شباب من صغار المزارعين ضاقت بهم سبل العيش، فلا مصدر رزق لهم إلا الزراعة، التى اعتبروها الملاذ الوحيد لتوفير لقمة العيش لهم ولـ2800 أسرة ليحيوا حياة كريمة فنحتوا فى الصخر وذاقوا الأمرين واستصلحوا أراضى بوادى النقرة، بتجهيز البنية الأساسية لها منذ عام 2003 على نفقتهم الخاصة، ولم يكلفوا الدولة مليمًا، وصمدوا أمام محاولات من رجال الأعمال الذين خصصت لهم آلاف الأفدنة، التى شابت اجراءاتها العديد من شبهات فساد وتزوير ورشوة بمساعدة الفاسدين بأجهزة الدولة، فقاموا بتلفيق القضايا للمزارعين البسطاء، ومحاولة الضغط عليهم لطردهم والتعدى عليهم وعلى زراعاتهم بالحرق تارة وبسرقة معدات الزراعة تارة أخرى، من قبل بلطجية يحملون الأسلحة الآلية يستأجرهم رجال الأعمال ليرهبوا المزارعين، بحسب تأكيد شباب المزارعين.
وبالرغم من ذلك "عافر" المزارعون فى أراضيهم، وجنوا ثمار تعبهم على مدار 10 سنوات من محاصيل زراعية كالقمح والقصب وأشجار المانجو، وسعوا مرارًا وتكرارًا لتقنين أوضاع ألف ومائتى فدان، وبدلًا من أن تحميهم الدولة فى ظل توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتقنين وتوفيق أوضاع المزارعين البسطاء، والذين قاموا بالزراعة قبل عام 2005، فوجئوا بحملات إزالة منتصف مارس الماضى دمرت أراضيهم وبورت 400 فدان، متهمين بتواطؤ مسؤولى هيئة التعمير مع رجال الأعمال من أصحاب النفوذ بالتلاعب فى الأوراق والتعدى على حقوقهم، وذلك بالرغم من حيازة المزارعين لمستندات تفيد سدادهم الرسوم لهيئة التعمير، لتقنين وضعهم وتقدمهم للجنة المهندس محلب للتقنين قبل أن يتم سلب الحيازة، فى مخالفة صريحة من مسؤولى التعمير لتوجيهات الرئيس .
ــــ فى البداية مشروع وادى النقرة
أنشئ مشروع وادى النقرة بمحافظة أسوان فى عام 2003 تحت مسمى مشروع مبارك للتوطين، وهو عبارة عن 65 ألف فدان، كانت مخصصة لشباب الخريجين والمنتفعين، وتم تخصيص مساحة 50 ألف فدان منها للمستثمرين ورجال الأعمال، ومنح 15 ألف فدان لشباب الخريجين والمنتفعين من 5 محافظات هى قنا وسوهاج والمنيا وبنى سويف وأسوان، ويضم مشروع وادى النقرة 5 قرى هى: الآمال 1825 فدانًا والحكمة 321 فدانًا والمنار 3375 فدانًا والكرامة 2930 فدانًا والبراعم 1700 فدان، ويصل عدد المنتفعين فى جميع قرى المشروع إلى نحو 2800 منتفع، تم توزيعهم على القرى مع منح كل منتفع مسكن مساحته 200 متر، عبارة عن غرفة واحدة وصالة و5 أفدنة، مقابل سداد أقساط عن الأرض والمسكن.
تحولت منطقة وادى النقرة إلى وكر للمجرمين وقطاع الطرق والفارين من السجون عقب ثورة 25 يناير، والذين اتخذوا من مركز نصر النوبة وسيلة للنهب والسرقة، خاصة السيارات والمعدات الزراعية، والتى كشفت عنها العديد من محاضر الشرطة، التى تم تحريرها دون أن يتحرك أحد للتحقيق فيها والسبب هو العلاقة الوطيدة بين بعض من ذوى النفوذ والخارجين على القانون.
