معركة "شذونة" في الأندلس.. قصة 8 أيام من الدماء انتهت بنصر طارق بن زياد

معركة وادي لكة أو معركة شذونة أو معركة سهل البرباط، هي معركة وقعت في 28 رمضان 92 هـ/19 يوليو 711 م بين قوات الدولة الأموية بقيادة طارق بن زياد وجيش القوط الغربيين بقيادة الملك رودريك الذي يعرف في المصادر الإسلامية باسم لذريق.

انتصر الأمويون في تلك المعركة انتصارًا ساحقًا أدى لسقوط دولة القوط الغربيين، وبالتالي سقوط معظم أراضي شبه الجزيرة الأيبيرية تحت سيطرة الأمويين.

◄ البداية ►

في السنوات التي سبقت المعركة، نجح موسى بن نصير والي إفريقية من قبل الدولة الأموية في السيطرة على المغرب الأقصى الذي كانت تسوده الاضطرابات والخروج عن سلطة الأمويين من آن إلى آخر. كما نجح في ضم مناطق لم تكن خاضعة للأمويين هناك، أهمها طنجة التي جعل من مولاه طارق بن زياد حاكمًا عليها. ولم يعد بالمغرب الأقصى سوى سبتة التي لم تكن تخضع لسلطان الأمويين. كانت سبتة تحت حكم رجل يدعى بيوليان وعلى الجانب الآخر، شهدت السنوات التي سبقت المعركة، انقلاب رودريك دوق باتيكا على الملك ويتزا ملك القوط الغربيين، واستيلائه على المملكة. إلا أن سيطرته على المملكة لم تكن كاملة، نظرًا لوجود مناصرين لأبناء الملك المخلوع في الشمال.

تذكر المصادر الإسلامية، أن السبب وراء فكرة غزو المسلمين لأيبيريا أن يوليان كانت له ابنة أرسلها لبلاط رودريك كما كان يفعل جميع النبلاء في تلك الفترة، فأعجب بها رودريك واغتصبها، مما أثار غضب يوليان وعزم على الانتقام. عرض يوليان موسى بن نصير وقيل طارق بن زياد مساعدتهم على غزو إسبانيا بأن يمدهم بسفنه. استشار موسى الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك فأجابه قائلاً: «خضها بالسرايا حتى تختبرها ولا تغرر بالمسلمين في بحر شديد الأهوال.» أرسل موسى سرية للاستطلاع في رمضان 91 هـ قوامها 100 فارس و400 من المشاة تحت قيادة طريف بن مالك الذي نزل بهم جزيرة طريف.

شكك بعض المؤرخين الغربيين في كون يوليان كونت سبتة قد أعار المسلمين سفنه للعبور إلى أيبيريا، إضافة إلى قصة اغتصاب ابنته من قبل رودريك، وقالها بأنها أسطورة اختلقها المؤرخون المسلمون في نهاية القرن التاسع، مستدلين على ذلك بكون المسلمين قد كانت لهم قواتهم البحرية في غرب البحر المتوسط بالفعل، وهو ما يؤكده مهاجمتهم للجزائر الشرقية قبل ذلك بأعوام.

وبعد عام تقريبًا، عبر 7,000 مقاتل مسلم أغلبهم من البربر تحت قيادة طارق بن زياد على سفن يوليان إلى جبل طارق، واجتاحوا الجزيرة الخضراء. في تلك الفترة، كان رودريك يشن حملة في الشمال على المتمردين البشكنس، حيث بلغته تحركات المسلمين، فقرر التوجه جنوبًا لقتالهم. وحين بلغ طارق تحرك جيش رودريك لقتاله، طلب المدد من موسى بن نصير الذي أمده بخمسة آلاف آخرين.

◄ موقع المعركة ►

تذكر المصادر العربية وقوع المعركة قرب شذونة، في موقع يقال له البحيرة أو وادي لكة أو وادي بكة أو وادي برباط.

ويرجح المؤرخ توماس هودجكين رأي رودريغو خيمينيز دي رادا، بأن المعركة وقعت في فحص شريش، فيما يعتقد خواكين بالبي بأن المعركة دارت على ضفاف وادي رانكة.

تذكر المصادر العربية أن جيش رودريك كان قوامه 100,000 جندي، وقيل 40,000 جندي.

في المقابل، قدر «تاريخ ألفونسو الثالث» يقدرهم بنحو 187,000 جندي. فيما تذكر المصادر العربية أن طارق عبر بسبعة آلاف جندي، ثم أمده موسى بن نصير بخمسة آلاف أخرى، أي أنه دخل المعركة باثني عشر ألف مقاتل على أقصى تقدير. وفي تقدير روجر كولينز الذي تجاهل المصادر الأولية، أن عدد المسلمين كان حوالي ألفي جندي، ولم يكن عدد قوات القوط الغربيين أكبر من ذلك بكثير.

أما ديفيد لويس فقد قدّر عدد قوات القوط الغربيين بحوالي 33,000 جندي.

◄ المعركة ►

التقت القوتان في 28 رمضان 92 هـ، في معركة استمرت لثمانية أيام، انتهت بهزيمة كبيرة للقوط، بعد أن تعرض رودريك لخيانة في داخل جيشه أدت إلى هذا النصر الإسلامي الكبير. فوفقًا لتأريخ المستعربين، فقد ساهم منافسي رودريك الطامحين في الحكم في هزيمة القوط الغربيين.

ألقى تأريخ ألفونسو الثالث باللوم على أبناء ويتزا لتآمرهم على رودريك. كما كان ظهور أوبا شقيق ويتزا في طليطلة وقت أن دخلها موسى بن نصير، سببًا في اعتقاد بعض المؤرخين أنه شارك في المؤامرة التي حيكت ضد رودريك. كما رجّح بعض المؤرخين الغربيين المعاصرين أن يهود أيبيريا المضطهدين من قبل القوط الغربيين قد ساهموا بفاعلية وشاركوا في صفوف المسلمين، مستشهدين بما ذكره صاحب كتاب أخبار مجموعة بأن المسلمين كانوا يستخدمون اليهود في حامياتهم.

ورغم كل ذلك، فلم يذكر تأريخ المستعربين مشاركة اليهود في جانب المسلمين.

نتج عن انهيار جيش القوط خسارتهم لعدد كبير من الجنود، بينما خسر المسلمون على أقصى تقدير 3,000 رجل.

أما عن مصير رودريك، فتقول المصادر الإسلامية أنه اختفى أثره بعد المعركة، ولكنها تستدل على موته غارقًا في الوحل بعثور المسلمين على فرس رودريك الأبيض وقد غاص في بركة موحلة، ووجود خُف منغمس في الطين، رجحوا من خلاله غرقه في الوحل.

◄ نتائج المعركة ►

مهدت المعركة لاستكمال الفتح الإسلامي للأندلس، وخلال عقد من الزمان، كانت كل شبه الجزيرة ما عدا منطقة صغيرة في أستورياس وجبال البشكنس تحت حكم المسلمين الذين عبروا إلى ما وراء جبال البرانس.

إقرأ أيضاً
WhatsApp
Telegram
إقرأ أيضاً