الطبيعية لديها في حل أزماتها.

تعاني مصر حاليا من أزمات اقتصادية طاحنة، فضلا عن التحديات الإرهابية التي تمر بها، وتزايد الكثافة السكانية بشكل متواصل، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم لأعلى مستوياتها منذ أكثر من 30 عام.

كما أن مصر تعد من الدول التي تعاني من ارتفاع في الكثافة السكانية، حيث كانت آخر بيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، أعلنت أن عدد سكان جمهورية مصر العربية بالداخل يبلغون 92 مليون نسمة.

الرئيس السيسي أشار خلال لقائه مع عدد من الشباب في جلسة نقاشية على هامش المؤتمر الدوري للشباب، إلى أن قوة الشعب المصري وتحمله، وتقديمه الدعم المتواصل لأجهزة الدولة، هو السبيل الحقيقي للنهوض، مؤكدا أن كل الدول المتقدمة مرت بنفس الظروف التي تمر بها مصر حاليا وعانت ولكنها وصلت إلى التقدم الاقتصادي لأنها كانت تسير على الطريق الصحيح.

من جانبها ترصد "أهل مصر"، أبرز الدول لتي مرت بنفس الظروف التي مرت بها مصر وحققت نتيجة إيجابية في طريق النهوض والتقدم، ومنا..

_ الصين

تعد تجربة الصين صاحبة أعظم انجاز في مكافحة الفقر، فوفقا لبيانات البنك الدولي نجد أن عدد الفقراء الذين يعيشون بأقل من دولار واحد للفرد يوميا قد انخفض في الصين من 634 مليون نسمة في عام 1981 إلى 374 مليون نسمة في عام 1990، ثم إلى 128 مليون نسمة فقط في عام 2004. أي أن نسبة الانخفاض قد بلغت 495.3% فيما بين عام 1981 و2004، ونحو 292.2% خلال الفترة 1990 – 2004. وهي نسب كبيرة، بل كبيرة جدا بالفعل. بل إنه عند مقارنة نسب الفقراء الذين يعيشون على أقل من دولار واحد للفرد في اليوم إلى إجمالي السكان، نجد أنها قد شهدت انخفاضا كبيرا كذلك، من 32% في عام 1990، إلى 9.9% فقط في عام 2004

كل تلك البيانات تدعونا للتساؤل كيف نجحت الصين في الوقت الذي لم تستطع مصر القيام بذلك؟، وترجع للإجابة للإجراءات التالية..

-تحقيق معدلات نمو مرتفعة

بدأت الصين في تحقيق إنجازاتها الاقتصادية الهائلة منذ عام 1978، حيث وصل معدل النمو السنوي في هذه الفترة إلى 9%. وفي عام 1992، بلغت نسبة النمو في الناتج المحلي الإجمالي 12.8%. وفي المتوسط، بلغ النمو الذي حققه الاقتصاد الصيني نحو 9.8% سنويا خلال الفترة ( 1983 – 2004 ).

_محاربة الفساد

شن الحزب الحاكم خلال الفترة من 1995 وحتى 2002 حملة كبيرة على الفساد في الدولة، بل وشهدت هذه الفترة محاكمة أي مسئول أيا كان منصبه الحزبي أو السياسي أو التنفيذي. كما شهدت تلك الفترة أيضا حملة قومية لمحاربة الفساد الحكومي، طالت عددا من المسئولين رفيعي المستوى. فقد أسفرت هذه الحملة عن إقالة عدد كبير من كبار رجال الدولة، منهم وزير العدل وعدد من نواب المحافظين وبعض العمد في الأقاليم ومسئول أمني كبير.

وحققت وزارة الرقابة الصينية على مدى خمس سنوات من 1995 وحتى 1999 إنجازات كبيرة في مجال محاربة الفساد، حيث تعاملت مع أكثر من 80 ألف حالة اقتصادية، وقامت بفرض عقوبات تأديبية وإدارية على نحو 70 ألف حالة. وهو ما أدى إلى تعرض الدولة لخسارة قدرت بنحو 38.5 مليون يوان ( 4.8 مليار دولار).

-تحقيق اندفاعة قوية في مجال الإبداع والتطوير والتجريب

تشير العديد من الدراسات إلى تنامي القدرات الصينية التكنولوجية، وذلك من خلال الالتزام بسياسة واضحة تشجع نقل وإنتاج التكنولوجيا. ففي عام 1992 تم إنشاء 32 منطقة لتنمية الاقتصاد والتكنولوجيا، و52 منطقة لصناعة التكنولوجيا المتطورة، كما توجد بالصين آلاف الشركات الأجنبية والمشتركة التي تقوم بنقل التكنولوجيا إلى البلاد.