ــــ استغاثات
أطلق 30 مزارعًا من صغار مزارعى وادى النقرة بمركز نصر النوبة بمحافظة أسوان استغاثة للرئيس عبدالفتاح السيسى، لنجدتهم من الظلم الواقع عليهم وسلبهم مصدر رزقهم الوحيد لصالح رجال الأعمال، بعد أن تعرضت أراضيهم للإزالة.
يقول محمد الجزارـ مزارع: إنه استصلح أرضه منذ عام 2007 وأصبح له 25 فدانًا من المانجو، الموالح والليمون، ويوضح أنه طوال تلك السنوات لم يتعرض أو الآخرين لأى مسآءلة قانونية، وبعضهم قدم أوراقه لهيئة التعمير منذ سنوات واستوفوا الطلبات والأوراق اللازمة، مضيفًا بأنه تقدم بأوراقه للجنة استرداد أراضى الدولة برئاسة المهندس إبراهيم محلب قبل أن تتم سلب الحيازة وإزالة الأراضى الزراعية، وتدميرها وتدمير الأحواش والمنازل، قبل حضور لجنة محلب مرة أخرى، حتى تجد الواقع مغايرًا لما تقدموا به، فلا زراعات ولا حيازة الآن.
وتابع الجزار بأن سبب الحملة هو طمع أحد رجال الأعمال فى الأراضى التى بحوزتهم، والتى تقدر بنحو ألف ومائتى فدان"، لذلك جاءت حملة الإزالة التى حرثت أراضيهم وحاولت إجبار بعضهم على التنازل عن أرضه، "قلعوا شجر المانجو والليمون والنخل وهدموا بيتى، وشبكة الرى بالتنقيط كسروها، ومنعوا التصوير أثناء الإزالة، وكل من صور محوا ذاكرة هاتفه حسب تأكيده.
واستطرد بأن" مصدر رزقنا وحياتنا الوحيد فى الأرض، ولا نحمل الدولة أى نفقات، بل نورد منتجاتنا ومحصولنا للجهات والمصانع الحكومية". يتابع الجزار، مضيفًا "هم يريدون إعطاء أراضينا لامبراطور أراضٍ للتجارة والاستثمار، ولا نريد شيئًا كثيرًا، فقط الأراضى التى استصلحناها ونزرعها، ونريد دفع ثمنها أكثر من أى شخص، لأننا نعرف قيمة الأرض، ولا نريد المتاجرة فى أراضى الدولة، فقط نريد تقنين الأوضاع وتملكها قانونًا".
وقال المزارع: إنه التقى بالرئيس السيسى خلال زيارته الأخيرة لأسوان وأثناء تواجده على الكورنيش طلب أن يسلم عليه، مضيفًا "قلت له إننا مزارعو أرض وادى النقرة، ونريد تعديل أوضاعنا والاهتمام بالمزارعين، وقال لى فى الخطة إن شاء الله"، وهو ما جعلهم يوجهون استغاثات أخرى للرئاسة، متهمين رجال هيئة التعمير بمركز كوم أمبو بالوقوف والتواطؤ عليهم والاستيلاء على 1200 فدان، وإتلاف وتدمير نحو أربعمائة فدان مزروعة وأنظمة رى تقدر بنحو 15 مليون جنيه.
ويقول محمد أحمد حسين، مزارع إن التواطؤ الفعلى واقع عليهم من هيئة التعمير التابعة لوزارة الزراعة مع رجال الأعمال، متهما إياهم بتبديل قطع الأراضى والتلاعب فى محاضر التسليم وطمس معالم الأراضى، لكى تتوه الحقيقة وتصبح غير مطابقة للواقع.
ويقول المزارع حسين الأمير أبوزيد: "قمنا بزراعة أراضى بمشروع وادى النقرة بنصر النوبة بمحاصيل وقمح واشجار فواكه وقمنا بتوريد محاصيل القصب إلى مصانع سكر كوم أمبو طوال 10 سنوات سابقة، ووردنا مبالغ كبيرة إلى خزانة الهيئة العامة لمشروعات التعمير بمنطقة الدقى ووزارة الزراعة، بعد فتح أبواب التقنين لواضعى اليد، واقمنا الترع والمساقى طوال هذه المدة، واقمنا مقرات تحتوى على الأدوات الزراعية".
