بخطى ناعمة، وأفكار عبرت عنها خطابات خشنة ومتشددة، تسلل التكفيريون بيننا، أغوت أفكارهم مئات الشباب فى القرى والنجوع والأقاليم، وبالمال والسلاح، شكلوا تنظيماتهم، وصار فى بلادنا انتحاريون يرتدون أحزمة ناسفة كانوا قد حملوا مقدار ثقلها من التشدد فى رؤوسهم الشابة بعد عمليات غسل مخ واسعة، غابت عنها أفكار الأزهر وما أسسته المنارة العلمية الوسطية طوال سنوات عديدة، لتخلو الساحة لداعش ويتوغل رويدًا، ومع تصاعد التأثير الداعشى تتصاعد فى المقابل الدعوات لتجديد الخطاب الدينى من كل الفئات وفى المقدمة منهم رأس الدولة الرئيس عبدالفتاح السيسى، من دون أن يجيب أحد عن السؤال المحير: من الذى يعطل تجديد الخطاب الدينى فى مصر وبالتبعية فى العالم الإسلامى باعتبار الأزهر منارة الوسطية لشعوب الأمة؟
"لم تعد فكرة تجديد الخطاب الدينى رفاهية كما كانت من قبل بل صارت فرض عين على العلماء لدفع البلاء عن الأمة بعدما لحق بنا من موت وخراب"، تلك مسلمة يتحدث الجميع عن إيمانه بها، لكن المتابع لتاريخ المؤسسة الأزهرية يدرك على الفور المحطات التى مرت بها حتى تداعت أمام هيمنة المتشددين بما لديهم من إمكانات مادية كبيرة تستقطب المتشددين من الشباب.
منذ عام 1905، وهو العام الذى شهد وفاة الإمام المجدد محمد عبده، لم يأخذ عالم أزهرى أو غير أزهرى على عاتقه مبدأ تجديد الخطاب الدينى، ولم يستطع الأزهر الشريف صد موجة الوهابية التى أثرت على المنبر الأزهرى كمدرسة وسطية مستنيرة بعد أن جذب الخليج بأمواله ونفطه أساتذة الأزهر، للتدريس فى جامعاته الثرية وصار الحفاظ على الأزهر كمدرسة وسطية أمرًا مستحيلًا، ناهيك عن ظهور إمام للتجديد، غير أن تعاليم محمد عبده كمدرسة للتجديد اختفت ولم يعد لها وجود فى الفكر الإسلامى المعاصر.
وقال الدكتور محيى الدين عفيفى، الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية، إن إنشاء أكشاك للجنة الفتوى فى مترو الأنفاق يستهدف حماية المواطنين من المتشددين والتكفيريين الذين يستحلون دماء الغير من خلال الفتاوى، لافتا إلى أن هذه الأكشاك ستكون فى عدد من محطات المترو، إلى جانب إنشاء مقرات للفتوى فى كل محافظات الجمهورية.
ووجه "عفيفى"، الشكر للمسؤولين بشركة مترو الأنفاق الذين قدموا تسهيلات عديدة لمجمع البحوث الإسلامية ولجنة الفتوى، قووافقوا على إنشاء الأكشاك دون مقابل مادى، موضحا أن مشيخة الأزهر استهدفت سد الفراغ وإغلاق الطريق على الفتاوى المتشددة، فالمواطن لديه مشكلة دائمة فى ضيق الوقت، ما يصعب عليه الذهاب لدار الإفتاء لأخذ الرأى، متابعا: "إحنا قررنا نروح لهم لحد عندهم بدلا من اضطرار الشخص للجوء لمتشدد فى الفتوى، لنعطيه نحن المعلومة من مصدر موثوق منه".
وأضاف الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية فى تصريحات صحفية، أن إنشاء تلك الأكشاك يمثل جزءا من مواجهة الإرهاب من خلال علماء الأزهر المؤهلين، ويحميهم من المتطرفين، فأنتم دائما ما تنادون الأزهر بالتحرك لمواجهة التطرف، والآن نعمل من خلال جهود متواصلة تصب فى إطار مجهود الدولة لقطع الطريق على غير المؤهلين للفتوى وحماية الإنسان من أى فكر متشدد.
وحول حديث البعض بشأن الأمر وقولهم إنه كان الأفضل للأزهر أن يراجع الأفكار والمناهج التعليمية الدينية، قال أمين عام مجمع البحوث الإسلامية إن الأزهر لديه استراتيجية تسير فى خطوط متوازية، لمراجعة المناهج واستحداث قضايا جديدة، فالمشيخة حريصة على الاحتكاك بالمواطنين وتطوير أفكارهم
من جانبها، قالت الدكتور "آمنة نصير" أستاذ العقيدة والفلسفة وعضو مجلس النواب، ان مشروع الأزهر المسمي "أكشاك الفتوي" أو دكان الفتوي، خالى من الحكمة والفراسة.
وأوضحت "نصير" في تصريحات لـ"أهل مصر"، أن الناس في مترو الأنفاق كل منهم يذهب فى اتجاه نحو لقمة العيش، تلهيهم ظروف الحياة الصعبة، وليس من المناسب أن أضح مشايخ في "كشك" للاجابة عن أسئلة العوام، معلله ذلك بأنه ليس المكان ولا الزمان المناسب، ولا يمس بتجديد الخطاب الديني.
وفي سياق آخر، قال "أحمد سامر"، أمين حزب المصريين الأحرار، إن التطرف الديني له العديد من العوامل، ومهمة محاربته ليس على الأزهر فقط، موضحا على أن المنطقة تعاني من الإرهاب والتطرف.
وأشار "سامر" في تصريحات تليفزيونية، إلى أن إقامة "أكشاك للفتوى"، يعني شيئا من اثنين إما أن الشعب خرج من الدين، أو أنه تطرف ويحتاج للهدوء أكثر.
وتابع أمين حزب المصريين الأحرار: "بعد ثورة يناير الكنيسة المصرية لديها عدد من الإشكاليات مع الشباب وبعضهم يلحد، وإذا سمحنا بأكشاك الفتوى، فلا بد من السماح بأكشاك مماثلة للكنيسة، الأمر الذي سيدخلنا في متاهات كثرية نحن في غنى عنها".
وأوضح أن إقامة هذه الأكشاك في المترو هو نوع من أنواع "البروباجندا"، لأن الأزهر يعاني من أزمة ثقة، مشددا على أن تجديد الخطاب الديني مسئولية المجتمع المصري كله.