تركوا طفولتهم وتجاهلوها لتصبح من الماضي، هجروا الملاعب والملاهي وعقدوا الصفقات مع مقالب الزبالة والروائح العفنة، واعتبروها الدجاجة التي تبيض ذهبًا لتصبح مقالب القمامة كل عالمهم ومصدر رزقهم ومصدر لطعام البعض منهم.
تجولت عدسة "أهل مصر" داخل مقالب القمامة بشوارع شبرا الخيمة، هنا يمرح الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين الثماني والأربع عشرة سنة، منهمكين في مداهمة الشاحنة الداخلة إلى المكان، ليظفر كل منهم بغنيمته، لم نتمكن من التمييز بين الكبار والأطفال إلا بالحجم، فالعمل كان بنفس الطريقة، وتشابهت الحركات والأكياس التي كانت تحوي ما جمعوه من نفايات صالحة للبيع، إلا أن حجمهم الصغير دل عليهم، وبمجرد السؤال عن الأطفال الذين يعملون، تظهر وجوهًا غطاها الغبار والأوساخ، ولم يعد يظهر منهم سوى أسمائهم، كل هؤلاء طلقوا المدارس وقرروا دخول "عالم الشغل" من باب الرزق ليخلعوا ثوب البراءة ويتنازلوا عن الطفولة، وهم يجرون وراء الشاحنات ويتمسكون بها للظفر بنصيبهم من غنيمة ما تجلبه، ويدخلوا عالما يجعلهم أطفالا فوق العادة، ومنهم من ليس له بيتًا يقطن فيه ولا يوجد وسيلة لإيجاد الطعام فيلجئ للقمامة للظفر بلقمة عيش منها.
ـــ الحيتان والغلابة
في مقالب القمامة تتساوى الحياة، أطفال يعملون بالسخرة، وآخرون ضاعت براءتهم، و"معلمين" كبار يستثمرون في عَرَق الغلابة من الأطفال، ويجبرونهم في أحيان كثيرة على التسول، أو احتراف السرقة، وفي الماضي نجحت الأجهزة الأمنية في القبض كثير من تجار القمامة مخزني خردة وقمامة في شبرا بتهمة استغلال الأطفال والهاربين من ذويهم فى جمع القمامة وتعريضهم للخطر والانحراف.
ـــ أطفال الشوارع.. والقنابل الموقوتة
قال "محمود، ع"، أحد شباب حي شرق شبرا لـ"أهل مصر": "الأطفال بتنام في الشوارع وبيتقبض عليهم، وبتكون العيال نايمة في الشارع جنب بعضهم والشرطة بتفتكر أنهم بيعملوا حاجات عيب، لكن في الحقيقة هما بيناموا في الشارع لأنهم تركوا أسرهم واشتغلوا في جمع القمامة لحسابهم وبيبيعوها لتجار متعهدين".
وأضاف: "للأسف بعض المتعهدين بيستغلوهم ويشغّلوهم لحسابهم الخاص وبيجبروهم على التسول على الطرق السريعة وفي الأسواق والناس بتشفق عليهم لأن هدومهم بتكون مش نظيفة".
وقال "سعيد" لـ"أهل مصر": "أعمل في جمع القمامة منذ 4 سنين ولم ألتحق بالتعليم لأن والدي أحضرني إلى هنا للعمل في المقلب"، وأضاف: "أقوم بجمع القمامة من صناديق القمامة، وتجميعها وتصنيفها كل نوع على حدة، ثم أقوم ببيع القمامة الخارجة من التصنيف حسب سعر كل منها".
ـــ الفقر والتفكك الأسري
من جانبها، قالت الإخصائية النفسية الدكتورة سامية خضر لـ"أهل مصر"، إن الأطفال الذين يعملون في هذه البيئة والظروف دائمًا ما يكونون عرضة للتشرد والعنف والانحراف الجسدي والأخلاقي، مشيرًة إلى أنهم يصبحون بمثابة نواة لمجتمع إجرامي فيما بعد.
وأضافت أن الدولة والمجلس القومي لرعاية الطفولة مطالبان بالنظر إلى مناطق شبرا الخيمة بشكل عام وأن يتوغلوا بها والنظر ايضًالمقالب القمامة في شبرا الخيمة بوجه خاص، ليتم تفريغ هذه المناطق من الأطفال الذين سواء يعملون في هذه المهنة او يأكلون منها، لأنهم يتعرضون لأبشع أنواع الاضطهاد الاجتماعي وهم فى سن خطرة، مشيرًا إلى أن الدافع وراء عمالة هؤلاء الأطفال في هذه المهنة هو الفقر والتفكك الأسري وعدم وجود رقابة من المجتمع.