وأضاف فى الوقت ذاته اشترت شركة "أجرى فيست" وصاحبها رجل الأعمال اللواء صلاح شلاضم، من محافظة السويس قطعة أرض رقم 21 و22 من المشروع بجوار مساحة الأراضى التى قاموا باستصلاحها وزراعتها، وطالبوا بتقنين مساحة 1253 فدان، وتقدر الأراضى محل زراعتنا كما قدرتها مديرية الزراعة بأسوان بحوالى 1063 فدان.
وتابع بأنه فى عام 2015 صدر قرار رقم 16 من وزير الزراعة السابق البلتاجى بإزالة التعديات على القطعتين، وتم تنفيذ القرار وترغب الشركة فى ضم مساحة 1063 فدان هى مساحة زراعاتنا، حيث قامت بالاستعانة بالبلطجية من المعروفين عنهم حيازة الأسلحة الآلية، وعليهم أحكام جنائية بسبب نشاطهم فى التهريب، مستخدمين الآلات والمعدات لإازالة معالم الأراضى الزراعية والمساقى والترع والمصارف، حسب قوله.
ووجه الأمير للرئيس عبدالفتاح السيسى صرخات مائتى أسرة، هى أسر المزارعين، والتى تعانى من جور وظلم وقع عليهم من المتواطئين من مسؤولى التعمير ورجال الأعمال، إن جاز التعبير.
ـــ جريمة زكريا عزمى
فى مارس 2011 أحال المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام السابق، البلاغ المقدم من جبهة دفاع محامى أسوان، ضد الدكتور زكريا عزمى رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، وأحمد المغربى وزير الإسكان والمرافق السابق وآخرين، الذى حمل رقم 2870، إلى المحامى العام لنيابات أسوان بعد ثلاث ساعات من استلامه الأربعاء، للتحقيق فيما جاء به من بيانات تتهم عزمى والمغربى و8 رجال أعمال بالاستيلاء، بموجب مزايدات وهمية على مساحة 41 ألف و700 فدان بمنطقة شباب الخريجين بوادى النقرة بشرق أسوان.
وكلف المحامى العام لنيابات أسوان، رئيس نيابة مركز نصر النوبة الجزئية المحلية، التى تقع فى نطاقها الأراضى المتنازع عليها بفتح تحقيق عاجل، والتى بدورها استمعت لكل من أحمد محمود الجرجاوى، وحسين بشير، ومحمد أمين نجم الدين، أعضاء من جبهة دفاع محاميى أسوان، وطالبتهم بتقديم المستندات الدالة على بلاغهم، كما استدعت المسؤولين عن هيئة التعمير بنصر النوبة للتحقيق معهم بما ورد بالبلاغ.
ــــ حيتان الأراضي
كشف وقتها أعضاء الجبهة فى بلاغهم أن الدكتور زكريا عزمى، رئيس ديوان رئيس الجمهورية السابق، كون شركة باسم ابن شقيقته حسام الدين عوض، وأطلق عليها اسم "أجرى فست الزراعية"، وأن عزمى استطاع ترسية مزادات وهمية، وبمقتضاها حصلت الشركة على مساحة 5 آلاف فدان، وأن هذه المساحة تم زراعة ألفى فدان منها بنبات عنب "الجناكليز" المستخدم فى صناعة الخمور والذى يتم تصديره للخارج .
وتضمن البلاغ أيضًا قائمة تضم أحمد المغربى وزير الإسكان، مالك شركة "المغربى الزراعية"، التى تستحوذ على 6 آلاف فدان وشركة "الفتح للتنمية الزراعية" المملوكة لرجل الأعمال رشاد عثمان، التى تستحوذ على 10 آلاف و700 فدان، وشركة "الدقهلية الزراعية" المملوكة لمحمود العنانى عضو مجلس الشعب السابق عن الحزب الوطنى، التى تستحوذ على 4 آلاف فدان، وشركة "دلتكس الزراعية" المملوكة لرجل الأعمال سعد النجار صهر محمود العنانى، التى تستحوذ على 3 آلاف و500 فدان.
