جاء كتاب "الحقيقة.. هل كان عبد الناصر إخوانيا" آخر كتب القيادي المنشق عن جماعة الإخوان ثروت الخرباوي متضمنا دراسة تاريخية عن موضوع أحدث جدلا في الفترة الأخيرة وهو طبيعة العلاقة بين الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان، إذ ظلت قصة هذه العلاقة حائرة لسنوات طويلة، وأثارت تساؤلات هل كان عبد الناصر من الإخوان فعلا قبل ثورة يوليو 1952؟ وهل كان يجلس تلميذا لسيد قطب أم أن ما ردده البعض في هذا الخصوص كان من باب المبالغات؟.. وأشياء أخرى كثيرة لم يفك أحد طلاسمها وظلت تدور بين الإثبات والنفي، وعندما عُرض في شهر رمضان الماضي الجزء الثاني من مسلسل "الجماعة" للكاتب وحيد حامد تفجرت هذه القضية مرة أخرى بحسب أن وحيد حامد انحاز لمن يقولون بأن عبد الناصر كان قبل يوليو 1952 عضوا في الإخوان وأنه بايع أحد قيادات الإخوان على السمع والطاعة.
ومن إصدارات "أخبار اليوم" خرج كتاب "الحقيقة.. هل كان عبد الناصر إخوانيا" ليكشف لنا خفايا هذه القضية، وكما قال علاء عبد الهادي رئيس تحرير "كتاب اليوم" في مقدمته لهذا الكتاب أنه "تاريخ بروح الأدب" ذلك أن الخرباوي لم يكتب الكتاب بالطريقة المعتادة بالأبحاث التاريخية، ولكنه جعل من أحداثه مادة حية تسعى بيننا، نشاهد شخوصها ونتحدث معهم، ورغم أن الكتاب صغير الحجم إلا أنه احتوى على ثمانية فصول، وكانت المفاجأة أن الخرباوي وضع في كتابه وثائق خطية بخط أصحابها تكشف عن طبيعة علاقة عبد الناصر بالإخوان، وكانت هذه الوثائق جزءً من أحداث الكتب.
واستخدم الخرباوي في كتابه المنهج العلمي في تحقيق القضايا التاريخية، وبما أن الكتاب يدور حول انضمام أو عدم انضمام عبد الناصر للإخوان لذلك كان لابد أن يدخل الخرباوي بنا إلى عالم الإخوان في تلك الفترة من الزمن في حقبة الأربعينيات، ووضع لنا دراسة حية عن سيكولوجية التنظيم، وأفكاره، وطبيعة العضوية فيه، وألقى لنا قنبلة عن عضوية شخصيات كبيرة للإخوان لم يكن أحد يعلمها، وحلل لتلك العضوية وطبيعتها، وهل كانت عضوية حقيقية أم عضوية صورية، ثم دخل بنا إلى شخصية عبد الناصر وعاد بنا إلى جذوره وتاريخ عائلته وقبيلته وطبيعة قريته بني مر، وعمل والده، وارتباطه بوالدته، وصدمته عند وفاتها، ثم تطرق إلى ثقافته وتكوينه النفسي وصولا إلى التحاقه بالكلية الحربية وتخرجه منها وتعرفه على عبد الحكيم عامر ثم تأسيسه لتنظيم الضباط الأحرار.
وبعد ذلك كشف لنا الخرباوي أشياء لم يتكلم عنها أحد من قبل عن "بيعة الإخوان" بحسب أن بعض شهود التاريخ شهدوا بأن عبد الناصر بايع قيادات الإخوان على السمع والطاعة، فاستعرض الخرباوي سيكولوجية تلك البيعة ومفهومها، ومن ذا الذي يصلح لأداء البيعة، وأنواع البيعة في الإخوان، وسرد لنا من خلال أحداث التاريخ الحية المثيرة نوعين من بيعة الإخوان، البيعة المفتوحة والبيعة المغلقة، وهذه لم يحدث أن كتب عنها أحدٌ من قبل، إلا أنها أوضحت لنا بعض أسرار معبد الإخوان، وكشفت للدارسين والمحللين طبيعة بعض الاختلافات بين أفراد ذلك التنظيم الإخواني.
ونظرا لأن واقعة إثبات الانضمام للإخوان أو نفيها وردت على ألسنة شهود من الإخوان ومن الضباط الأحرار لذلك لم يأخد الخرباوي تلك الشهادات على علاتها دون تمحيص ولكنه استخدم منهجه البحثي لسيكولوجية الشهود من الطرفين ونزعاتهم وأهواءهم، ثم تتبع بعض تناقضاتهم كما يفعل المحقق القضائي في المحاكم ليخلص إلى تحليل لتلك الشهادات.
ولأن واقعة هذا الانتماء تحدث عنها عبد الناصر بنفسه لذلك عاد الخرباوي إلى شهادة عبد الناصر التي ألقاها مرتين، مرة في مؤتمر في حلوان عام 1964 ومرة في حوار له مع الصحفي الإنجليزي الشهير ديفيد مورجان.