اعلان

ننشر حيثيات رفض المحكمة نقل النصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر

قضت المحكمة الإدارية العليا برئاسة المستشار الدكتور محمد مسعود رئيس مجلس الدولة وعضوية المستشارين أحمد الشاذلى والدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى وسامى درويش ومبروك حجاج نواب رئيس مجلس الدولة بقبول الطعن المقام من رجب عبد الستار، على شقيق شهيد حرب أكتوبر عبد الفضيل عبد الستار ضد رئيس الجمهورية بصفته الرئيس الأعلى للقوات المسلحة ومحافظ المنوفية، ورئيس مجلس ومدينة قويسنا والمستشار العسكرى لمحافظة المنوفية بإلغاء قرار الحكومة فيما تضمنه من نقل النصب التذكاري لشهداء حرب السادس من أكتوبر عام 1973 من ميدان نهاية شارع الجيش تقاطع صلاح سالم أمام الإدارة الزراعية بقويسنا بمحافظة المنوفية إلى مدرسة قويسنا الثانوية بنين ووضع نافورة للإعلان مكان نصب الشهداء وما يترتب على ذلك من أثار أخصها عودة النصب التذكارى لشهداء حرب اكتوبر من رجال القوات المسلحة إلى ميدان شارع الجيش وألزمت الحكومة المصروفات.

وأرست المحكمة الإدارية العليا ستة مبادئ للحكومة هى: (1) يحظر على الدولة نقل النصب التذكارى لشهداء الجيش من الميادين العامة إلى أماكن خاصة وشهداء الجيش ضحوا بحياتهم دفاعًا عن أرض الوطن وعرضه ومقدساته (2)جيش مصر هو الضمان الوحيد لاستقرار الوطن وتماسكه بمساجده وكنائسه، ولا يستوى من يعمل لنفسه ومن يضحى بحياته ليحيا غيره في زمن التحزب والفتن (3) وضع الحكومة نافورة للإعلان مكان نصب شهداء حرب اكتوبر 73 العاشر من رمضان استهانة بروح شهداء الجيش، والدولة التى تخفى آثار شهداء الجيش أو تدفن أفكارهم أو تبدد تطلعاتهم تظلم شهداءها ولا تستحقهم.

كما أرست المحكمة مبدأ أن نقل النُصب التذكارية لشهداء الجيش إلى أماكن متواضعة ينتقص من حقوق الأرواح الطاهرة والدماء الزكية، وهو ما لا يمكن السكوت عليه وأن العقيدة القتالية للجيش المصرى الإيثار والفداء والعزة والإباء والفخر والكبرياء والقدوة والعطاء والوطنية والانتماء وبهم مصر تتحصن وتقوى فلا يعتريها ضعف ووهن ولا ينال منها صعاب ومحن، أما سادس المبادئ التي أرستها المحكمة، فهو أنه على الدولة إنشاء هيئة مستقلة تقوم على شئون الشهداء وترعى أسرهم ردًا لجزء من معروفهم وأقل ما يقدم لهم أن تتزين الميادين العامة بوضع النصب التذكارية لهم لا تطويه صفحات العصور والأزمان.

