معركة تيران وصنافير التي دخلت "عش الدبابير" ما بين مؤيد ومعارض لتمرير الاتفاقية وطرفاها مصر والسعودية، في مجلس الشعب؛ وصلت لمنصات القضاء.
محكمة القضاء الإداري أصدرت أمس الثلاثاء قرارا يقضي بعدم الاعتداد بكل أحكام محكمة الأمور المستعجلة بشأن النزاع حول اتفاقية تعيين الحدود البحرية مع السعودية، واعتبارها كأنها لم تكن، وقضت محكمة القاهرة للأمور المستعجلة، المنعقدة بعابدين، بانعدام حكم "الإدارية العليا" وأسبابه، القاضي ببطلان اتفاقية تعيين الحدود مع السعودية، واستمرار تنفيذ حُكم سريان الاتفاقية.
فيما أصدر المستشار عبد الوهاب عبد الرازق رئيس المحكمة الدستورية العليا، اليوم الأربعاء، أمرا وقتيا فى الطلب العاجل فى الدعوى رقم 12 لسنة 39 قضائية "تنازع" بوقف تنفيذ كل من الحكم الصادر فى الدعويين رقمى 43709 و43866 لسنة 70 ق قضاء إدارى ببطلان اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والمملكة العربية السعودية، والمؤيد بالحكم الصادر من دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 74236 لسنة 62 قضائية عليا.
اقرأ أيضًا: الدستورية
العليا عن "تيران وصنافير": لا رقابة للقضاء على أعمال السيادة
وذكر بيان صادر عن المحكمة الدستورية العليا، أن رئيس المحكمة أصدر أيضا أمرا وقتيا مماثلا فى شأن الدعوى رقم 121 لسنة 2017 مستعجل القاهرة المؤيد بالحكم الصادر فى الاستئناف رقم 157 لسنة 2017 مستأنف تنفيذ موضوعى جنوب القاهرة، والتى كانت قد تضمنت حكما بوقف تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة ببطلان الاتفاقية.
حيثيات حكم الدستورية
وأوضحت المحكمة الدستورية العليا، أن هذا الأمر الوقتى الذى أصدره رئيس المحكمة الدستورية العليا جاء إعمالا للفقرة الثالثة من المادة 32 من قانون المحكمة الدستورية العليا، ولحين الفصل فى تنازع الأحكام القضائية.
وأشارت المحكمة في حيثياتها إلى أن الدستور إلى أن أمر وقف التنفيذ صدر محمولا على ما ورد بتقرير هيئة مفوضي المحكمة الدستورية العليا، من توافر ركني الجدية والاستعجال فى الطلب العاجل بوقف التنفيذ، وهو إصدار هذا الأمر، إذ أفصح التقرير عن توافر ركن الاستعجال؛ لمظنة الافتئات على اختصاص سلطتى الموافقة والتصديق على الاتفاقية من ممارسة وظيفتها الدستورية فى مراقبة وتقييم أعمال وإجراءات إبرام الاتفاقية وموضوعها، على النحو الذى عينته المادة 151 من الدستور، تغولا على هذه السلطة، وشبهة العدوان على الاختصاص المنفرد للمحكمة الدستورية العليا.
وأضافت المحكمة الدستورية أن التقرير جاء سنده فى توافر ركن الجدية، على ما أفصح عنه ظاهر أوراق الدعوى، من رجحان أن تقضى المحكمة الدستورية العليا بعدم الاعتداد بالحكمين المتناقضين، حال أنهما قد خالفا قواعد الاختصاص الولائي، بأن قضى أولهما باختصاص القضاء الإداري بنظر صحة توقيع ممثل الدولة المصرية على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية، حال كونه ممنوعا من ذلك بحسبان التوقيع على المعاهدات الدولية من أعمال السيادة الخارجة عن رقابة القضاء، فى حين قضى الثانى "حكم القضاء المستعجل" فى منازعة تنفيذ موضوعية، بعدم الاعتداد بحكم صادر من جهة القضاء الإداري، وهو الأمر المحظور عليه دستوريا بنص المادة 190 من الدستور.
هيئة قضايا الدولة
وطالبت هيئة قضايا الدولة، نائبة عن الحكومة، المحكمة الدستورية العليا، بالاعتداد بالحكم الصادر من محكمة مستأنف الأمور المستعجلة، دون الاعتداد بحكم المحكمة الإدارية العليا، فى شأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وما تضمّنته من تبعية جزيرتَى "تيران وصنافير" للمملكة.
وذكرت "قضايا الدولة" فى دعوى التنازع التى أقامتها أمام المحكمة الدستورية العليا، وتم قيدها برقم 12 لسنة 39 "ق. تنازع"، أن هناك حكمين متناقضين، الأول أصدرته المحكمة الإدارية العليا، أيدت فيه منطوق حكم القضاء الإدارى ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر والسعودية، واعتبار "تيران وصنافير" جزرًا مصرية، بينما الحكم الثانى أصدرته محكمة مستأنف الأمور المستعجلة بانعدام حكم "الإدارية العليا"، وعدم اختصاص القضاء عمومًا بنظر الاتفاقية باعتبارها عملًا من أعمال السيادة التي تخرج عن رقابة القضاء.
واستندت هيئة قضايا الدولة فى دعواها التى أعدها ووقّعها المستشار رفيق عمر شريف للاعتداد بحكم "مستأنف الأمور المستعجلة" إلى عدة نقاط، فى مقدمتها أن المحكمة الإدارية العليا "فصلت فى أمور لا تدخل فى ولايتها ونصبت نفسها حاكمًا على الدولة بجميع سلطاتها التنفيذية والتشريعية والقضائية أيضًا".