وقد بدأ دخول الصين إلى مجال التكنولوجيا رفيعة المستوى في عام 1988 بإنشاء منطقة للتكنولوجيا المتطورة في بكين، وقد كان لها انجازا رائعا. ففي عام 1998 كان نصيبها من دخل تجارة الصناعة التكنولوجية 51.4 مليار يوان، وقدمت للناتج القومي الإجمالي 15.7 مليار يوان.

وفي عام 1997 تم إنشاء 53 منطقة للتكنولوجيا رفيعة المستوى. ويعد إنشاء هذه المناطق دليلا على اقتحام الصين للثورة التكنولوجية الكونية الجديدة. وقد تطورت هذه المناطق وفقا لنموذج وادي السليكون في الولايات المتحدة.

وفي نهاية عام 1998 بلغ عدد مؤسسات التكنولوجيا عالية المستوى المسجلة في هذه المناطق ما يزيد عن 1500 مؤسسة، يعمل فيها 1.5 مليون عامل.

_البرازيل

قدم الرئيس الأسبق للبرازيل "كاردوسو" (1995-2002م) محاولات عديدة لإصلاح الاقتصاد البرازيلي، ووضع خطة "الريال" التي كان هدفها دمج الاقتصاد المحلى في الاقتصاد العالمي. واتجهت محاولاته الإصلاحية نحو تبني سياسات السوق الحر والاستدانة الخارجية، حيث ارتفع الدين الخارجي من 150 إلى 250 مليار دولار خلال فترة رئاسته، وقد أدى هذا التضخم في الدَّين إلى أزمة انعدام الثقة في الاقتصاد البرازيلي، سواء من الجهات الدولية المانحة أو المستثمرين المحليين والأجانب.

كما اتجهت سياسات "كاردوسو" أيضًا نحو طرح سندات الدَّين الداخلي بفوائد مرتفعة، مما شجع المستثمرين على التخلي عن الاستثمار المنتج لصالح شراء السندات الحكومية حتى ارتفع الدَّين الداخلي بنسبة 900 بالمائة.

وقبيل انتهاء فترة رئاسته، سعى "كاردوسو" سعيًا مستميتًا للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وراح يتعهد باتخاذ خطوات للتصدي لانعدام الثقة.

وفى أغسطس من نفس العام رد الصندوق بأنه على استعداد لإقراض البرازيل قرضًا بـ30 مليار دولار، ولكن عقب الانتخابات الرئاسية ومعرفة توجهات الرئيس الجديد، وهكذا ترك "كاردوسو" الحكم مخلِّفًا وراءه مشكلات اقتصادية كبرى.

في بداية حكم "لولا دا سيلفا"، لعب دورا كبيرا من خلال الخطة والمتمثلة فى النهوض باقتصاد البرازيل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحديث الجيش.

وكانت البرازيل قد عانت الكثير من المشكلات الاقتصادية، ارتفعت معدلات التضخم بقدر كبير، كما زادت نسبة الفقر والبطالة والمجاعات.

ولكن مع رئاسة دى سيلفا حدث تحولات كبيرة فى اقتصاد البرازيل بفضل المنهج الذى وضعه لبناء الدولة، والمتمثل فى الديمقراطية والسياسة المتوازنة بين البرامج الاجتماعية للأسر الفقيرة إلى جانب التصنيع والتصدير اعتمادا على عدد كبير من الشركات العملاقة.

واستطاع إخراج أكثر من 20 مليون شخص من تحت خط الفقر وتحسين حالاتهم المادية، ماجعل ريو دى جانيرو العاصمة الاقتصادية تحصل على فرصة تنظيم دورة الألعاب الأوليمبية الصيفية 2016، وبهذا ستكون هى المرة الأولى التى ستعقد بها دورة الألعاب الأوليمبية فى أمريكا الجنوبية.

ورغم إنهيار البورصة عند فوزه بالرئاسة، وإنخفاض سعر الريال البرازيلى مقارنة مع الدولار، إلا أن دى سيلفا نجح فى إحتواء رجال الأعمال بالتوازى مع برامج مكافحة الفقر.

واستعان بمجموعة من المستشارين الاكفاء فى المجال الاقتصادى، واعتمد على مجموعة من الشركات الكبيرة التى تنتج السيارات والطائرات، بالإضافة إلى مصانع المنتجات الغذائية مثل اللحوم والدواجن.

