انسدت أمامى كل سُبل الحياة.. ماذا أفعل وأنا أم لطفلين، ولا أستطيع أن أدبر لهما قوت يومهما، بعدما تحديت أسرتى، وتزوجت شابًا لم يرضَ عنه أحد.. كنت الابنة الوحيدة لوالدَى، ونشأت فى بيئة مدللة لا ينقصنى شىء.. كل أحلامى كانت أوامر تنفذ عندهم.. تعلمت فى أغلى وأرقى المدارس الأجنبية، والتحقت بجامعة خاصة كأي ابنة ثرية، وتخرجت فيها ليوفر لى والدى وظيفة فى شركة استثمارية براتب خيالى، لتعطيني الحياة كل ما أردته، حتى جاء اليوم الذي شطر حياتي وقلبي نصفين.
تعرفت على "أحمد" فى زيارة لإحدى صديقاتى، جذبنى إليه بوسامته المفرطة، فقد كان حقًا يشبه نجوم السينما فى أناقته واهتمامه بنفسه.
بدأ هو يومها جذب أطراف الحديث معى، وعرف عنى كل ما أراد أن يعرفه، من أنا، وماذا يعمل والدى، وأين نسكن، وأين أعمل، بينما لم أعرف عنه شيئًا.
توطدت العلاقة بيننا كما لم يحدث لى من قبل.. بتّ أنتظر لقاءه وحديثه وتليفونه، وتعلقت به كثيرًا حتى طلب منى الزواج.. لا أكذب عليك حينها طرت فرحًا فها هو حبيبى، الذى تحسدنى عليه كل صديقاتى يقترب منى أكثر، ويريد الزواج بى.
طلبت منه أن يحدد موعدًا مع والدى، فى البداية ماطل بحجة أن الوقت غير مناسب، لأنه يمر بظروف سيئة فى عمله، ولكن مع إلحاحى عليه حددت له موعدًا مع أسرتى.
قابل "أحمد" والدي وأسرتى، وتكلم أبى معه كثيرًا، وخرج أبي وقتها بانطباع عنه.. أذكر ما قاله يومها: "الولد ده مش مظبوط"، حاول والدي فى البداية احتوائى واحترام مشاعرى، وتحفظ قليلًا، وطلب منى أن أنتظر حتى يسأل عن "أحمد"، وعن أسرته، وظروفه وعمله.
مرّ أسبوع عصيب عليّ، كنت كل يوم أنظر لوجه أبى فأراه على غير ما تعودت عليه، وجهًا بشوشًا ترتسم عليه دائمًا علامات الرضا والسعادة حين يرانى.. في النهاية سألت والدى: لمَ كل هذا الصمت بيننا؟.. ماذا حدث وتخفيه عني؟.
صارحنى والدى بأن هذا الشاب لا يمكن الارتباط به، لأن أسرته من مستوى اجتماعى منخفض جدًا، وأنه لن يستطيع توفير الحياة الكريمة التى اعتدت عليها.. لم تقنعنى حجة والدى، وقلت له إنه لا يعيب الإنسان فقره، وأن صراع الطبقات هذا لم يعد له مكان فى عصرنا هذا، وأن الإنسان بنفسه ونجاحه.
لم يقتنع والدى ولا أسرتى بتبريراتي، ولم يقف أحد بجانبى، ومع إصرارهم على الرفض، زاد عنادى وإصرارى في المقابل، وكأن فكرة الارتباط بـ"أحمد" قد سيطرت على كل عقلي، وشلّت تفكيري.
حاولت الاتصال كثيرًا بـ"أحمد"، وطلبت منه أن يأتى، ليقابل أبى مجددًا، ويقف معى، فحقًا كان ما يدور وقتها فى منزلنا معركة يجب أن يقف فيها أحد معى.. جاء "أحمد" وقابل والدى مجددًا، لكن أبي قابله بطريقة سيئة ومهينة، واتهمه بأنه تعمّد اختيار ابنة من وسط اجتماعى عالٍ، وأنه طامع و"صائد للفتيات"، وأنه.. وأنه.
لم يحاول "أحمد" الدفاع عن نفسه وقتها وغادر بيتنا سريعًا، ولم يرد على اتصالاتي، وحاولت الوصول إليه، ولم أفلح، حتى تمكنت من معرفة مكان بيته، وذهبت له فى منزل أسرته، ولم أستطع الوصول له بسهولة، فقد كان يسكن فى عطفة متفرعة من إحدى الحوارى بأحد الأحياء الشعبية الفقيرة.
