نعيش معك..نسير معك..نجوع معك..و حين تموت:نحاول ألا نموت معك! كتب هذا "محمود درويش في رثاء" جمال عبد الناصر، وفقاً لما جاء في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية في ذكري ثورة 23 يوليو الذي تزعمها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.
وقالت الصحيفة يمثل جمال عبد الناصر، كما تمثل مرحلة ازدهار القومية العربية التي كان أحد أبرز شخوصها، مرحلة هامة في فصول الذاكرة الفلسطينية.
فبالإضافة غلي أنه قائداً عربيًا امتلك رؤية قومية تتضح معها معالم الدولة العربية، بالإضافة إلى كونه طرفًا في مشروع الوحدة العربية الذي تمخض عنه ارتباط سوريا ومصر، إلا أنه أيضاً كان على صلة وثيقة بأبرز قيادات الثورة الفلسطينية.
وبرغم تغير خريطة التحالفات مع القيادات الفلسطينية، اكتسبت شخصية جمال عبد الناصر حضورها الخاص في الوعي الفلسطيني، من خلال فكرة الوحدة العربية.
كانت بداية جمال عبد الناصر مع القضية الفلسطينية قبل أن تكتسب القضية زخمها العالمي بكثير؛ إذ حارب الرجل بعد حرب النكبة، مع الجيش المصري في الأراضي الفلسطينية؛ حرب ربما غذت رغبته في الإطاحة بالحكم الملكي لمصلحة الشعب المصري.
ومع ذلك فقد كانت مصر هي أولويته عند وصوله إلى الحكم سنة 1952، وزعمت الصحيفة أن عبد الناصر حاول بدء مفاوضات سرية مع إسرائيل، ففي أغسطس سنة 1954 أوضح في حديث له مع لوموند الفرنسية:
"نحن نحتاج إلى السلام كي نواجه مشكلاتنا الداخلية الحيوية، وتستطيع الولايات المتحدة أن تضطلع بدور الوسيط بين إسرائيل والدول العربية، وكثيرًا ما سعت إسرائيل للظهور بمظهر البلد الصغير الأعزل، في واقع الأمر، إن إسرائيل هي الدولة الباغية، ومع ذلك نريد وضع حد للحالة الراهنة السائدة بين الدول العربية وإسرائيل، لكننا نرغب في أن يتم تطبيق قرارات الأمم المتحدة".
إلا أن بن غوريون ورفاقه لم يبدوا مكترثين بالتسوية، وتفاقم الوضع حينما قصفت إسرائيل قطاع غزة سنة 1955 لتقتل بذلك 38 جنديًا مصرياً، يمكن القول أن هذه الحادثة شكلت نقلة مفصلية لا رجعة فيها بالنسبة لجمال عبد الناصر، حيث سيطلب إمدادات عسكرية من تشيكوسلوفاكيا سنة 1956.
وبرغم انضمام مصر إلى ما عرف بدول عدم الانحياز للنأي بنفسها عن ثنائية الحرب الباردة، إلا أنه سرعان ما وجد نفسه مضطرًا لاتخاذ موقف منحاز.
وقرر عبد الناصر الانحياز للقضية الفلسطينية، لأنه وجدها قضية العالم العربي لا قضية الفلسطينيين وحدهم، وكان بديهيا جدا وهو رجل القومية العربية أن يتحالف مع أكثر الفصائل الفلسطينية تقاطعًا مع مشروعه القومي، حركة القوميين العرب، وأخذ دعم جمال عبد الناصر أشكالاً أخرى أواسط الخمسينيات حيث درب الجيش المصري بعد احتلاله قطاع غزة كتائب فدائية فلسطينية، وفقاً للصحيفة.
جورج حبش
ولد جورج حبش سنة 1926 في مدينة اللد الفلسطينية، قبل أن يجري تطهيرها عرقيًا على أيدي القوات الصهيوينية سنة 1948، ويشهد أبشع المجازر التي ارتكبت بحق سكان المدينة حينها.
نزحت عائلته إلى بيروت حيث درس الطب في الجامعة الأمريكية هناك، ليحمل هم القضية الفلسطينية معه منذ كان طالبًا جامعيًا.
أقام جورج حبش العديد من الندوات حول القضية الفلسطينية في الجامعة، والتف حوله طلاب أردنيون وعراقيون وسوريون وجدوا في القضية الفلسطينية قضية كل العرب.
بعد عدة ملاحقات من الأنظمة العربية على ضوء مطالبات جورج حبش تسليح الفلسطينيين، وعلى أثر هزيمة النكسة، أسس جورج حبش الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في ديسمبر 1967، وكانت الجبهة ذات التوجه القومي تتقاطع مع الفكر العربي القومي الذي نادى به جمال عبد الناصر.
بدأ جمال عبد الناصر بإمداد الحركة بالعتاد والسلاح، وربطته علاقة صداقة قوية بـحكيم الثورة الفلسطينية (لقب لـ جورج حبش) إلا أنها صداقة لم تدم بسبب ما خرجت به الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في مؤتمرها الثاني، حيث نصت القرارات على أنها ستتحالف مع جمال عبد الناصر في محاربة اسرائيل، إلا أنها ستخالفه فيما يتعلق بالعدالة الاجتماعية، ليسحب جمال عبد الناصر دعمه للجبهة ويتجه نحو فتح متمثلة بياسر عرفات.
تراكم تأثر الجبهة الشعبية بالفكر اللينيني، ودفع هذا التأثر إلى التوجه نحو الاتحاد السوفييتي، ويمكن القول أن مركزية القضية الفلسطينية بالنسبة للتيار القومي الفلسطيني، وانخراط العديد من اليابانيين والأمريكيين الجنوبيين في العمليات النوعية للجبهة الشعبية، جعلا التيار القومي في فلسطين يأخذ طابعا أمميًا يقلص تحالفاته العربية وينكفئ على تحالفاته مع القوى المناوئة للامبريالية عوضا عن اللحاق بركب الوحدة العربية،وأصبحت بهذا الجبهة الشعبية خارج حسابات جمال عبد الناصر.
لم يتوقف جمال عبد الناصر عن توفير الدعم للقضية الفلسطينية، إلا أنه أخذ أشكالا أخرى غير تمويل الفصائل الفلسطينية وتزويدها بالأسلحة.
وشكلت أيامه بالنسبة للفلسطينيين مرحلة مما يمكن تسميته استقرارًا، حيث سهل التعليم الجامعي المجاني لكل من كان فلسطينيا، وأرسلت في أيامه بعثات إلى مدينة القدس، يقول من عاصروها أنها كانت أفضل سنوات المدينة المقدسة، فكان يأتي المهندسون والمعماريون من مصر للإشراف على ترميم البلدة القديمة، وأرسلت بعثات من كبار المشائخ في شهر رمضان إلى المسجد الأقصى المبارك للتلاوة طيلة الشهر، ومنهم الشيخ عبد الباسط عبد الصمد.
هكذا يمكن القول أن جمال عبد الناصر قد استطاع التواجد في أذهان الفلسطينيين ممثلاً لشخصية البطل، والقائد المنقذ.