ربما تكون قد سافرت إلى مدينة جديدة، لا تعرف فيها أحدا، ولا أحد يعرفك فيها وبالتالي، فأنت تشعر أنك حر في أن تذهب إلى أي مكان تشاء، وأن تتحدث مع أي شخص، أو أن تفعل أي شيء تريده.
ومهما كان شعورك، فإنك تفترض على الأقل أن بإمكانك أن تصبح مجهولا دون أن يراقبك أحد، ودون أن يتتبع خطواتك عن بعد شخص أو شركة أو مؤسسة ما.
لكن ماذا عن خصوصيتك على شبكة الإنترنت وهل تفترض أن بإمكانك أن تفعل ما تريد دون أن يراقبك أحد، لقد انتهى هذا الأمر إلى غير رجعة، فأحد أهم التحديات التي برزت في عصرنا الحالي هو كيف يمكننا أن نتأكد من سلامة الأمن القومي، وفي نفس الوقت أن نحسن حياتنا من خلال وسائل التكنولوجيا، مع الحفاظ على الحق في الخصوصة الذي وجد منذ فجر الحياة البشرية.
يعد الحفاظ على سرية المرء أو بقائه مجهولا على شبكة الإنترنت تجربة نفسية فريدة من نوعها، وهي تعني أننا جميعا لدينا هوية أو صفات مميزة نقدمها للعالم، لكننا نختار تحت ظروف معينة أن نعطل أو نخفي هذه الهوية لنتصرف بسرية تامة.
يقول جون سولر، أستاذ علم النفس في جامعة رايدر في نيوجيرسي، وهو مؤلف كتاب بعنوان "نفسية الفضاء الالكتروني": "نحن نحتاج إلى ذات عامة لنعيش العالم الاجتماعي الخاص بالأسرة والأصدقاء، وزملاء العمل، والأقران، لكننا نحتاج أيضا إلى ذات خاصة، أي إلى مساحة داخلية يمكننا فيها أن نتفكر ونعيش مع مشاعرنا وأفكارنا الخاصة بعيدا عن أي تأثير خارجي".
ويضيف: "هويتنا تتكون من الأمرين معا؛ الذات العامة والذات الخاصة. وبدون إحداهما، يمكن لسعادتنا أن تتعرض بسهولة للتشويش".
فعندما نكون مجهولين، يتيح لنا ذلك تجريب أشياء جديدة، أو التعبير عن أفكارنا دون أن يحكم أحد علينا، أو يصمنا بصفة معينة نتيجة تعبيرنا عن هذه الأفكار.
وفي عام 2013، نشر الباحثون في جامعة كارنيجي ميلون في بنسلفانيا دراسة، أجروا خلالها مقابلات معمقة مع عشرات من مستخدمي الإنترنت في أربع قارات.
وكان أحد هؤلاء المستخدمين على سبيل المثال قد أنشأ مجتمعا مجهولا على الإنترنت لمتعلمي اللغة الإنجليزية، للتدرب على مهاراتهم اللغوية. وقد ساعدهم إخفاء هوياتهم على التحكم بشكل أفضل في مجالات محددة في حياتهم.