عقب محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرض لها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، منتصف شهر يوليو من العام الماضي، شرعت أنظار العالم برمته تتجه نحو بلاده التي دائمًا ما يزعم أنها "بلد ديمقراطي"؛ نظرًا لتشديد القبضة الأمنية من قِبله على جميع معارضيه أو غير معارضيه، الأمر الذي جعل العديد من الإدانات الدولية تُوجه لتصرفات نظامه إزاء قمع الحريات والتعذيب، فضلًا عن علاقته غير المعلنة بالتنظيمات المسلحة في البلدان التي تشهد صراعات وحروب.
وشهدت الجمهورية التركية، محاولة انقلاب، على نظام ممثل حزب "العدالة والتنمية"، إلاّ أنها سرعان ما أعلنت فشلها، للتأييد الشعبي الذي حظي به رأس السلطة في منتصف شهر يونيو من العام الماضي.
"أهل مصر" تستعرض خلال التقرير التالي، تبعات محاولة هذا الانقلاب، وتأثيرها على الحريات داخل أنقرة.
- الإعدام الجماعي:
عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، أعلن أردوغان صراحة في إحدى المقابلات التليفزيونية عبر شبكة CNN عزمه على إصدار تعليمات من شانها تفضي إلى إعدام جماعي لكل من يشتبه به في إحداث هذا الانقلاب.
تمهيدًا لهذه القرارات، دعا أردوغان، البرلمان للموافقة على عودة العمل بعقوبة الإعدام، ليتم استفتاء الشعب عليها في منتصف شهر أبريل الماضي، حيث تم الموافقة عليها، وهي الخطوة التي قد تنهي محاولة أنقرة الانضمام للاتحاد الأوروبي.
كانت تركيا قد أنهت عقوبة الإعدام تماما عام 2004 كجزء من جهودها للانضمام للاتحاد الأوروبي والذي جعل إزالة هذه العقوبة شرطا غير قابل للتفاوض لعضويته.
اعتقال المعارضين.
بالرغم من التدخل الدائم من قِبل اردوغان في شئون البلدان العربية، خاصة فيما يتعلق بالحريات مثل مصر وسوريا، إلاّ أنه أخرق كافة العهود والمواثيق الدولية الخاصة بالحريات، إذ شرع باعتقال آلاف من السياسيين والمثقفين وأستاذة الجامعة والعسكريين بالإضافة إلى الصحفيين، موجهًا إليهم التهمة التي بات يعتادها الأتراك في الوقت الراهن، وهي "المشاركة في الانقلاب".
وبحسب وزارة الداخلية التركية، فإنه تم اعتقال أكثر من ألف شخص يشتبه بأنهم من أنصار الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة فتح الله غولن، المتهم الرئيس في التخطيط للانقلاب الفاشل، وذلك بعد أسبوع على فوز اردوغان في استفتاء لتوسيع صلاحياته.
نتيجة لهذه الإجراءات التعسفية، أدانت العديد من منظمات حقوق الإنسان الدولية والإقليمية النظام التركي، وصلت حتي طالب البرلمان الأوروبي، تجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد بسبب حملة القمع التي وصفها بـ"غير المتكافئة"، ليوافق عليه "479صوت" مقابل 37، فيما امتنع 107نائب عن التصويت.
- محاكمة غيابية:
عقب إصدار الرئيس التركي أوامره، بفرض حالة الطوارئ، في البلاد، في أعقاب محاولة الانقلاب، شرعت السلطة التنفيذية في محاكمة آلاف من الأشخاص المتهمين بتواجد علاقة بينهم وبين فتح الله جولن، وذلك غيابيًا، إذ بلغ عددهم نحو "270".
ذكرت وكالة "الأناضول" للأنباء، أن بين المشتبه فيهم الـ270، هناك 152 أوقفوا على ذمة التحقيق، ومعظمهم عسكريون، بينهم عدد كبير من الضباط السابقين من ذوي الرتب العالية، مثل الجنرال السابق المسؤول عن منطقة ايجه، ممدوح حق بيلان.