اقرأ أيضًا: ننشر
حيثيات حكم "الدستورية" بوقف أحكام القضاء بشأن "تيران وصنافير"
وأوضحت أن الاتفاقية التى قضت فيها المحكمة الإدارية تُعد عملًا من أعمال السيادة، وهو عمل تشترك فى إتمامه السلطتان التنفيذية والتشريعية.
وعرضت "قضايا الدولة" لماهية أعمال السيادة، وقالت: "لم يورد المشرع تعريفًا ولا تحديدًا لأعمال السيادة التى نُصّ فى المادة 17 من قانون السلطة القضائية على منع المحاكم من نظرها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، كما لم يعرض كذلك فى تعريفها بالمادة 11 من قانون مجلس الدولة التى نصت على خروج هذه الأعمال عن ولاية المحاكم الإدارية".
وتابعت أنه "نظرًا لعدم تعريف أعمال السيادة تشريعيًا، فإنه يكون منوطًا بالقضاء أن يقول كلمته فى وصف العمل المطروح فى الدعوى، وما إذا كان يُعد من أعمال السيادة أم يخرج عنها، وقد تعذّر على الفقه والقضاء وضع تعريف جامع مانع لما يُعد من أعمال السيادة، ولكن فى المجمل يجمعها أنها ذات صبغة سياسية بارزة يحيط بها اعتبارات سياسية تصدر عن السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم، فينعقد لها فى نطاق وظيفتها السياسية سلطة عليا لتحقيق مصلحة الجماعة كلها والإشراف على علاقاتها مع الدول الأخرى وتأمين سلامتها وأمنها فى الداخل والخارج".
ولفتت "قضايا الدولة" إلى أن محكمة القضاء الإداري ناقضت نفسها بأن أصدرت حكمًا ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، فى حين أنها قضت فى دعوى مشابهة للاتفاق المبرم بين مصر وقبرص لتحديد المنطقة الاقتصادية الخالصة بين الدولتين بعدم اختصاصها باعتبارها عملًا من أعمال السيادة.
وأشارت دعوى التنازع إلى أن مصر حينما أبرمت اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية، أبرمتها بما لها من سيادة وفقًا لأحكام الدستور، وليس من قبيل الأعمال الإدارية، وأنها استجابت لمقتضيات سلامتها وأمنها الخارجي، وهى من المسائل التى تتصل بصورة مباشرة بعلاقتها الدولية ومقتضيات السياسة العليا للبلاد.
وتابعت: "كان يتعين على محاكم مجلس الدولة عدم التعرض للاتفاقية وأن تقضى بعدم اختصاصها، كما فعلت من قبل فى الاتفاقية مع قبرص، وبناء على ذلك فإننا نطلب عدم الاعتداد بحكم القضاء الإداري والمؤيد من المحكمة الإدارية العليا، والاعتداد بحكم مستأنف الأمور المستعجلة".
وذكرت "قضايا الدولة"، فى دعوى التنازع، أن تناقض الحكمين وبقاءه يضر بالمصالح العليا للدولة ويحول دون إنفاذ حكم الدستورية العليا فى شأن الاتفاقيات الدولية التى تكون الدولة طرفًا فيها، بل إن هذا التناقض يعطل ما هو معقود لمجلس النواب بحكم المادة 151 من الدستور، بما حددته من اختصاص له بالموافقة على المعاهدات والاتفاقيات التى يبرمها رئيس الجمهورية.
وسلمت الهيئة ضمن دعوى التنازع 6 حوافظ مستندات تضمنت صورًا رسمية طبق الأصل من الحكمين المتناقضين موضوع طلب التنازع، وكذا الأحكام المؤيدة لهما والأحكام المرتبطة بهما، وتوضيح وبيان محتوى كل منها على غلافها، مما يغدو معه طلب التنازع مقبولًا من الناحية الشكلية. واستندت دعوى التنازع للبند ثالثًا من المادة 25 من قانون المحكمة الدستورية، والذى يجعلها تختص بـ"الفصل فى النزاع الذى يقوم بشأن تنفيذ حكمين نهائيين متناقضين صادر أحدهما من أى جهة من جهات القضاء أو هيئة ذات اختصاص قضائى والآخر من جهة أخرى منها".
وقال مصدر قضائي، لـ"أهل مصر" إن حكم الدستورية العليا بات، وينهي النزاع، لأن محكمة القضاء الإداري مختصة فقط بنظر القضايا المتعلقة بالقضاء الإداري، وليس لها أن تتدخل في القضايا التي لها علاقة بأعمال السيادة، ومنها توقيع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية.
وأضاف أن حكم القضاء الإداري يعد مخالفة لحين الفصل فى الدعوى الموضوعية من قبل المحكمة، بشأن الاتفاقية، سواء بسريانها أو بطلانها، على أن يكون الحكم الصادر فيما بعد باتا ولا يجوز الطعن عليه من قبل أية جهة قضائية أخرى أو أشخاص.
وأشار إلى إن دعوى التنازع ستمر بإجراءاتها الطبيعية، بدء من إعلان المدعى عليهم وإيداعهم مذكرات بملاحظاتهم خلال 15 يومًا، ثم إتاحة الفرصة أمام المدعى للرد خلال 15 يومًا أخرى، فإذا رد ستخصص فترة 15 يومًا لتعقيب المدعى عليهم، ثم ستتداول هيئة مفوضي المحكمة الدعوى حتى كتابة التقرير فيها ثم إحالتها للمحكمة للفصل فيها.