جدل لا ينتهي وصراع مستمر، عادة ما يكون المشهد تزامنًا مع توقيت الإعلان عن نتيجة "كاتب رابع" والتى تنظمها هيئة النيابة الإدارية، وللمرة الثانية على التوالي تنال المسابقة المعلن نتيجتها في منتصف يونيو، رصيدها من الشك والدفع ببطلانها، فعشرات الآلاف يتقدمون للمسابقة أملًا في الحصول على الوظيفة "الحلم"، التى يجب أن تقوم على مبدأ الكفاءة والتقدير الدراسي الأعلى، بعيدًا عن الوساطة والمحسوبية.
ومع إعلان النتيجة زادت التظلمات، وطالب النائب عاصم مرشد، المهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، بسرعة التدخل لإلغاء نتيجة مسابقة "كاتب رابع" بهيئة النيابة الإدارية، التي كشفت نتائجها عن تعيين عدد من أقارب وأبناء مستشارين، إضافة لتعيين أشقاء بمحافظات مختلفة، وسط اتهامات للهيئة بالفساد، وعدم تكافؤ الفرص، خاصة أن المقبولين حاصلون على تقديرات متدنية ودون المستوى، مؤكدا أن كل ذلك فيه مخالفات صارخة لمواد الدستور التي نصت على المساواة ومبدأ التكافؤ بين جميع المواطنين.
ووصف "مرشد"، في بيان عاجل قدمه للدكتور علي عبدالعال رئيس مجلس النواب، لتوجيهه إلى وزير العدل هذا الملف بالفضيحة، مؤكدا أنه يمتلك المستندات والوثائق التي تؤكد وجود تجاوزات ووقائع فساد صارخة في هذا الملف وطالب بمحاكمة جميع من تورطوا فيه.
وأكد أن هذه المرة الثانية التي تثير المسابقة غضب المتقدمين، حيث ألغيت المسابقة في المرة الأولى بحكم قضائي من القضاء الإداري بسبب المخالفات التي نشرتها بعض وسائل الإعلام وبعد ذلك تم الإعلان عن المسابقة رقم 1 لسنة 2016 وتقدم لها أكثر من 40 ألف شخص وتم قبول 1591، مؤكدا أن عددا من المستبعدين نشروا جروبا على تطبيق "واتس آب" لرصد المخالفات التي شابت المسابقة وتقدم عدد منهم بتظلمات للنائب العام المستشار نبيل صادق، وفوَّض عدد منهم محامين لرفع دعاوى قضائية ضد الهيئة لإبطال النتيجة للمرة الثانية.
وقف النتيجة
من جانبها أصدرت المستشار رشيدة فتح الله رئيس هيئة النيابة الإدارية القرار رقم 277 لسنة 2017 بشأن إيقاف القرارات الإدارية أرقام 260 &261 & 262 لسنة 2017 والخاصة بالمسابقة رقم 1 لسنة 2016، على أن تشكل لجنة بعضوية ثلاثة من مستشاري بالنيابة الإدارية، وذلك لفحص صحة إجراءات المسابقة، وضوابط ومعايير الاختيار وكذا تحديد صحة ما أثير من وجود مخالفات قانونية بشأن اختيار المعينين.
وأكدت المستشار رشيدة فتح الله رئيس هيئة النيابة الإدارية على سرعة عرض تقرير عمل اللجنة المشكلة لذلك الغرض.
تفاصيل أزمة تعيينات المسابقة الأولي
بدأت أزمة تعيينات وظيفة «كاتب رابع» التى تعتبر أولى درجات السلم الإدارى فى الهيئة فى 25 مايو 2016 عندما صدر حكم المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية بمجلس الدولة، بإلغاء القرار رقم 125 لسنة 2016، فيما تتضمنه من التعيين فى وظيفة كاتب رابع أعمال سكرتارية عامة فى النيابة الإدارية.
صدر الحكم حينها برئاسة المستشار عادل لحظى، نائب رئيس مجلس الدولة، فى دعوى اختصمت رئيس هيئة النيابة الإدارية ووزير المالية ورئيس الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة.
وخلال الجلسات تدخل المئات من المتقدمين الذين لم يتم اختيارهم قرار التعيين، وصدر الحكم على أساس أن قانون الخدمة المدنية حدد سبيلا وحيدا للتعيين بالوظائف الحكومية والهيئات الخاضعة لأحكامه، وهو طريق مسابقة يتم الإعلان عنها مرتين فى العام الأول من شهر يناير والثانية فى شهر يوليو من كل عام، وأنه لا يتم التعيين وفقا لهذا القانون إلا عن طريق هاتين المسابقتين التى يتم الإعلان عنها من خلال الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة ببوابة الحكومة الإلكترونية.
