باتت مصر حاضرة دومًا في تطورات المشهد السياسي الليبي، فبعد أقل من شهر على لقاء اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا برئاسة الفريق محمود حجازي بوفد مدينة مصراتة في القاهرة مطلع يوليو الجاري والذي ضم 16 سياسيا ورجل أعمال، في إطار استمرار الجهود المصرية المبذولة من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا، كانت مصر حاضرة بقوة كذلك في صياغة المبادرة الفرنسية لحل الأزمة الليبية، عقب تشاور الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مع مصر والدول الأخرى المعنية بتطورات الأزمة وهي والمغرب والجزائر والإمارات.
وكان قصر "لاسيل سان كلو" الفرنسي قد شهد لقاءً بين طرفين مهمين في النزاع الليبي هما المشير خليفة حفتر القائد العام للجيش الوطنى الليبى وفائز السراج رئيس المجلس الرئاسى الليبى، سعى إلى ترتيبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتقريب وجهات النظر وتسهيل مهمة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة.
وفي إطار التحرك الدبلوماسي المصري المتواصل والفعال، لدعم جهود تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا، التقى سامح شكري وزير الخارجية خلال زيارته إلى باريس مع كل من فايز السراج والمشير خليفة حفتر، ومبعوث سكرتير عام الأمم المتحدة إلى ليبيا. ورحب شكري بنتائج اللقاء الذي جمع السراج مع حفتر في فرنسا، واعتبره يمثل خطوة إضافية هامة على مسار تحقيق المصالحة الوطنية ورأب الصدع بين الأطارف الليبية المختلفة.
وحرص الوزير شكرى خلال لقائه مع مبعوث سكرتير عام الأمم المتحدة غسان سلامة علي التأكيد على محورية دور الأمم المتحدة في متابعة تنفيذ "اتفاق الصخيرات"، وإحاطة المبعوث الأممي بالجهود التي قامت بها مصر مؤخرًا من اجل تقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية، فضلًا عن تقييم الجهود الإقليمية والدولية المبذولة في هذا الشأن.
وفي ختام اللقاء الذي احتضنته فرنسا بين حفتر والسراج، تم التوقيع على إعلان مبادئ يُعد هو الثاني من نوعه الذي يوقعه الطرفان، إذ سبق هذا الإعلان توقيع "إعلان القاهرة" في ديسمبر 2016، ويتضمن إعلان باريس عشر نقاط هي:
أولًا: حل الأزمة الليبية لن يكون إلا سياسيا، ويمر عبر عملية مصالحة وطنية يشارك فيها جميع الليبيين، بما في ذلك المؤسسات والأمن والدولة العسكرية، المستعدون للمشاركة بشكل سلمي. كما تم الالتزام بتأمين عودة النازحين واللاجئين، وإقرار مسار العدالة الانتقالية والتعويض والعفو الوطني، وتطبيق المادة 34 المتعلقة بالترتيبات الأمنية للاتفاق السياسي الليبي (الصخيرات).
ثانيًا: الالتزام بوقف إطلاق النار، والامتناع عن استخدام أي قوة مسلحة لا ترتبط بعمليات مكافحة الإرهاب، وفقا للاتفاق السياسي الليبي وللمعاهدات الدولية، ضمانا لحماية أراضي وسيادة الدولة الليبية.
ثالثًا: الالتزام ببناء دولة القانون في ليبيا، ذات سيادة، مدنية وديمقراطية، تضمن الفصل بين السلطات، والانتقال السياسي السلمي، واحترام حقوق الإنسان، وما لديها من مؤسسات وطنية موحدة مثل: البنك المركزي وشركة النفط الوطنية وهيئة الاستثمار الليبية. وتضمن هذه الدولة أمن المواطنين وسلامة أراضيها وسيادتها، فضلا عن حسن إدارة الموارد الطبيعية والمالية، بما فيه مصلحة جميع الليبيين.
رابعًا: التصميم على تفعيل (اتفاق الصخيرات) الموقع في 17 ديسمبر 2015 وعلى مواصلة الحوار السياسي، استمرارا للاجتماع المنعقد في أبو ظبي في 3 مايو الماضي، بدعم من العمل النزيه للممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة (غسان سلامة).
