أطاح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالطيار "باريش يورتسفين" الذي نقل "أردوغان " من مطار "دالامان" في موغلا إلي أسطنبول ليلة الإنقلاب، وفقاً لصحيفة زمان حرييت التركية.
وتم فصل الطيار بذريعة أنه ترك جهاز مرسل مستجيب (transponder) الخاص بالطائرة مفتوحًا، وتبين أن الطيار أودع نقودا في بنك آسيا القريب من حركة الخدمة التي تتهمها تركيا بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل من دون أي دليل.
من جانبه أوضح الطيار أن هذه النقود وضعت في الحساب الذي فتحه في بنك آسيا لسداد مصاريف مدرسة نجله وأنه لا علاقة له بحركة الخدمة.
هذا ويتلقى يورتسفين حاليا تدريبات في شركة طيران خاصة التحق بها بعد فصله من أسطول أردوغان وذلك من أجل الطائرة التي سيتولى قيادتها.
و لكن الحقيقة أن الطيار يعتبر شاهد علي تدبير اردوغان محاولة الانقلاب لإلصاقها في حركة الخدمة عدوه الأول في تركيا و التي يستخدمها البعض لضربه.
وكان يورتسفين قد انضم للخطوط الجوية التركية بعد تخرجه من قسم الطيران المدني في جامعة الأناضول وعمل لمدة عامين كطيار ثان في طائرات البوينغ 737 .
بعدها عين في الطائرات الخاصة ليبدأ العمل في الطائرات من طراز جولف ستريم، وإلى الآن لم يحقق يورتسفين عدد ساعات الطيران اللازمة لقائد الطيارة نظراً لقلة عدد رحلات الطائرات الخاصة مقارنة بالطائرات العادية، مما دفعه إلى العودة مرة أخرى إلى طائرات الركاب.
وبعد بلوغه عدد ساعات الطيران اللازمة عاد يورتسفين لتولي قيادة الطائرات الخاصة، وفي ليلة الخامس عشر من يوليو الماضي كان قائد طائرة أردوغان.
وفي فبراي الماضي قطعت علاقة يورتسفين مع الخطوط الجوية التركية التي عمل فيها لنحو 20 عامًا بعد انتهاء التحقيقات المتعلقة بتلك الليلة.
"لافتة حركة الخدمة"
عندما كشفت أجهزة القضاء و الأمن في تركيا عام 2013 عن ممارسات الفساد والرشوة التاريخية التي تورط فيها أربعة وزراء ومجموعة من الموظفين ورجال الأعمال، أصبح أردوغان، الذي كان رئيس الحكومة حينها، في موقف حرج جدا بحيث شعر بالحاجة إلى "لافتة جاهزة" ليصف بها الكاشفين عن هذه الممارسات، من أجل إنقاذ حكومته ووزرائه ورجاله.
ويشيرون إلى أنه اختار حركة الخدمة لتكون هي كبش الفداء، مرجعين سبب ذلك إلى أن هذه الحركة كانت الوحيدة "القابلة" لحملها هذا الحجم من "الاتهامات" كالانقلاب والسيطرة على كل دول العالم؛ نظرا لأنها تتمتع بقوة ونفوذ ليس في تركيا فقط بل في جميع أرجاء العالم من خلال مؤسساتها التعليمية والخيرية، فاستحدث جريمة نمطية تحت مسمى "الانتماء إلى حركة الخدمة" لإلصاقها إلى كل معارض له ليتمكن بكل سهولة من تصفيته.
والواقع أن أردوغان اعتبر تحقيقات الفساد والرشوة "محاولة انقلاب"، يقف وراءها ما أسماه "الكيان الموازي"، في إشارة منه إلى حركة الخدمة، ومن ثم أطلق حملة موسعة ضد كل قيادات الأمن والقضاة المشرفين على تحقيقات الفساد المذكورة، واعتقل و أقال عشرات الآلاف منهم بتهمة انتمائهم إلى هذه الحركة، دون النظر إلى الفوارق الإيدولوحية بينهم، وذلك بعد أن أعاد تصميم أجهزة الأمن والقضاء والقضاء الأعلى وأخضعها لإرادته تماماً.
تكميم أفواه وسائل الإعلام
وفي هذا الإطار أمر أردوغان السلطات بالاستيلاء قبل الانقلاب على كل من مجموعتي "إيباك" و"فضاء" اللتين كانتا تضمان أكثر الصحف مبيعة وقراءة في تركيا كصحيفة زمان وبوجون، وفرض حراسة قضائية على شركات اقتصادية ومؤسسات تعليمية بنفس التهمة وهي الانتماء لحركة الخدمة، الأمر الذي أدانه كل المؤسسات الإعلامية المحلية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية للصحافة والإعلام ومنظمة "مراسلون بلا حدود" وغيرها، معتبرة ذلك عملية غير قانونية تستهدف تضييق الخناق على حرية الصحافة ومنعها من الرقابة على ممارسات الحكومة باسم الرأي العام.
ولما وقع الانقلاب الفاشل الذي بدأ زعيم المعارضة وكثير من الكتاب العلمانيين يصفونه بـ"الانقلاب تحت سيطرة أردوغان"، أطلق الرئيس أردوغان حملة مضادة صباح ليلة الانقلاب أسماها المعارضون "انقلابًا مدنياً مضادًا"، أطاح في إطارها بكل القادة في المؤسسة العسكرية التي هي العلمانية والكمالية في جوهرها، وأعضاء القضاء الأعلى المنتمين إلى تيارات مختلفة، بفضل التهمة ذاتها (الانتماء لحركة الخدمة)، سواء شاركوا في الأحداث أم لم يشاركوا، وكانوا منتمين إلى الحركة أو لم يكونوا على أي صلة بها.
وتتهم المعارضة التركية والتقارير الدولية الرئيس أردوغان باستخدام تهمة "الانتماء إلى حركة الخدمة" لإعادة ترتيب أجهزة الأمن والقضاء وتصميمها مجددًا وفق أهدافه، من خلال توظيف تحقيقات الفساد والرشوة، بعد أن كشفت تلك الأجهزة القناع عن فساد حكومته؛ وكذلك المؤسسة العسكرية من خلال استغلال محاولة الانقلاب بعد أن رصدت تلك المؤسسة علاقات حكومته المشبوهة مع المجموعات المتطرفة والإرهابية كتنظيم داعش في سوريا.