وقالت المحكمة أن الشرع السماوي الحكيم قد كرّم الشهداء وأعلى من منزلة الشهادة فى مواضع عدة من القرآن الكريم، منها قوله سبحانه وتعالى " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " الآية (169) من سورة آل عمران، وهو ما استلهمه واستهدي به المشرع الوضعي عندما أوجب على الدولة القيام بواجب تكريم شهداء الوطن عرفانًا لهم بما قدموه وبذلوه من تضحيات عظيمة، وجادوا بأغلى وأثمن ما يمتلكون من أجل تحرير كل حفنة من تراب هذا الوطن من أيدي المغتصب أو المحتل والزود عنه في ملماته، وإعادته إلى الحياة الطبيعية المفعمة بالأمن والأمان والطمأنينة والاستقرار، أو لأجل الحفاظ على تنوع الوطن وتفرده وتماسك أطيافه وفئاته ومكوناته في أزمنة التحزب والفتن، أو لإقامة نظام سياسي ديمقراطي حقيقي يقصى حكم الفرد أو العائلة أو الجماعة أو الحزب الواحد، مستهدفًا فتح باب المشاركة السياسية لكل مواطنيه على أسس التعددية السياسية، والفصل بين السلطات والتوازن بينها، والتداول السلمى للسلطة، وتلازم السلطة مع المسئولية، واحترام حقوق الإنسان وحرياته، وبتلك الأسس يتحدد مفهوم الديمقراطية التى يبتغيها، وتتشكل معالم المجتمع الذى يُنشده، سواء ما اتصل منها بتوكيد السيادة الشعبية – وهى جوهر الديمقراطية – أو بالاشتراك فى ممارسة السلطة – وهى وسيلتها، أو بكفالة الحقوق والحريات العامة – وهى هدفها، ومعليًا من مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية.

وأضافت المحكمة: أنه لا يمر على مصر وقت إلا وينضم إلى قافلة شهداء الوطن علّم جديد، وآلاف من الشهداء يرفعون الرايات المعطرة بالدماء الزكية لتبقي راية الوطن عالية، وأن الشعب المصرى بعراقته وأصالته وتاريخه التليد الذى استوعب ما يفوق سبعة آلاف سنة من الحضارة الخالدة وما استشرفه في نضاله الأسطوري وثوراته المجيدة – وفى القلب منها ثورة 25 يناير 30 يونيه من أحلام وآمال وتطلعات، لا يمكن أن ينسي أبناءه الشهداء الذين أدّوا الأمانة دفاعًا عن أرضه وعرضه ومقدساته ؛ بمساجدها وكنائسها، ولا يستوى لديه من يعمل لنفسه ومن يضحى بحياته ليحيا غيره.

وأشارت المحكمة إلى أن واجب الدولة القيام بتكريم أنبل ما فيها هو في ذات الوقت إرساء منها لمبادئ وقيم رفيعة وعظيمة تثبت بها جذورها وتقيم بها أركانها بنيانًا شاهقًا وصرحا ًمجيدًا مشيدًا، بأن تغرس في نفوس مواطنيها بأجياله الحالية والمستقبلية أنها تقدر من أفتدى بحياته ليحيا الوطن، وتُعلي وتنشر قيم الايثار والفداء، والعزة والإباء، والفخر والكبرياء، والقدوة والعطاء، والوطنية والانتماء، فتحصن ذاتها وتقوى منعتها بتوحد جبهتها الداخلية ضد أي اعتداء في كل الظروف والأحوال لتظل رايتها راسخة في الأرض خفاقة في السماء، لا يعتريها ضعف ووهن، أو ينال منها صعاب ومحن، لتواجه العالم بتقلباته ومؤامراته وإرهابه بكل ثقة ويقين في غد واعد ومشرق.

وأوضحت المحكمة أنه يقع على عاتق الدولة التزام وواجب بأن تضع من التشريعات ما يكفل تحقيق التزامها الدستورى في المادة (16) من الدستور الحالي الصادر في 18 يناير 2014، بإنشاء هيئة أو جهة مستقلة تقوم على شئون الشهداء وترعى أسرهم ردًا لجزء من معروفهم، وليس أقل من أن تتزين الميادين العامة في شتى ربوع الوطن بوضع النصب التذكارية لهؤلاء الشهداء حاملة أسماءهم وأفكارهم ومكان وزمان استشهادهم، ومُجسدة تلك التضحيات الغالية كتاريخ مجيد ينبغي أن يُحفر في أذهان الخلف عن سلفهم، وألا يترك سٌدى لتطويه صفحات العصور والأزمان، وأن يكون هذا التخليد في مكان يليق بهم ليتطلع إليهم المواطنون بكل فخر واعتزاز وليكون ذلك نبراسًا للكافة بتقدير الدولة لمن يفتديها ويضحى من أجلها. فإذا ما تلكأت جهة الإدارة في ذلك ووضعت أيًا من تلك النُصب التذكارية في مكان متواضع حال كون الأماكن الرفيعة متوافرة لديها فإن ذلك من شأنه الانتقاص من حقوق تلك الأرواح الطاهرة والدماء الزكية، وإخلالًا- في الوقت ذاته – بالمبادئ العامة سالفة الذكر، وهو ما لا يمكن القبول به أو السكوت عليه.