وقدم مثالا على الرئيس الاشتراكى الذى يضع الهيكل الرأسمالى لشعبه كما ادى انخفاض سعر الريال البرازيلى إلى زيادة صادرات البرازيل.

وحول الحياة الاجتماعية فى البرازيل،استطاع دى سيلفا التغلب على كل هذه المشاكل، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وذلك من خلال فرض الضرائب التصاعدية،اذ نجح فى توفير ما يقارب 60 مليار دولار خصصها لمساعدة الأسر الفقيرة والقضاء على ظاهرة توارث الفقر.

ونجح الرئيس البرازيلى فى تطبيق برنامج «بولسا فاملى» وهو برنامج لتحسين الاوضاع الاجتماعية،اذ حسنت اوضاع 8 ملايين أسرة فقيرة،وذلك بتوفير دخل بحد أدنى 160 دولارًا.

_اليونان

كانت اليونان منذ 3 سنوات أكثر دول العالم اقترابًا من حافة الافلاس الفعلي، وتمثلت أزمة اليونان الكبرى في الاقتراض، حيث ارتفع قيمة الديون السيادية على أثينا لدرجة أعلنت معها اقترابها من العجز عن السداد، وهو ما كان يهدد انذاك بأزمة مالية عالمية كبرى.

ومع منتصف عام 2010 طلبت اليونان رسميًا من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي الحصول على مساعدات عاجلة لتتمكن من سداد فوائد وأقساط الديون في مواعيدها المقررة.

وبشكل تلقائي ارتفعت قيمة التأمين على الديون السيادية لليونان، وصعدت أسعار الفوائد على الديون، ما عزز من الأزمة المالية الطاحنة لأثينا.

لجأت اليونان للاتحاد الأوروبي التي تتمتع بعضويته في محاولة لإنقاذ الوضع قبل أشهر قليلة من حلول موعد سداد أقساط ديونها.

واختلف رأي زعماء الاتحاد الأوروبي آنذاك بين مساعدة اليونان أو إقصائها بعيدًا عن الاتحاد لمنع تأثر الدول الأوروبية بهذه الأزمة، ليختاروا في النهاية تقديم المساعدة لأثينا.

واتفق زعماء أوروبا – بدعم من صندوق النقد الدولي – على تقديم حزمة مساعدات إلى اليونان بقيمة 110 مليار دولار على مدار 3 سنوات.

وشملت حزمة المساعدات دعم مالي مباشر، بالإضافة إلى برنامج لمبادلة الديون، وشطب جزء من ديون أثينا لدى دول وجهات تابعة للدول الأوروبية.

كما منحت أوروبا اليونان حزمة مساعدات ثانية في منتصف 2012، لاستكمال خطة الانقاذ، وفي محاولة لتقليص العجز في

الموازنة بنحو 150 بالمئة من الناتج القومي للبلاد.

ولم يكن هدف أوروبا يقتصر على مساعدة اليونان فحسب، وإنما مساعدة مؤسسات الاتحاد الأوروبي كذلك ومنعها من الانهيار حال إعلان اليونان عجزها عن السداد وما قد ينطوي عليه من افلاس عدد من البنوك والمؤسسات الأوروبية.

ورغم ذلك اشترط الاتحاد الأوروبي اجراءات تقشفية يونانية صارمة، لكبح جماح عجز الموازنة.

ووفقًا للخطة الأوروبية كان على اليونان تقليص عجز الموازنة من نحو 9 بالمئة من الناتج القومي إلى 3 بالمئة فحسب بنهاية عام 2014.

وأجرت أثينا – تحت رقابة صارمة من الاتحاد الأوروبي – اجراءات تقشفية واسعة شملت تخفيض في كل بنود الانفاق العام، من ضمنها تقليص الرواتب ومكافآت العمل الاضافي للموظفين الحكوميين وتكاليف السفر وغيرها من المصروفات الحكومية.

كما قلصت اليونان من برنامج المعاش للموظفين، وقامت بتسريح الآلاف من الموظفين الحكوميين من وظائفهم.

وقامت الحكومة برفع الضرائب على السيارات والوقود وبعض السلع الترفيهية، في محاولة لخفض العجز.

وشهدت البلاد عدة تظاهرات شعبية غاضبة من الاجراءات التقشفية الصارمة والكبيرة، والتي اعتبرها اليونانيين تدخلا أوروبيًا في شئونهم، وتقليصًا من السيادة الوطنية، بالإضافة لكونها زادت معاناة الشعب.