خامسًا: الالتزام ببذل كافة الجهود الممكنة لمواصلة عمل مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا، بما يضمن حوارا سياسيا شاملا يشارك فيه مجلس النواب الليبي ومجلس الدولة.
سادسًا: التعهد باستكمال النقاشات التي عُقدت بقصر "سيل سان كلو" لإيجاد ظروف مواتية من أجل عمل مجلس النواب ومجلس الدولة، واللجنة الوطنية العليا للانتخابات، للتحضير لعقد انتخابات مقبلة.
سابعًا: الالتزام ببذل كافة الجهود المطلوبة لنزع سلاح المقاتلين، وإعادة دمج المسلحين الراغبين في الانضمام إلى القوات النظامية الوطنية، وإعادة دمج الآخرين في الحياة المدنية الاعتيادية. وسيتألف الجيش الليبي، وفقا للاتفاق، من القوات العسكرية النظامية للدفاع عن الأراضي الليبية، بموجب ما تنص عليه المادة 33 من الاتفاق السياسي الليبي.
ثامنًا: العمل على وضع خارطة طريق من شأنها ضمان أمن الأراضي الليبية وقواتها الدفاعية في مواجهة كافة التهديدات، وعمليات الاتجار بجميع أشكالها. وتعد الخطة جزءا من إعادة توحيد المؤسسات العسكرية والأمنية لتنسيق مكافحة الإرهاب، وضمان السيطرة على تدفق المهاجرين من السواحل الليبية، لتأمين وضبط الحدود ومكافحة الشبكات الإجرامية التي تستغل ليبيا وتعمل على زعزعة الاستقرار في منطقة البحر المتوسط.
تاسعًا: الالتزام رسميا بالعمل على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في أقرب وقت ممكن، بالتعاون مع المؤسسات المعنية، وبدعم وإشراف منظمة الأمم المتحدة.
عاشرًا: مطالبة مجلس الأمن للأمم المتحدة بدعم المبادئ التوجيهية لهذا الإعلان، وإجراء المشاورات اللازمة مع مختلف الفاعلين الليبيين.
وكان "إعلان القاهرة" هو الأول من نوعه إذ رسم خريطة طريق لحل الأزمة الليبية وجاءت كل التطورات والاجتماعات والمشاورات بعد ذلك نابعة من هذا الإعلان، فقد احتضنت القاهرة اجتماعًا يومي 12 و13 ديسمبر 2016 ضم نحو 120 شخصية من بينها شيوخ قبائل ليبية وممثلون عن الفصائل ومهتمون بالشأن العام في ليبيا، حيث دار حوار مفتوح ومعمق تم خلاله التطرق إلى الأوضاع الراهنة بليبيا والاتفاق على عدة بنود تشكل خارطة طريق للمرحلة القادمة.
وقالت الخارجية المصرية في حينها إنه وبعد نقاش مستفيض من المجتمعين على مدى يومين كاملين وبرعاية وحضور الفريق محمود حجازي رئيس أركان الجيش المصري وسامح شكري وزير الخارجية اتفق الحاضرون على أن الاتفاق السياسي الذي تم برعاية الأمم المتحدة وفريقها للدعم في ليبيا يصلح لحل الأزمة الليبية إذا ما تم إدخال بعض التعديلات على ما تضمنه من أحكام وملاحق ليكون من شأنه إنهاء حالة الانقسام التي تعيشها البلاد منذ العام ٢٠١٤، ويضع حدًا للأوضاع المتدهورة على كافة الأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والإنسانية التي تتخبط فيها البلاد وتطحن مواطنيها وتزيد في معاناتهم.
واتفق المجتمعون على تثمين الدور الذي تلعبه مصر من منطلق مسؤوليتها التاريخية في الحفاظ على وحدة واستقرار وسلامة ليبيا وأكد المجتمعون الالتزام بالبنود التالية:
أولًا: وحدة التراب الليبي وحرمة الدم وأن ليبيا دولة واحدة لا تقبل التقسيم. ثانيًا: وحدة الجيش الليبي إلى جانب شرطة وطنية لحماية الوطن والاضطلاع الحصري بمسؤولية الحفاظ على الأمن وسيادة الدولة.ثالثًا: ضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية ووحدتها واحترام سيادة القانون، وضمان الفصل بين السلطات وضمان تحقيق العدالة.