واستطردت المحكمة أن ما تذرعت به الحكومة من أن النُصب التذكاري محل الطعن الماثل قد تم وضعه في مدرسة قويسنا الثانوية بنين وهي من قبيل الأماكن العامة، فذلك مردود بأن التفسير الصحيح للمكان العام يختلف بحسب كل حالة على حدة، وأن ما يعد من قبيل الأماكن العامة في بعض الأحوال قد لا يكون كذلك في أحوال أخرى، وإذا كان تكريم وتخليد ذكرى شهداء الواجب، واجبًا على الدولة بحسبان حماية الوطن والذود عنه أمرًا واجبًا على أبنائه بكافة فئاتهم، فإن مؤدى ذلك ولازمه أن يتم تجسيد هذا المعنى أيضًا تحت سمع وبصر كافة أبناء الوطن، وفى أفضل الأماكن العامة لديها، لا أن يكون منزويًا ومقتصرًا على فئة منهم كطلاب المدرسة المشار إليها وأن وضع نافورة للإعلان مكان النصب التذكارى لا يتفق ودور الجيش في حماية البلاد واستهانة بروح الشهيد.

واختتمت المحكمة أن الثابت من عيون الأوراق، خاصة مُذكرة دفاع الحكومة المُقدمة بجلسة 1842016، أن الجهة الإدارية أقامت النُصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر المجيدة مُتضمنًا أسماء الذين استشهدوا من مركز قويسنا محافظة المنوفية، ومن بينهم الشهيد عبد الفضيل عبد الستار على – الذى استشهد فى ميدان التضحية والشرف فى 20101973، وفقًا لما ورد بكتاب مدير إدارة السجلات العسكرية رقم 4118 -1473 ق، بتاريخ 20121973 - أمام مبنى الإدارة الزراعية بالحديقة الكائنة بشارع الجيش تقاطع صلاح سالم بمدخل قويسنا، ثم قامت بنقل النُصب التذكاري بذات أسماء الشهداء إلى مدرسة قويسنا الثانوية بنين، وأقامت نافورة للإعلان مكانه، ولما كانت الجهة الإدارية قد ذكرت سبب إصدارها للقرار المطعون فيه وهو " أن النُصب التذكاري كان مجرد بناء مهمل فى حديقة غير مطروقة تحيط بها الاشجار التى تحجبه عن العيون مما يجعله مجردًا من قيمته التى أرادت أن تحققها الوحدة المحلية من وراء انشاء النصب...بما يجعل نقله إلى مدرسة قويسنا الثانوية أكثر وقعًا..."، وكان يمكنها تهذيب الحديقة للناظرين ولما كان أعضاء المجلس الشعبي المحلى لمركز قويسنا وافقوا بجلستهم المنعقدة فى 1382002 على رفع توصية للوحدة المحلية لمركز ومدينة قويسنا بإعادة النُصب التذكاري لشهداء حرب أكتوبر المجيدة إلى مدخل مدينة قويسنا أمام الإدارة الزراعية بدلًا من مدرسة قويسنا الثانوية بنين، وكان نقل النُصب التذكاري على النحو المتقدم يجافى الغاية المبتغاة منه سواء بتكريم الشهداء أو غرس روح الوطنية والانتماء فى نفوس المواطنين، فإنه يكون قد صدر مفتقدًا لركن السبب المبرر لصدوره ومشوبًا بعيب إساءة استعمال السلطة، مما يتعين القضاء بإلغائه

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً
عاجل
عاجل
مؤتمر صحفي للدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء (بث مباشر)