فى البداية صعدت الأدراج مسرعة حتى أراه، وأطيّب خاطره، فقد قسا أبى عليه كثيرًا، فتحت لى سيدة الباب، وسألتها عن "أحمد"، فقالت لى نصًا: "هتلاقيه مرمى عندك ع القهوة تحت"، بحثت عنه، وشاهدته بالفعل على المقهي بين أناس طريقتهم فى الجلوس والكلام مختلفة كليًا عنه.. شاهدنى، وفى البداية لم يعرنى اهتمامًا، وبعدما شاورت له قام ليحدثنى: ماذا تريدين، وقد فعل بى والدك ما فعل؟.. بكيت كثيرًا وأخبرته بأن والدى يخاف عليّ فقط، وأن حبه يسيطر على وجداني، وأننى مستعدة للزواج به على الفور دون انتظار، حتى ولو على غير رغبة أسرتي، فأنا أحبه هو، ولا تعنينى بيئته.
وقفت أسرتى بكل قوتها في وجهي، محاولة إثنائي عن قراري، لكن دون جدوى، وتحديت الكل، ورفض والدى حضور زفافى، وحضر خالى فقط عقد قرانى، وقاطعتنى كل أسرتى.
بعدها استأجرنا بيتًا صغيرًا وجهزناه جهازًا بسيطًا، وكان معظمه من راتبى، فقد كان راتبه بسيطًا بالنسبة لى .. فى البداية مرت الأيام سعيدة، ورزقنا بأول أبنائى، وأنا ألحظ عليه شدة الإفراط فى العناية بنفسه والإغداق عليها بكل حديث وغالٍ فى السوق، وكنت أرجع ذلك إلى أنه يحافظ دومًا على وسامته.
انشغلت بطفلى الصغير، وبدأت ألاحظ عليه التأخير فى الرجوع للبيت، وقضاء معظم الوقت على الشات، والغياب عن البيت كثيرًا، واصطدمت معه كثيرًا، وطلبت منه أن يساعدنى فى الإنفاق على البيت، فقد تركت عملى مؤقتًا حتى أرعى ابننا.
وفى أحد الأيام جاءته رسالة على هاتفه وقرأتها، ويالهول ما رأيت وقرأت.. فزوجى يؤجر نفسه لسائحات العرب.. زوجى تتهافت عليه راغبات المتعة الحرام، ويواعدنه عامًا بعد عام.. فسّر لى ذلك إفراطه الشديد فى الاهتمام بنفسه وملابسه، والمحافظة بجنون على قوامه، والاهتمام المفرط بأن يعالج أى جرح فى وجهه حتى ولو كان بسيطًا، فزوجى رأس ماله جماله وجسمه.
نفرت منه، وصرت لا أستطيع القرب منه، وطلبت منه الانفصال، ورحب هو سريعًا، فقد كنت بالنسبة له فرصة للزواج من ابنة أحد الأثرياء، وعندما يئس من وصال أهلى معى لفظنى.
زوجى صائد بنات الأثرياء وبنات العرب، يبيع جسده مقابل المال الحرام.. هنا كانت النهاية، وكان أبي محقًا في كل شيء.
ماذا أفعل الآن، وقد انفصلت عنه ومعى طفلان، الأول أربعة أعوام، والابنة الصغرى عمرها شهران، لم يشاهدها والدها إلى الآن، وبدأ ما معى من مال ادخرته من عملى ينفد، وخجلي يمنعني من طرق أبواب والدي.
الرد
من أكبر الأخطاء أن تتحدى البنت أسرتها، وتتزوج ممن يرفضه أهلها، فدائمًا يكون هناك مبرر للرفض لا يدركه الأبناء بحداثة عمرهم، وقلة خبرتهم فى الحياة.. حاولى جاهدة الاعتذار لوالديك، والتواصل معهما، وليساعدك فى ذلك خالك، حتى تعود الأمور بينكم إلى ما كانت عليه، فقد زال سبب الخلاف وانتهت علاقتك به بالانفصال تمامًا عنه.
أعتقد أن والديك لن يرضيهما وضعك الحالى، وسيعاودان احتضانك أنت وأبنائك كذلك.. عليك بالمحاولة للرجوع لعملك، حتى تستطيعى الإنفاق على أبنائك، فمثل هذا الرجل لا أتوقع منه أن يحمل أى مسؤولية تجاهك أو تجاه أبنائك.. فليكن سيدتي ما مضى من حياتك درسًا تعلمت منه جيدًا أن الأهل هم الملاذ الذى لا يجب الانفصال عنه نهائيًا، وأنهم السند، فأنت مازلتِ صغيرة فى مقتبل الحياة، ستداوى الأيام جرحك، وسيعوضك الله خيرًا.
نقلا عن العدد الورقي.