أودعت المحكمة الإدارية العليا حيثيات حكمها بإحالة الطعن على قرار رئيس مجلس الوزراء بإعادة محاكمة المتهمين في قضية خلية الزيتون، بعد صدور أحكام براءة لهم إلى المحكمة الدستورية للفصل في مواد ١٢ و١٤ ٢٠ من قرار رئيس الجمهورية بقانون الطوارئ رقم ١٦٢ لسنة ١٩٨٥.
وقالت المحكمة في حيثياتها إنه في حكم الأول من نوعه منذ 70 عامًا من تاريخ صدور قانون الطوارئ في الخمسينات بشأن سلطة رئيس الجمهورية وما يفوض فيه رئيس الوزراء من إلغاء أحكام البراءة التي يحصل المواطنون عليها وإعادة المحاكمات أمام دوائر أخرى في ظل حالة الطوارئ، ففي حكم تاريخي أعلنت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد الشاذلي والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي وسامي درويش ومحمود أبو الدهب نواب رئيس مجلس الدولة من شأن حقوق وحريات المواطنين وأنه لا يجوز التضحية بها أيًا كانت الذريعة، وقررت إحالة المواد (12و14و20) من قرار رئيس الجمهورية بقانون الطوارئ رقم 162 لسنة 1985 إلى المحكمة الدستورية العليا.
وأكدت المحكمة أن الدستور كفل استقلال القضاء ولا يجوز لرئيس الجمهورية ولا رئيس الوزراء إلغاء الأحكام الصادرة ببراءة المتهمين وإعادة محاكمتهم وإلا كان ذلك إعدامًا للأحكام القضائية وليس عدوانًا فحسب، وأن القضاء سلطة وليس جهة إدارية تابعة لرئيس الجمهورية وصدور قانون الطوارئ بناء على نص في الدستور لا يعنى تجاوز باقى نصوصه وشبهة مخالفة عشرة نصوص دستورية.
واستندت المحكمة الإدارية العليا عدة مبادئ جديدة للسلطة التشريعية في ضوء أحكام الدستور الجديد بعضها استقر عليه القضاء الدستورى أهمها 8 مبادئ: (1) إقحام المشرع لرئيس الجمهورية في إلغاء الأحكام وإعادة المحاكمة في قانون الطوارئ لا يستظل بظل أي نص من نصوص الدستور ويشكل تدخلًا محظورًا في أعمال القضاء وإخلالًا بمبدأ الفصل بين السلطات وعدوانًا على استقلال القضاء.
(2) المحاكمة العادلة هي المنصفة للمتهم وليس تحقيق عدل شكلي يُكتفى فيه بوقوف المتهم أمام قاض وتنتفى إذا كان مصير حكم القضاء معلقًا غير نافذ حتى يصدق عليه رئيس الجمهوري.
(3) لا يجوز للسلطة التشريعية تمكين السلطة التنفيذية بإجهاض قرار قضائي وليس لعمل تشريعى أن يناقض قرارًا قضائيًا ولا أن يحور الآثار التي رتبها.
(4) القضاء يستقل بشئونه كافة، ومنح رئيس الجمهورية الاختصاص بإلغاء الأحكام في حالة الطوارئ لا يبقى معه أي استقلال ويحيل القضاء جهة إدارية تابعة لرئيس الجمهورية وحكم القاضى لا يلغيه إلا قاضى مثله وحكم المحكمة لا يلغيه إلا المحكمة المختصة بالطعن.
(5) قانون الطوارئ يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعى وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى، وصدوره بناء على نص في الدستور لا يعنى أن يتجاوز باقى نصوصه.
(6) دستور 1923 ودستور 1930 أجازا تعطيل بعض أحكام الدستور وقتيًا في زمن الحرب أو أثناء قيام الأحكام العرفية، والدستور الحالي لم يتضمن نصًا مماثلًا ويحظر على السلطتين التشريعية والتنفيذية تعطيل أي حكم من أحكام الدستور يمس استقلال القضاء وحقوق وحريات المواطنين مهما كانت الذريعة.
(7) الدستور لم يمنح رئيس الجمهورية أي صفة قضائية تجعل منه معقبًا أو رقيبًا على أحكام القضاء مثل التصديق على الأحكام وإلغائها والأمر بإعادة المحاكمة.
(8) تعليق نفاذ الأحكام في حالة الطوارئ على تصديق رئيس الجمهورية، ومنحه الإلغاء وإعادة المحاكمة أمر ينطوى على تسخير القضاء لرئيس الجمهورية.
وأشارت المحكمة إلى أنه إذا كان الدستور قد عصم القضاء من تدخل السلطة التنفيذية في شئونه أو في شئون العدالة والقضايا، ولم يمنح الدستور رئيس الجمهورية أي اختصاص يجيز له التأثير في القضايا وليست له صفة قضائية تجعل منه معقبًا أو رقيبًا على أحكام القضاء فإن سماح النصوص المشار إليها لرئيس الجمهورية بالتصديق على الحكم وبإلغائه وبالأمر بإعادة المحاكمة في ظل نص في قانون الطوارئ لا يسمح للمتهم بالطعن على الحكم الصادر ضده من المحاكم المشار إليها في قانون الطوارئ يجافي المبادئ الأساسية للعدالة التي تحكم عمل القضاء ويهدر مبدأ المحاكمة العادلة المقرر في المادة (96) من الدستور التي تنص على أن المتهم برئ حتى تثبت إدانته في محاكمة قانونية عادلة تكفل له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وهي المحاكمة العادلة كما وصفتها المحكمة الدستورية بأنها المحاكمة المنصفة لتكون غاية كل محاكمة جنائية هي إنصاف المتهم وليس تحقيق عدل شكلى يكتفى فيه بوقوف المتهم أمام قاض وتنتفي المحاكمة المنصفة والمحاكمة العادلة إذا كان مصير حكم القضاء وهو حاصل أعمال جهة التحقيق والدفاع والقضاة بيد سلطة غير سلطة القضاء ويبقى معلقًا غير نافذ حتى يصدق عليه رئيس الجمهورية، وله أن يلغيه وأن يأمر بإعادة المحاكمة بحسب النتيجة التي يريدها ويقبلها دون معيار أو ضابط من القانون وهو أمر ينطوى على تسخير القضاء لرئيس الجمهورية وعلى إخلال بمبدأ المحاكمة العادلة وتشوب نصوص المواد المشار إليها شبهة مخالفة المادة (96) من الدستور.
واستطردت المحكمة أن القضاء الدستوري استقر على أن قانون الطوارئ هو محض نظام استثنائى قصد به دعم السلطة التنفيذية وتزويدها بمكونات معينة تحد بها من الحقوق والحريات العامة، بهدف مواجهة ظروف طارئة تهدد السلامة العامة أو الأمن القومي للبلاد، - وتبعًا لذلك - لا يجوز التوسع في تطبيقه، ويتعين التزام التفسير الضيق لأحكامه، ويجب على السلطة التي حددها قانون الطوارئ وتتمثل في رئيس الجمهورية أو من ينيبه أن تتقيد بالغاية المحددة من قانون الطوارئ وبما لا يخرج عن الوسائل التي تتفق مع أحكام الدستور، وذلك عند اتخاذ أي إجراء أو تدابير المنصوص عليها في القرار بقانون رقم 162 لسنة 1958، وإلا وقع ما اتخذته في حومة مخالفة الدستور.
كما أن نصوص الدستور لا تتعارض أو تتهادم أو تتنافر فيما بينها، ولكنها تتكامل في إطار الوحدة العضوية التي تنتظمها من خلال التوفيق بين مجموع أحكامها، مما يجعل منها نسيجًا متآلفًا متماسكًا، ومن ثم فإن القانون المنظم لحالة الطوارئ، يتعين أن يتقيد بالضوابط المقررة للعمل التشريعى، وأهمها عدم مخالفة نصوص الدستور الأخرى.