بحسب "الأناضول" فإن التهم الأخرى الموجهة إلى المتهمين تشمل أيضًا "محاولة إطاحة النظام الدستوري" و"محاولة إطاحة البرلمان أو منعه من القيام بواجباته"، فيما يزال 43 ألف شخص موقوفين بانتظار المحاكمة.
استمرار انتهاكات النظام التركي، لم تتوقف عند هذا الحد بل امتدت لتشمل "29 شرطيًا" حوكموا في إسطنبول، لعدم دفاعهم عن أردوغان، في حين يحاكم "62 جنديا" وُصفوا بـ"الانقلابين"؛ لاتهامهم بمحاولة الاستيلاء على مطار "صبيحة كوكجن"، منتصف ليل يوليو الماضي.
- اغتصاب في السجون:
منذ بدء حملة النظام التركي، المتعلقة باعتقال المعارضين وممن يشتبه بعلاقاتهم جولن، تواترت أنباءًا تٌفيد بتعرض هؤلاء المعتقلون للتعذيب والاغتصاب داخل السجون، إلاّ أنه لم تجد أصداء جدية؛ نظرًا لعدم توافر الأدلة الكافية لذلك.
لكن منظمة "العفو الدولية"، فجرت مفاجأة مطلع شهر يونيو الماضي، حيث أعلنت امتلاكها "أدلة ذات مصداقية" على تعرض معتقلين ألقي القبض عليهم في حملة التطهير التي أعقبت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا، إلى التعذيب والاغتصاب.
المنظمة المعنية بحقوق الإنسان، نشرت بيانا مُفصلُا تقول فيه إنها "تملك معلومات ذات مصداقية مفادها أن الشرطة التركية في أنقرة وإسطنبول تحتجز معتقلين في ظروف مؤلمة لفترات يمكن أن تصل إلى 48 ساعة".
أشارت "العفو الدولية"، بشكل خاص إلى حرمانهم من الطعام والمياه والدواء، إلى جانب توجيه تهديدات وشتائم إليهم و"في الحالات الأكثر خطورة" تعرضهم للضرب والتعذيب والاغتصاب.
- تأميم الممتلكات الخاصة:
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم تتوقف إجراءاته التعسفية عند قمع الحريات فقط، وإنما امتدت إلى إصدار تعليمات استثنائية متعلقة بتأميم وغلق العديد من المؤسسات الخاصة بالتعليم والصحة وغيرها، ففي مطلع شهر سبتمبر الماضي، أعلنت السلطات التركية، إغلاق مؤسسات صحية وتعليمية وجمعيات تابعة لما يسمى منظمة "الكيان الموازي.
ذكرت وكالة "الأناضول التركية"، أن عمليات الإغلاق شملت 35 مؤسسة صحية، و1043 مؤسسة تعليمية خاصة وسكنا طلابيا، و1229 وقفا وجمعية، و19 نقابة واتحاد نقابات، و15 من مؤسسات التعليم العالي الخاصة.
الوكالة التركية، قالت إن ملكية جميع الأصول المنقولة وغير المنقولة للجمعيات المغلقة ستنقل إلى جانب حقوقها وديونها ووثائقها وأوراقها إلى المديرية العامة للجمعيات، فيما ستنتقل ملكية جميع الأصول المنقولة وغير المنقولة للمؤسسات المغلقة الأخرى إلى الخزانة العامة للدولة.
- تبادل تجاري مع "داعش":
على الصعيد الخارجي لم تتوقف الإدانات الدولية للرئيس التركي، على ضوء علاقاته الاقتصادية مع تنظيم ما يُعرف بـ"الدولة الإسلامية"، إذ وُجهت له العديد من الاتهامات المتعلقة بحصوله على النفط من التنظيم في سوريا والعراق بأسعار زهيدة، مقابل السماح لبعضهم بعبور سوريا عبر بلاده.
وبرغم نفيه الدائم لهذه الاتهامات، إلاّ أن بعض الصحف التركية والغربية وجهت الاتهامات إلى نجله "بلال" الذي يقبع في إيطاليا، حاليًا، حيث زعمت بأنه على علاقة بالتنظيم هو أيضًا من أجل علاقات "اقتصادية مشبوهة".