ورغم الغضب الشعبي الذي ظهر بين الشعب اليوناني خلال الأعوام الماضية جراء الاجراءات الاقتصادية الصارمة، إلا أن الواقع يؤكد نجاح الخطة في تحقيق الهدف منها.

فقد تراجع العجز في الميزان التجاري ليشهد تحقيق فائض بنهاية شهر يناير الماضي، للمرة الأولى منذ 66 عامًا.

كما تشير التوقعات إلى انتهاء فترة الكساد والتراجع الاقتصادي بنهاية العام الحالي، ليعاود الاقتصاد تسجيل نسب نمو إيجابية من جديد.

وجاءت المعجزة التاريخية اليونانية - كما أطلق عليها أحد المصرفيين اليونانيين في حديثه مؤخرًا لبلومبيرج – بسبب تجرع الدواء المر في شجاعة.

فقد أدى الوضع الاقتصادي المتأزم واتساع الفجوة بين الإيرادات والمصروفات إلى السعي لتقليص الهوة بالعمل على الجانبين في آن واحد.

فاتجهت أثينا إلى تقليص المصروفات بشدة بتخفيض الانفاق الحكومي الغير ضروري، مع الاهتمام بزيادة الموارد.

وقلصت اليونان من وارداتها من السلع والخدمات بنحو 6.1 بالمئة، بينما تمكنت من زيادة صادرتها بنسبة 1.6 بالمئة بنهاية شهر يناير الماضي.

وكان دخل السياحة أحد أهم الموارد التي ساهمت في الوصول لتحقيق فائص في ميزان المدفوعات اليوناني، حيث ارتفعت على اساس سنوي بنحو 16 بالمئة بنهاية شهر ديسمبر الماضي.

_كوريا الجنوبية

-تعرضت كوريا لدمار كبير سواء خلال فترة الاحتلال الياباني لها، أو حتى بعد استقلالها عام 1945 م، لكن بعد إعلان الاستقلال، انقسمت كوريا إلي قسمين الجنوب، والشمال وكل منهما خاضع لسيطرة دولة غير الأخرى، وبالتالي حدث صراع كبير بين الشمال والجنوب استمر ثلاث سنوات منذ 1950 حتى 1953.

ثم بدأت عمليات التنمية منذ عام 1961 م، حيث عملت الحكومة علي تشجيع الادخار والاستثمار، والتوجه إلي تأميم المصانع، والوحدات الإنتاجية لتوجيهها إلي إنتاج ما تحتاجه الدولة وفقًا لرؤيتها، إضافة إلى تبني سياسات تسعي إلي تحفيز الصادرات، بهدف توفير العملات الخارجية التي تساعد علي تدعيم ميزان المدفوعات، وتوفير الموارد المالية اللازمة لشراء احتياجات الدولة من الأسلحة والتكنولوجيا اللازمة للإنتاج.

ومع بداية التسعينات، أدركت كوريا حجم المنافسة الشديدة التي تمثل تحدي كبير لها، وهي المنافسة مع الدول الصاعدة من حيث الإنتاج، والتصدير، ولذلك اهتمت، بالتوسع في قطاعات اقتصادية جديدة من شأنها زيادة حجم الاستثمارات، وكان بذلك بفضل تبني سياسات الاهتمام بالتعليم، والتدريب الفني للعمال، حيث أنشأت العديد من المدارس، والمعاهد التعليمية، ومراكز البحوث، والعمل علي أصبحت تمثل تلك الصناعات حوالي 69% من صادراتها.

ثم تعرضت لأزمة جديدة مع أزمة دول النمور الأسيوية، وتراجع الإنتاج، والاستثمار ما نتج عنها بداية عصر جديد وهو التوجه نحو الاقتصاد الحر وتراجع دور الدولة وترك مساحه أكبر للقطاع الخاص للمشاركة في التنمية الاقتصادية.

وبعد سنوات، واعتمادا على مواردها الطبيعية والبشرية، استطاعت كوريا الجنوبية انجاز قفزة سريعة في مسيرة تطوريها وحققت نهضة شاملة في كل المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية وأصبحت تحتل موقعًا مرموقًا في الاقتصاد الدولي ولاشك أن هذا التطور السريع والشامل لابد أن يكون برهان تجربة رائدة في ميدان التطوير والنمو تميزت به كوريا الجنوبية عن غيرها من دول العالم الأخري.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً