نشبت حالة من الجدل السياسي عقب التصريحات التي نقلتها وكالة الأنباء القطرية على لسان أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حول نجاح بلاده في بناء علاقات قوية مع أمريكا وإيران في وقت واحد نظرًا لما تمثله إيران من ثقل إقليمي وإسلامي، لا يمكن تجاهله، وليس من الحكمة التصعيد معها، خاصة أنها قوة كبرى، تضمن الاستقرار في المنطقة عند التعاون معها، وهو ما تحرص عليه قطر من أجل استقرار الدول المجاورة.
وتتميز العلاقة بين قطر وإيران بالتعاون الواسع، فالعلاقات القطرية الإيرانية لم تنقطع على نحو 3 سنوات، التي هي عمر جمهورية إيران، وهو يوضح أن الدوحة هي العاصمة الخليجية الأكثر قربًا من طهران، واستطاعت قطر أن تحقق توازنا في علاقتها بإيران ومجلس التعاون الخليجي، الذي تعتبر عضوة فيه.
ومنذ الثورة الإيرانية، لم تتأثر العلاقات مع قطر وبوجه الخصوص الشعية في قطر، فهم يمارسون الشعائر الدينية بكل حرية باعتبارهم شركاء في الدولة.
وتمثل العلاقات القطرية الإيرانية نموذجًا للعلاقات الدولية، وذلك يرجع إلى أن إيران دولة قوية على المستوي الإقليمي، وتسعى إلى أن يكون لها دور ريادي في منطقة الخليج العربي، أما عن قطر، فالبرغم من أنها دولة ذات حجم صغير، إلا أن لها دور كبير في السعي لإثبات الوجود في المنطقة العربية، ولكن بالرغم من سعي الدولتين إلى الحصول على الدور الرئيسي في المنطقة العربية، إلا أن ذلك لا يتعارض مع العلاقات المشتركة بين الدولتين، وذلك نابع من المصالح المشتركة بينهما.
وتعتبر قطر صاحبة أعلى تعاون وتفاهم مع إيران، على عكس الدول العربية الأخرى، فإيران تعتبر دولة قوية وذات نفوذ إقليمي، بالإضافة إلى تفوقها العسكري، وهذا ما يجعلها بحاجة لدولة قطر، التي تتميز بالاقتصاد القوي والنفوذ الدولي، بالإضافة إلى علاقتها الجيدة بأمريكا.
وفي بداية العام الحالي، تداولت وسائل الإعلام القطرية أخبارًا بشأن زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لقطر والتي تعد الأولى من نوعها منذ يوليو 2015.
وخلال اللقاء أكد ظريف لنظيره القطري، محمد بن عبدالرحمن آل ثاني، على تطلع بلاده إلى تعزيز التعاون مع دولة قطر، ودول المنطقة لإيجاد حلول للقضايا الإقليمية، التي من شأنها تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
التعاون الاقتصادية
أما عن العلاقة الاقتصادية بين البلدين، فإيران وقطر مشتركان في مشروع تطوير أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم، وهو حقل الشمال، وتمتلك إيران ثلث احتياطي الحقل في المياه الخاصة بها، أما عن مياه قطر، فتضم ثلثا قيمة الاحتياطي، ويقع الحقل على عمق 3 آلاف متر تحت قاع الخليج العربي، ويضم أكثر من 51 تريليون متر مكعب من الغاز، بالإضافة إلى 50 مليار متر مكعب من المكثفات السائلة، وهذا يجعله أكبر حقل للغاز الطبيعي في العالم.
اختلاف الروئ السياسية
وفي أواخر عام 2010 شهدت العلاقات الإيرانية القطرية على بعض الخلافات، بسبب اختلاف سياسة البلدين، وجاء ذلك مع بداية الحركات الشعبية العربية " ثورات الربيع العربي"، التي شهدتها البحرين وسوريا.
فقطر ترى أن ما شهدته البحرين من ثورة، ما هو إلا مشروع سياسي مذهبي ليس له علاقة بالحصول على الحرية، كما اعتبرت أن إيران هي السبب الرئيسي في هذه الثورة، وهذا ما دعا قطر إلى السعي لعودة الهدوء من خلال المشاركة العسكرية في قوات درع الجزيرة التي تم إرسالها إلى البحرين.
واتخذت قطر موقف مختلف مع الثورة السورية ضد نظام الحكم المدعوم من جانب إيران، واعتبرت أن ذلك استرداد للحقوق، وجاء ذلك نتيجة تخوف قطر ودول الخليج من محاولة إيران في الهيمنة على الدول العربية.
رجوع العلاقات إلى مجراها
في عام 2013 استعادت العلاقات الإيرانية القطرية رونقها من جديد، وجاء ذلك بعد تولي الشيخ تميم مقاليد الحكم، وتولي حسن روحاني، رئاسة إيران، وذلك تبعه إعادة هيكلة للسياسة الخارجية الإيرانية، وترتب على ذلك إصلاح العلاقة مع دولة قطر.
ملف الاتفاق النووي
كانت قطر من أوائل الدول التي شجعت على وجود حل سلمي في القضية النووية الإيرانية، وتدخلت لإجراء عدة مباحثات في هذا الشأن بين الولايات المتحدة وإيران، ويعتبر موقف قطر من هذه القضية مستقل عن باقي الدول الخليجية، التي رأي بعضها أن امتلاك إيران لسلاح نووي من شأنه أن يشكل تهديد إستراتيجي على الأمن القومي.
وفي هذا الشأن أكد السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريح خاص لـ "أهل مصر" أن قطر دائمًا ما تخرج عن خط سير الدول العربية، وهذا يؤدي إلى نوع من الاستفزاز لهذه الدول، موضحًا أن تصريح قطر بشأن علاقتها مع إيران، يدل على وجود علاقة جيدة بينهم، وذلك على عكس علاقة السعودية بإيران، مشيرًا إلى أن إيران في عيون قطر تمثل دولة إسلامية لها دور في الخليج العربي، ولكن ذلك به نوع من الصحة.
وأشار إلى أن قطر ليست قادرة على تغيير علاقتها بدول الخليج، ولكنها تسعي لإثبات وجودها في المنطقة، وذلك يمثل اتخاذ قطر لدور ليست مؤهلة لقيادته، معربًا عن حزنه على الدول العربية التي يغزوها الانقسام في التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية.
وأضاف أن قطر لم تسحب السفراء من بعض الدول العربية كما أعلن الشيخ تميم في تصريحاته التي تم نفيها عقب خروجها بوقت قليل، مشيرًا إلى أن قطر لها علاقة بإيران والدول الخليجية لا تنكر ذلك، ولا يمكن أن ننكر أيضًا أن الإمارات لها علاقات اقتصادية وتجارية وسياحية قوية، وهي تمثل الدولة الأولى في التعاون مع إيران، ولكن لا يصدر عنهم أي تصريحات عن مسار هذه العلاقات، ولكن التوقيت الذي انتشرت فيه التصريحات أثار ضجة وبلبلة في الشأن السياسي والدولي، نظرًا لأن القمة العربية الإسلامية لم يمر عليها سوي يومين.
واستنكر مساعد وزير الخارجية الأسبق، موقف أمريكا من هذه التصريحات، لأن المتعارف عليه أن هناك علاقات قوية تربط بين دولة قطر والولايات المتحدة الأمريكية، وهذا يطرح تسأول عن "سبب عدم اعتراض أمريكا بالرغم من وقوفها ضد الإرهاب في القمة العربية الإسلامية؟"، كما يثير علامات استفهام حول صمت أمريكا، ويدل على أن ما يحدث يمكن أن يكون تقسيم أدوار بين أمريكا وقطر، نظرًا لوجود تنسيق مع أمريكا لحل الأزمة السورية، والتي تعتبر إيران والسعودية درع أساسي فيها، وهذا يوضح دور إيران في الأزمة السورية.
وأشار إلى أن الجماعات الإرهابية التي تمارس الإرهاب في الدول العربية جميعها سنية، وتعود في الأصل إلى "أبو الأعلى المودودي"، الباكستاني، الذي ينتمي لمدرسة أحمد ابن حنبل، الذي يرجع أصله إلى المذهب الوهابي بالسعودية.