قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر: كل ما قلناه في حالة اختيار الشاب لخطيبته ينطبق على حالة اختيار الفتاة لشريك حياتها؛ لأن مسألة الاختيار حق مشترك بين الطرفين، إذ المقاييس ليست مقاييس مالية أو تتعلق بالجمال، لكن هي مقاييس أخلاقية دينية ثابتة، ولذلك يجب أن يكون المعيار الذي تزن به الفتاة وتقيِّم به شريك الحياة يقوم على أسس أخلاقية ودينية، ويجب ألا تتوقف عند الانبهار بالثرورة أو الشكل أو وجاهة الأسرة؛ لأن المغريات سريعة التقلب والاضطراب، وهذه المرة في يد الزوج الذي يسهل عليه أمر الطلاق أو تعديد الزواج ويجد من ثروته ووسامته ما يجعل له قبولًا عند النساء حتى لو كان متزوجًا وعنده أولاد، وبالتالي فإن المطلوب في الزوج والزوجة أن يكونا ذوَي دينٍ: (فاظفر بذاتِ الدِّين) ولا يكفي في الرجل أيضا تدينه الشكلي بل لا بد من الأخلاق، فالدِّين والخُلق وجهان لعملة واحدة.
وأضاف في حديثه اليومي الذي يذاع قبل المغرب على الفضائية المصرية طوال شهر رمضان المعظم: البنت يجب أن تكون شخصية قوية محترمة في التعامل ولا تكون سهلة المنال، وأن تعتز بنفسها وأسرتها، وتكون مرفوعة الرأس صعبة في هدوء، وأن تحتفظ بمسافة ثابتة بحيث لا تقفز عليها المشاعر الطائشة، وتعلمَ أنها كلما كانت عزيزة صعبة المنال كانت عزيزة عليه ومثيرة لاحترامه وتعلقه بها؛ وأن تردد الحكمة التي تقول: "كل ممنوع مرغوب"؛ لأن السهل غير الممتنع عادة ما تعافه النفس ويعقبه ندم وعذاب ضمير، ولذلك فهي مطالبة أكثر من الولد بأن تجعله باحثا عنها، لأن القرار الأخير في يدها.
وتابع الإمام الأكبر: البنت عندها مسئولية أكبر في مسألة الاختيار سواء من حيث الاعتزاز أو البحث عن شاب جاد خاصة في تلك الأيام التي يجب فيها أن تبحث عن الشاب الخلوق المستقيم المتدين الذي يتحمل المسئولية وعنده استعداد لأن يخوض معركة الحياة مع زوجته، وأن يكدَّ ويعرق في العمل، فلا يكون ممن يسهر ليلًا وينام نهَارًا، ولا همَّ له في هذه الحياة إلا الضحك والسعي وراء الموضات، فمثل ذلك النوع لا يصلح أن يقيم أسرة.
وأكد أنه لا يحقُّ لولي أمر الفتاة أن يجبرها علي الزواج من شخص معين، إذ الإجبار مسألة لا إنسانية، وكل ما هو لا إنساني فهو لا ديني ولا أخلاقي ولا شرعي، ويتعارض بالضرورة مع الدين ومع الأخلاق؛ لأن العقود كلها تقوم على طرفين، ولا تُبرم العقود إلا برضاء الطرفين، والزواج هو أخطر العقود على الإطلاق.
وأوضح الإمام الأكبر أن مسألة جبر البنت على التزوج ممن لا تريده قلَّت الآن، لكن لا تزال لها – للأسف- بقايا في بعض الأسر، وقد حدث هذا الإجبار في عهد النبي –صلى الله عليه وسلم-، حيث جاءت جَاءَتْ فَتَاةٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَتْ: إِنَّ أَبِي زَوَّجَنِي ابْنَ أَخِيهِ – ابن عمها- لِيَرْفَعَ بِي خَسِيسَتَهُ - يعزز مكانه ويعلي من شأنه- فَجَعَلَ الْأَمْرَ إِلَيْهَ، فَقَالَتْ: قَدْ أَجَزْتُ مَا صَنَعَ أَبِي، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ"، فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيَّرَ الزوجة في إبطال العقد أو إمضائه، وعن خنساء بنت خدام الأنصارية، أن أباها زوَّجها، وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرد نكاحه" وهذا في الزواج الذي تم بالفعل فكيف بالمُقْدِمَة على الزواج أن يجبرها أبوها، فالإجبار هنا منهي تمامًا، وليس من حق الأب أو الأم أو الأسرة أن تجبر فتاة على أن تتزوج، فهو يعادل تماما إجبارها على تناول طعام بشكل يومي تكرهه ولا تحبه، ولا تأكله إلا ليثير الغثيان في نفسها.