في كل سنة يطلّ علينا أعظم شهور السنة، ألا وهو شهر رمضان المبارك، شهر الرحمة والغفران، الشهر الذي نزلت فيه أول آيات القرآن الكريم على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، فكما قال جلّ وعلا في كتابه الكريم: " شهرُ رمضانَ الذي الذي أُنزِل فيه القرآن هدى للناس وبيناتٍ من الهدى والفرقان ". وفيه أعظم ليلة من ليالي السنة ألا وهي ليلة القدر التي تتضاعف فيها الأجور ويستجاب فيها الدعاء، فقد وصفها الله عزّ وجلّ في الآية الكريمة : "ليلة القدرِ خيرٌ من ألف شهر"، فالعبادة في هذه الليلة تعادل عبادة المسلم في ألف شهر، وفي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد الشياطين، فيكفي المسلمين الصائمين المتعبدين أنّ الله عزّ وجلّ خصهم بباب من أبواب الجنة يدعى الريان، لا يدخل منه إلا الصائمون فقط.
وشهر رمضان يأتينا في كل عام كهدية ربانية، أو كفرصة يجب علينا اغتنامها بالتعبد والدعاء والإبتهال إلى الله عزّ وجلّ، والتحلّي بالأخلاق الحسنة، والتراحم والتعاطف مع الآخرين، وترك المعاصي والآثام والإقلاع عنها، فطوبى لمن اغتنم شهر رمضان وعرف منزلته العظيمة، فهو المحطة الأولى من محطات السفر إلى جنان الخلد. وشهر رمضان مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالصيام.
والصيام هو الامتناع عن تناول الطعام والشراب والابتعاد كل البعد عن أي من المفطرات؛ امتثالاً لأمر الله سبحانه وتعالى منذ بزوغ الفجر وحتى مغيب الشمس، كما في قوله تعالى : "وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل". وصيام شهر رمضان واجب وفرض عين على كل مسلم ومسلمة يتصفون بالبلوغ، العقل، والرشاد، وهو ركن من الأركان الخمسة التي بني عليها الإسلام، كما ثبت في الآية الكريمة : "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون ".
وفي بعض الأحيان قد يلجأ بعض الأشخاص إلى الإفطار في شهر رمضان إمّا بعذر شرعي، أو بدون عذر يبيح ذلك، وفي ما يلي الحكم في كلا الحالتين: الإفطار في شهر رمضان بعذر شرعي كالمرض، والحيض، والنفاس، أو الحامل التي تخشى على جنينها، والسفر لمسافة بعيدة، وغيرها من الأعذار الشرعية، فيجب على المسلم هنا قضاء الأيام التي أفطر فيها قبل حلول شهر رمضان في العام الذي يليه فقط دون دفع كفارة.
وترك الصيام في شهر رمضان دونما عذر شرعي، يعتبر المسلم هنا آثماً وفاسقاً وقد ارتكب معصيةً وعليه أن: يستغفر ويتوب إلى الله عزّ وجلّ توبةً نصوحةً. يقضي الأيام التي أفطر فيها. يدفع الكفارة، وله خياران: أن يصوم شهرين متتابعين، بحيث يجب أن يصوم واحد وثلاثين يوماً منها بشكل متتالي. إطعام ستين مسكيناً، والمقصود بالإطعام هنا هو إشباعهم بوجبة كاملة ومغذية، أو أن يقدم لهم ثلاثة أرباع الكيلو من أي من المواد الغذائية كالأرز، أو القمح، أو التمر، أو الخبز، أو الدقيق، وغيرها، أو من الممكن إعطاء كل فقير منهم ثمن الوجبة نقداً وتوكيلهم بشراء الطعام، مع الوثوق بهم في ذلك.
أما بالنسبة لمن أفطر عمداً في شهر رمضان: من أفطر على الحلال كشرب الماء أو تناول الخبز أو أي من الأطعمة المحللة وجب عليه الصيام ودفع الكفارة كما ذكرنا في الحالة السابقة. من أفطر على أيّ من المحرمات كالخمر، أو الزنى، يجب عليه أن يجمع بين كفارتين السابقتين، وهما الصيام والإطعام.
ومن كرّر الإفطار العمد في رمضان فإنّ ذلك من الكبائر، ويجب التوبة إلى الله عزّ وجلّ لتجنّب عقابه جلّ وعلا.