ــــ قائمة الشركات بوادى النقرة
وتضمنت قائمة الشركات التى تستحوذ على أرض فى وادى النقرة بأسوان وفقا لما جاء فى البلاغ جبهة المحامين، شركة "الفايد الزراعية" المملوكة لرجل الأعمال عمرو الفايد، ولها 4 آلاف فدان وشركة "شلاضم الزراعية" المملوكة لرجل الأعمال صلاح شلاضم، وتستحوذ على 5 آلاف فدان، وشركة "نعيم كميل الزراعية" المملوكة لرجل الأعمال نعيم كميل ولها 3 آلاف و500 فدان.
وطالبت الجبهة فى بلاغها للنائب العام بسرعة تشكيل لجنة من وزارة الزراعة تحت إشراف النيابة العامة للانتقال إلى المساحات محل الشكوى ومعاينة المنزرع منها وغير المنزرع، وأيضًا مخاطبة الجهات المختصة لتقديم ما تحت يدها من مستندات وسندات ملكية، والتحفظ على هذه المساحات وإعادة توزيعها على مستحقيها وفقًا للقوانين واللوائح.
ويقول محمد النعمان، محامى المزارعين: إنهم وضعوا أيديهم على الأرض منذ سنوات، واستصلحوها وزرعوها، وبدأوا بالفعل فى تقنين أوضاعهم، لكنهم فوجئوا فى 13 مارس الماضى بقوات أمن وحفارات وبلدوزرات تنفذ قرار إزالة فى المزارع، رغم أن القانون ينص على وجوب إعلام الصادر ضده القرار ليأخذ رده القانونى فى الطعن، لكنهم لم يخطروا.
وأضاف المحامى أنه بالبحث تبين أن الأراضى بيعت لأشخاص بعينهم قبل ثورة 25 يناير، لكنهم غير متواجدين فى هذه الأراضى، وعام 2011 أصدرت النيابة قرارًا بسحب جميع الأراضى ممن صدر لصالحهم البيع، من الشركات ورجال الأعمال فى وادى النقرة، وبموجب هذا القرار حق للمزارعين تقديم طلبات تقنين أوضاعهم.
وقال إنه إذا صدر ضد أى مواطن قرار إزالة يجب إعلامه به، ليتخذ إجراءات الطعن عليه، وإذا تكاسل حينها يبدأ التنفيذ، ولا يكون بتلك الطريقة، فأول شروط قرارات الإزالة المحافظة على الأرواح والممتلكات والمنشآت لكن ما تم هو القضاء على الأخضر واليابس.
ويوضح حسام عبدالحافظ المحامى أن عام 2011 سحبت الأراضى التى بيعت قبل الثورة، لذلك يحاول المتضررون من رجال الأعمال وأصحاب الشركات خلق واقع جديد مع اقتراب زيارة لجنة محلب للمنطقة لتقنين أوضاع المزارعين، فلجأوا بالتواطؤ مع أطراف أخرى لإخلاء الأراضى بالإجبار، والأمر أمام النيابة الآن للتحقيق فيه.
ـــ لا يوجد نقطة أمنية ونتعرض للإيتزاز من البلطجية
ومن ناحية أخرى يقول حامد حسان أحد شباب الخريجين، والذى يمتلك قطعة أرض بوادى النقرة: إنه تعرض لجميع أنواع الابتزاز من البلطجية، الذين يفرضون الأتاوات على المزارعين، حيث كان يدفع إتاوة شهرية ألفى جنيه، حتى لا يقترب منه البلطجية، وعندما رفض فى أحد الشهور أن يدفع الإتاوة وأخبر الشرطة بذلك، قام البلطجية بحرق غرفة كان يرتاح بها بعد مشقة العمل فى الأرض وهو بداخلها، مما تسبب فى إصابته إصابات بالغة.
وأخيرًا طالب مزارعو وادى النقرة بإلغاء قرار الحفظ الصادر فى المحضر، واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المسؤولين بشركة "أجرى فيست" ومن عاونهم فى إتلاف زراعة المزارعين ومنازلهم وإصدار قرار بتمكينهم من الأرض التى سلبت منهم.
نقلا عن العدد الورقي.