الحكم صدر بعدما تقدم آلاف الشباب للوظيفة، وبعدما تم بالفعل تعيين 1591 موظفا جديدا، فلما صدر حكم الإلغاء، قرر المستشار على رزق رئيس هيئة النيابة الإدارية إلغاء قراره رقم 125 لسنة 2016، نفاذا للحكم، لكنه تضمن الإبقاء على الموظفين الذين تم تعيينهم حرصا على حسن سير العمل بالنيابات وما اكتسبه المعينون من مزايا تقلد الوظيفة العامة، مع السماح لهم بالتقدم بالمسابقة الجديدة بعد إلغاء آثار المسابقة القديمة تنفيذا للحكم المشار إليه.
وثار غضب داخل النيابة الإدارية حينها بعد صدور حيثيات الحكم الذى اعتبره بعض أعضاء النيابة يتضمن إهانة لهم، حيث قالت المحكمة، فى حيثيات حكمها، إن إعلان النيابة الإدارية انزلق إلى عدم المشروعية، بما يفقده كيانه ويجرده من صفاته ويزيل عنه مقوماته كتصرف قانونى نابع من جهة الإدارة، وانخلع عنه ما كان يتوجب عليه أن يلتحف به من عباءة القانون.
وأضافت الحيثيات أن إعلان هيئة النيابة الإدارية هوى إلى درك عدم المشروعية الجسيم، وأن ما بنى على باطل فهو باطل ويصبح هو والعدم سواء وزال عنه وصفه كتصرف قانونى قائم ومنتج لآثاره.
وساد التذمر بين الموظفين الذين ألغت المحكمة تعيينهم، خاصة وأنهم اكتسبوا مراكز قانونية بتعيينهم وحصولهم على أعمالهم بالفعل، ثم قامت الهيئة بتنفيذ الحكم، وأعلنت عن مسابقة جديدة رقم 1 لسنة 2016 وتقدم لشغل هذه الوظيفة أكثر من 72 ألف متقدم لشغل ما يقرب من 1800 درجة وظيفية.
يقول أحمد النميرى، أحد المعينين فى المسابقة التى تم إلغاؤها، إن رأى هيئة مفوضى الدولة فى القضية كان يثبت تماما أن المخالفة تقع على الهيئة وليست على الأفراد الذين تقدموا بطريقة قانونية واكتسبوا مركز قانونية وفقا للقانون.
وأضاف النميرى أن مقيم دعوى بطلان التعيينات لم يقدم إثباتا على أنه له صفة أو مصلحة، مشيرا إلى أن جميع المعينين وعددهم 1591 موظفا مثبتا فى بطاقات الرقم القومى أنهم يعملون بالنيابة الإدارية، وأنهم أدوا جميع الاختبارات الشفوية والتحريرية لنيل الوظيفة ولا يجوز منافستهم مرة أخرى فى مسابقة جديدة، مؤكدا أنهم يعملون منذ صدور قرار التعيين فى 17 إبريل 2016.
وأضاف أن هيئة قضايا الدولة طعنت على حكم الإدارية العليا لرئاسة الجمهورية فى شهر يوليو عام 2016 ثم انضم ما يقرب من 350 فردا من المعينين فى فبراير 2017 إلى الطعن، ومنذ ذلك الحين نظم المفصولون بحكم المحكمة عدة احتجاجات أمام مقر الهيئة الكائن بـ 6 أكتوبر، وتواصلوا مع العديد من القنوات الفضائية لإيصال صوتهم، لكن لا شىء تغير.
تقاضى الموظفون الملغى تعيينهم رواتبهم 5 أشهر فقط، من إبريل 2016 إلى أغسطس 2016 حيث صدر حكم بطلان إعلان المسابقة وإلغاء تعيينهم، ثم تقاضوا مكافأة تحت بند «غير العاملين» من وزارة المالية عن الـثلاثة شهور التالية سبتمبر وأكتوبر ونوفمبر بواقع 2200 جنيه عن كل شهر، ومنذ شهر ديسمبر الماضى انقطعت «مكافآت» وزارة المالية وتقاضوا 248 جنيها فقط عن كل من شهرى ديسمبر ويناير، وأبلغتهم الإدارة أن هذه المصروفات من خزينة النيابة الإدارية وأن الوزارة لم تصرف أى أموال لهم منذ نوفمبر، ومنذ شهر يناير وحتى الآن لم يتقاضوا أى مرتبات أو مكافآت باعتبار تعيينهم قد ألغى.