ورابعًا: ترسيخ مبدأ التوافق وقبول الآخر ورفض كافة أشكال التهميش والإقصاء. خامسًا: رفض وإدانة التدخل الأجنبي وأن يكون الحل بتوافق ليبي. سادسًا: تعزيز وإعلاء المصالحة الوطنية الشاملة. سابعًا: المحافظة على مدنية الدولة والمسار الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة.
وذكرت الخارجية المصرية أنه بعد التطرق لمختلف الشواغل التي تعرقل تطور العملية السياسية وكذلك مختلف الحلول والبدائل المناسبة التي يمكن طرحها على الأطراف الليبية المختلفة دون إقصاء لإنهاء حالة الانسداد السياسي، توصل المجتمعون للمقترحات التي يرونها لتجاوز أزمة الاتفاق السياسي والوصول به الى الوفاق الوطني وهي: تعديل لجنة الحوار بشكل يراعي التوازن الوطني. وتعديل الفقرة الأولى من البند الثاني من المادة الثامنة من الاتفاق السياسي من حيث إعادة النظر في تولي مهام القائد الأعلى للجيش. ومعالجة المادة الثامنة من الأحكام الإضافية من الاتفاق السياسي بما يحفظ استمرار المؤسسة العسكرية واستقلاليتها وإبعادها عن التجاذبات السياسية.
وإعادة النظر في تركيب مجلس الدولة ليضم أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبون في 7 يوليو 2012، وإعادة هيكل المجلس الرئاسي وآليه اتخاذ القرار لتدارك ما ترتب على التوسعة من إشكاليات وتعطيل.
ومع تواصل الجهود المصرية من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا، وتحقيقًا لهذا الهدف، جاء لقاء اللجنة الوطنية المصرية المعنية بليبيا برئاسة الفريق محمود حجازي بوفد مدينة مصراتة في القاهرة مطلع يوليو الجاري والذي ضم 16 سياسيا ورجل أعمال، في إطار استمرار الجهود المصرية المبذولة من أجل تحقيق الاستقرار في ليبيا عبر سياسة الحوار الهاديء مع كافة مكونات المجتمع السياسي الليبي.
وكانت مصر قد استقبلت أكثر من مرة وفي شكل منفصل، رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح ورئيس الحكومة الانتقالية فايز السراج وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، برعاية رئيس الأركان المصري الفريق محمود حجازي المكلف بالملف الليبي، وقد أوجدت اللقاءات مع الأطراف الثلاثة مقدارًا واسعًا من التفاهم، تم تتويجه بتوقيع اتفاق في أبو ظبي برعاية مصرية ـ إماراتية، إذ اتفق رئيس المجلس الرئاسي الليبي فائز السراج وقائد الجيش الليبي المشير خليفة حفتر، على مكافحة الإرهاب وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، والاتفاق على عدة محاور قد تساعد في حل الأزمة الليبية المتفاقمة منذ مقتل الرئيس الليبي السابق معمر القذافي.
إذ تهدف الجهود المصرية المتواصلة إلى إتاحة الفرصة كاملة لليبيين للتوصل إلى حلول ترضي جميع مكونات المجتمع السياسي الليبي، مع مواصلة العمل للتعرف على القضايا الأساسية المطلوب حلها ودعم الأطراف الليبية وتشجيعهم على التوصل إلى التوافق المطلوب، وذلك في ضوء الإطار العام الذي حددته مختلف الأطراف الليبية في الاجتماعات التي استضافتها القاهرة منذ اندلاع الأزمة وحتى الآن، باعتبار مصر هي بوابة حل الأزمة الليبية.
ويمثل تأكيد مصر بأن حل الأزمة الليبية لا يمكن أن يكون إلا سياسيا، وضرورة العمل على تعزيز دور المؤسسات الليبية وفى مقدمتها الجيش الوطنى الليبى، وأهمية الحفاظ على تلك المؤسسات بما يمكّنها من بسط سيطرتها على كامل الأراضى الليبية واستعادة الأمن فى ليبيا ومكافحة الإرهاب، جوهر "إعلان باريس".